خريطة المعارك السورية: النظام يسيطر على المدن ويقاتل في الأرياف

«كر وفر» في غوطتي دمشق.. و«أم المعارك» على الشاطئ الشرقي لنهر العاصي في الشمال

عضو في الجيش الحر مع عروسه لدى الاحتفال بزواجهما في حلب (رويترز)
TT

تلتقي أنباء الميدان السوري مع ما تؤكده التصريحات السياسية الداعمة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد بأن الحسم العسكري في سوريا مهمة مستحيلة أمام الفريقين المتقاتلين، رغم أن الجيش السوري الحر، منذ إطلاق عملياته العسكرية ضد النظام، حقق تقدما استراتيجيا في شمال سوريا، وآخر ملموسا في ريف دمشق، فيما بقي الساحل السوري عصيا على المعارضة بشكل لافت.

ولا ينفي الجيش الحر أن تقدمه في شمال سوريا في هذه الأيام «بطيء»، رغم إنجازات كثيرة حققها خلال الشهرين الأخيرين على صعيد تحرير مطار تفتناز في إدلب من الجيش النظامي، وتحرير قواعد عسكرية استراتيجية في ريف حلب مثل الفوج 46 والفوج 111 وغيرهما.. لكن الاشتباكات العنيفة التي تشهدها أنحاء متفرقة من البلاد، وإعلان النظام إعادة سيطرته على مواقع عسكرية، قبل تراجعه تحت الضغط الميداني، وتضارب أنباء المعارضة حول السيطرة على مواقع نظامية، كلها أمور تؤكد أن «المعركة طويلة، وتشهد حرب استنزاف للطرفين».

مصادر المعارضة تشير إلى أن البطء في التقدم منذ شهر إلى الآن «يعود لسببين رئيسيين، هما انحسار الإمدادات العسكرية بالذخيرة والسلاح، فضلا عن عوامل المناخ التي لا تخلق جوا مناسبا للقتال». وتقول المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن «النقص في الإمدادات يسهم في تقليص فرصة التقدم، رغم أننا نستعيض عن حاجتنا للسلاح النوعي بالحصار طويل الأمد للمواقع العسكرية المستهدفة».

ويتركز القتال في مناطق محددة في الشمال وريف دمشق وحماه وجنوب البلاد، وتحديدا في درعا وبعض المواقع في القنيطرة والسويداء. وإذا كانت المعارضة تسيطر على معظم ريفي حلب وإدلب، فإن القوات النظامية تحافظ على سيطرتها على المدينتين المذكورتين، رغم أن الاشتباكات تدور في محيطهما».

وتشهد منطقة الشاطئ الشرقي لنهر العاصي في شمال سوريا معارك عنيفة وضارية، واشتباكات مستمرة منذ ستة أشهر، لم تؤد إلى حسم المعركة لصالح طرف من الطرفين. ويوضح المقدم الركن مسعف صبوح، عضو تجمع حماة الثورة في سوريا، أن ريف حماه الشمالي يشهد معارك عنيفة منذ فترة، إذ «يحاول النظام الحفاظ على وجوده في المناطق المتاخمة لسهل الغاب وسهل الروس، كونها تعد الخاصرة الرخوة للقرى الموالية له». ويشير لـ«الشرق الأوسط» إلى أن شريط المعركة «يبدأ من الحولة التابعة لحمص، جنوبا، ويمتد إلى الشمال مرورا بمنطقة العشارنة والترميسة وحلفايا واللطمانة وصولا إلى جبل زين العابدين». وتتوسع خارطة الاشتباكات شمالا «حتى السفح الشرقي لجبل الأكراد».

