الانتخابات الأردنية: ركود في المخيمات الفلسطينية

أنظار الحكومة تتجه نحوها لرفع نسبة الاقتراع وتفويت الفرصة على الحركة الإسلامية المقاطعة

TT

تتجه أنظار المرشحين والأحزاب المشاركة والمقاطعة، وكذلك الحكومة الأردنية، في الأيام القليلة التي تسبق موعد الانتخابات النيابية في الثالث والعشرين من يناير (كانون الثاني) الجاري، نحو المخيمات الفلسطينية في الأردن؛ لحشد أكبر عدد ممكن من الأصوات، سواء كان لصالح المرشحين من الدائرة الانتخابية المحلية، أو القوائم الحزبية، أو لجهة تحقيق مكاسب سياسية من قبل الأحزاب المقاطعة، وأبرزها جبهة العمل الإسلامي أو التيار الوطنية الفلسطينية التي تساند الحكومة الأردنية في حث الناخبين على المشاركة.

ويجمع المراقبون لسير العملية الانتخابية على أن الحركة الإسلامية المقاطعة للانتخابات تراهن على عدم توجه الناخبين إلى صناديق الاقتراع وإفشال العملية من خلال النسب المتدنية، إذ إن هناك شريحة لا يستهان بها من أنصار هذه الحركة داخل المخيمات الفلسطينية البالغ عددها 13 مخيما.

ويرى المراقبون أن الحكومة الأردنية التفتت مؤخرا إلى خطوة الحركة الإسلامية ورهانها على المقاطعة، فبادر رئيس الحكومة عبد الله النسور بجمع 500 من وجهاء ومخاتير والمحسوبين على الدولة من أعضاء لجان المخيمات، في لقاء اتسم بالمغازلة السياسية لأبناء المخيمات، وحثهم على المشاركة في العملية الانتخابية والتصويت من أجل رفع النسبة في هذه المخيمات. ويساند هذا التوجه الحكومي تيار حركة فتح داخل المخيمات الذي يعمل هو الآخر لحث الناخبين على المشاركة.

ولطالما كانت المخيمات الفلسطينية بعيدة كل البعد عن الحراك السياسي والربيع الأردني؛ تحسبا منهم لوقوع فتنة داخلية بين الأردنيين والفلسطينيين، ولذلك فإن المخيمات التي نأت بنفسها عن المشاركة في الحراك الأردني ترسخ لدى أبنائها أنهم غير معنيين بهذه الانتخابات لشعورهم بالغبن واعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية.

وتخلو المخيمات من أي حراك انتخابي ظاهر للعيان، باستثناء لقاءات دعائية محصورة في أماكن مغلقة للمرشحين مع عائلات أو تجمعات صغيرة تتولى عائلات دعوتها للاستماع لهؤلاء المرشحين وبرامجهم الانتخابية إذا كانت موجودة، أو تأخذ هذه اللقاءات طابع المجاملة بين العائلات والمرشحين، وتخلو هذه اللقاءات في العادة من الخطب الرنانة والشعارات المنمقة.

وبخلاف ما تم تسجيله من دعاية انتخابية في المخيمات خلال المواسم الانتخابية السابقة، فإن أي مظاهر انتخابية في المخيمات تحتاج لجهد كبير لرصدها أو إحصائها؛ فهي لا تزال دون المستوى المطلوب مقارنة بالانتخابات النيابية السابقة.

وفي المخيمات التي تقوم عادة بدور خزان الأصوات لعشرات المرشحين في مناطق انتخابية أخرى في المملكة، لا يزال المشهد ساكنا إلى أبعد حدود السكون، لكن ذلك لا يعني بالضرورة الاختفاء الكلي للمشهد الانتخابي؛ لأن من المرجح أن تكون نسبة المشاركة فيها في حدودها الدنيا.

ويرى المراقبون أن القائمين على تشكيل القوائم ضموا في قوائمهم مرشحين من المخيمات كي يقوم هؤلاء المرشحون بدور وظيفي فقط هو استقطاب أصوات الناخبين في المخيمات لقوائمهم على أن يتعهد رئيس القائمة أو الحزب بالتكفل التام بكل المصاريف الانتخابية، وصولا إلى جمع أكبر عدد ممكن من أصوات الناخبين في المخيمات من دون النظر بجدية إلى نجاح ذلك المرشح.

وهذا الأمر فتح الباب على مصراعيه لتجلي المال الانتخابي في الانتخابات بشكل جديد من خلال «القوائم» هذه المرة، إضافة إلى تجلياته التقليدية السابقة.

ومن الملاحظ أن تجليات المال الانتخابي من خلال القوائم لا تتوقف فقط عند جغرافيا المخيمات، بل بدأت تتحول إلى ظاهرة عامة في معظم المناطق الأردنية في ظل تشكيل 61 قائمة وطنية.

ولعل من أبرز ما يشار إليه في المشهد الانتخابي داخل المخيمات أن الناخبين لا يزالون يعيشون حالة عزوف واضحة عن الانخراط الجاد في العملية الانتخابية، وهم في حالة ركود انتخابي تظهر بشكل واضح في خلو الكثير من المقار الانتخابية من زوارها.. الأمر الذي دفع المرشحين إلى إعادة تدوير زياراتهم وجولاتهم من أجل كسب الثقة والتأييد والدعم، إضافة إلى افتتاح المقرات الانتخابية وإقامة المهرجانات الخطابية.