غير أن الجبهة المفتوحة من حماه باتجاه ريف إدلب، تقع في «خان شيخون في إدلب على الأوتوستراد الرئيسي للطريق الدولية، وتمتد حتى معرة النعمان شمالا باتجاه معسكر المفطومة الذي يحاول المقاتلون المعارضون تحريره بعد السيطرة على مطار تفتناز العسكري». ويلفت المقدم الركن صبوح إلى أن «تحرير مطار تفتناز بعد السيطرة على الفوج 46 أتاح للمعارضة فتح العمق السوري على الحدود التركية السورية عبر الريف الشمالي الغربي لمحافظة إدلب».

ورغم الهجوم المتواصل لقوى المعارضة على نقاط الجيش النظامي على الشاطئ الشرقي لنهر العاصي، فإن وجوده في المنطقة لا يزال قائما. لكن فعالية تلك النقاط العسكرية «تكاد لا تُذكر»، بحسب صبوح الذي يشير إلى أن الجيش النظامي «لا يستطيع الخروج من دباباته وآلياته المتمركزة في نقاط ثابتة، لكنه يستطيع المناورة بالنيران المدفعية والصاروخية، وهو ما يجعله قادرا على الصمود في بعض المناطق».

وفي ريف حلب، حيث يسيطر المقاتلون المعارضون على قسم كبير من مناطقه، لا تزال القوات النظامية تحتفظ بموقعين عسكريين كبيرين ومهمين، هما مطار مينغ العسكري شمال حلب المتاخم لمدينة أعزاز الحدودية، ومطار كويرس شرق المدينة المتاخم لمدينة دير حافر. أما النقاط العسكرية الأخرى التي خسرها شيئا فشيئا فإنه لم يستعد السيطرة عليها بتاتا في الريف خصوصا في الشرق في منطقة الباب ومنبج، خلافا لمعاركه ضمن مدينة حلب، رغم أن القوات النظامية تحاول التقدم نحو الحدود التركية، إذ تدور المعارك في حريتان وعندان ومارع وتل رفعت ودارة عزة وصولا إلى أعزاز.

ففي المدينة، فقد النظام في بداية المعركة السيطرة على مواقع عسكرية كثيرة، مثل ثكنة هنانو وبعض الأحياء التي سيطرت عليها قوى المعارضة. لكنه استعاد السيطرة على الثكنة، وعلى أحياء مثل الشعار ومحيط الكليات العسكرية التي انحسر القتال في محيطها، باستثناء مدرسة الشرطة التي تشهد حربا مفتوحة، وتؤكد مصادر المعارضة أن تحريرها «بات قاب قوسين أو أدنى».

في هذا السياق، يلفت المقدم الركن صبوح إلى أن «التقدم في حلب صعب للغاية، إذ يحتاج قتال الشوارع لتكتيكات هي من أصعب استراتيجيات الحرب في العالم»، معتبرا أن «تقدم عشرة أمتار ضمن المدينة هو إنجاز».

وفي الشمال أيضا، خسر النظام سيطرته على كامل الشريط الحدودي والمعابر الحدودية مع تركيا باستثناء معبر كسب الذي يحافظ على وجوده، كما على مدينة إدلب وقريتي الفوعا وكفريا اللتين تعتبرهما المعارضة «معقل الشبيحة والجيش النظامي». وتشهد المناطق المتاخمة للقريتين ولمعبر كسب «معارك متواصلة ويومية».

وليس بعيدا عن شمال سوريا، يسيطر النظام على كامل الساحل السوري الذي لم يشهد معارك عنيفة، لكن ريف اللاذقية يشهد قصفا عنيفا بالبراميل المتفجرة، رغم أن الاشتباكات قليلة. ويقول عضو تنسيقيات الثورة في اللاذقية عمار الحسن لـ«الشرق الأوسط» إن «الجيش الحر يستولي على مناطق واسعة في جبلي التركمان والأكراد، فضلا عن منطقة مصيف سلمى والقرى المحيطة بها، وهي المناطق المحاذية للحدود التركية، لكن الاشتباكات فيها قليلة، إذ تقتصر المعارك على قصف القوات النظامية لمواقع المعارضة». وسجلت في ريف اللاذقية خسارة المعارضة لمنطقة الحفة التي استعاد النظام السيطرة عليها بعد انسحاب قوات المعارضة منها إلى جبل الأكراد والدويكة والمجدل.

أما في الشرق السوري، فتتركز المعارك في دير الزور في محيط منطقة الميادين والمطار العسكري في المدينة، وعلى الحدود العراقية وتحديدا في البوكمال، وتتعرض المناطق التي لا يسيطر عليها النظام لقصف شبه يومي. أما في محافظة الرقة، فتشهد منطقة رأس العين الحدودية اشتباكات شبه يومية بعد سيطرة المعارضة عليها.

وتشهد حمص معارك يومية في أحياء الخالدية وبابا عمرو، بعد استعادة القوات النظامية السيطرة على عدة مناطق، ومنها المحاذية للحدود اللبنانية السورية خصوصا تلكلخ. ويقول ناشط من القصير لـ«الشرق الأوسط» إن «سيطرة النظام هنا لا تتعدى وجوده في حواجزه، لكنه استعاد تلكلخ بعد تدميرها، بحيث لم يبق فيها حجر على حجر». ويضيف الناشط أن «وجود النظام في ريف القصير يقتصر على وجوده في مطار الضبعة العسكري».

وفي دمشق التي تعتبر المدينة الوحيدة التي لا تزال قوات الأمن تنفذ اعتقالات فيها، تقتصر المعارك على تخومها، وتحديدا في المزة المتاخمة لداريا في ريف دمشق، وعربين القريبة من دوما. أما الريف فيشهد أم المعارك اليومية في الغوطتين الشرقية والغربية، خصوصا بعد استعادة النظام السيطرة على مناطق فقدها مثل كفرسوسة ونهر عيشة.

ويصف عضو مجلس قيادة الثورة في ريف دمشق إسماعيل الداراني الحال بمعارك «الكر والفر». ويشير الداراني، وهو الناطق باسم كتيبة سعد بن أبي وقاص، إلى أن معركة داريا على سبيل المثال «تختصر الواقع كله». ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «قبل يومين، احتلت القوات النظامية نصف داريا بعدما تقدمت من محاور كثيرة، لكن بقاءها لم يستمر أكثر من ساعات قليلة، حيث واجهها مقاتلو تجمع أنصار الإسلام في دمشق وريفها بمقاومة عنيفة أجبرتها على التراجع إلى الأطراف». ويشير إلى أن القوات النظامية «تحولت إلى مدافع عن مطار المزة العسكري، فعمدت إلى حمايته بالقصف العشوائي وإزالة المنازل والمنشآت العمرانية من أمامه بغية حمايته».

الغوطة الشرقية، التي تعتبر الموقع الأكثر سخونة، يتركز القتال فيها في عربين وتخوم منطقة دوما التي فقد النظام السيطرة عليها ولم يستطع الدخول إليها. ويقول الداراني إن القوات النظامية «تقصف المناطق التي لا تستطيع الدخول إليها، باتباع سياسة الأرض المحروقة، لكن أيا من الطرفين لا يستطيع الحسم العسكري في الغوطتين الشرقية والغربية». ويضيف «حين يسيطر النظام على موقع أو حي يعني ذلك أنه ارتكب مجزرة، لأنه من غير ذلك لا يستطيع اقتحام أي موقع في ريف دمشق». أما الزبداني فلا تزال عصية على النظام، وتتركز الاشتباكات في محيطها وتحديدا في رنكوس وعسال الورد وجوارهما الممتد على طول الحدود مع لبنان.

وفي درعا، يتركز القتال في بصر الحرير واليادودة بعد تدمير الحراك والكرك من غير القدرة على دخولهما، فيما استعادت القوات النظامية على درعا البلد، واتجهت إلى تنفيد عمليات أمنية فيها. فضلا عن معارك متقطعة في السوداء والقنيطرة والحسكة.