ويرى مراقبون في الركود الانتخابي وعدم الاكتراث في المخيمات، نتيجة طبيعية لغياب مرشحي الأحزاب السياسية الفاعلة، مثل «الإخوان المسلمين»، إضافة إلى قناعة شريحة كبيرة من المواطنين بأن الانتخابات لن تحدث فرقا واضحا في أحوالهم المعيشية والخدمية المتردية.

ويقول محمود يوسف من مخيم البقعة إن أحد المرشحين زاره في منزله مرتين لحثه على التصويت له، كما قام بزيارات مماثلة لعدد من جيرانه.

ويقول يوسف (57 عاما): «حتى لا أخسر جيرانا وعدت ذاك المرشح مجاملة بالذهاب إلى الاقتراع، ولكن في حقيقة نفسي لن أذهب كي لا أصوت لأي مرشح لعدم قناعتي بأي منهم، والعملية الانتخابية التي تم تزويرها في أكثر من مرة سابقة».

أما محمد يعقوب من مخيم حطين فقال لـ«الشرق الأوسط» متسائلا: «لماذا أصوت؟ أولا أنا أصلا لم أذهب للحصول على البطاقة الانتخابية لقناعتي بأن الحكومة ستنجح من تريد ولنا تجارب سابقة معها في تزوير إرادة الشعب».

وأضاف أنه «غير معني في هذه الانتخابات سواء بمن رشح أو اقترع أو فاز؛ لأنه في النهاية سيفوز ابن الحكومة وليس ابن الشعب».

وقال عبد القادر مراد من مخيم الوحدات: «إن المرشحين لا يهتمون بالمخيمات إلا عند الانتخابات.. وأنا أشعر أن هناك تهميشا لأبناء المخيمات عامة من حيث توزيع المكتسبات في الوظائف العامة والتجنيد بالجيش والأمن والحصول على فرص التعليم في الجامعات وغيرها».

لكن جمال شمروخ يختلف مع الآراء السابقة بقوله: «إننا نقف أمام جملة من التحديات تمثل ملامح مرحلة تاريخية جديدة، وعلينا المبادرة والتحلي بالشجاعة والمسؤولية الوطنية لاستكمال المسيرة، كي تتاح الفرصة لجيل جديد من أبناء الوطن للعمل من أجل وضع بصماتهم على تاريخ بلادهم من خلال ممارسة حقهم الديمقراطي، ومنح ثقتهم لمن يستحقها ويرونه الممثل المناسب لطموحاتهم».

ويأمل شمروخ في أن تستأنف تجربة جديدة من خلال مجلس النواب المقبل؛ كي يكون معبرا تعبيرا حقيقيا عن طموحات الناخبين، وتكون فرصة عظيمة لوضع الأرضية الثابتة لإطلاق دفعة جديدة من المشروعات الوطنية التي تحظى بالإجماع الشعبي برؤية واعية تستطيع أن ترتب الأولويات وتضع الآليات اللازمة لتحويل مشروعية الحلم إلى أرضية الواقع. ودعا الناخبين إلى التوجه إلى صناديق الاقتراع واختيار الأكفأ والأقدر على تحمل المسؤولية لتحقيق طموحاتنا.

ويؤكد مراقبون استشراء ظاهرة شراء ذمم الناخبين في المخيمات ومحاولة الفوز عبر إغراء الناخبين بالأموال والمواد العينية، حيث تتراوح هذه الرشى بين تقديم مال نقدي أو عيني، مثل «الحرامات» أو المدافئ، أو حتى إقامة أيام طبية مجانية تقدمها هيئات ومؤسسات سياسية تقف خلفها شخصيات مرشحة.

من جانبه يرى مدير مركز القدس للدراسات السياسية عريب الرنتاوي أنه يجري التعامل مع هذه المخيمات بوصفها «خزانا رخيصا» للأصوات.. بمقدور من امتلك المال أو الجاه أو السطوة أو «الواسطة» أن يذهب إليه ليغرف ما شاء من الأصوات.. ومن قبل كان بمقدور أصحاب المال والجاه والنفوذ، أن ينقلوا هذه الأصوات حيث طاب لهم الهوى.. وحكاية «حافلات» نقل الأصوات التي انطلقت من المخيمات لتجوب أنحاء البلاد في سابق الانتخابات باتت أكثر من معروفة.

ويضيف الرنتاوي أن الدولة تستحث سكان المخيمات (في ربع الساعة الأخير كدأبها) على المشاركة، لرفع نسب الاقتراع، خشية أن يحسب لتيار المقاطعة أنه حقق مبتغاه.. وهي لهذه الغاية عمدت إلى «توسيط» خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس لإقناع «الإخوان المسلمين» بالمشاركة، وعندما تعذر عليه إتمام مهمته في ظل رفض «الإخوان» للوساطة، لجأت بعض دوائر الدولة إلى السلطة وفتح، لعل وعسى.. علما بأن اللجوء إلى قطبي المعادلة الفلسطيني، وإن جاء بطرق غير مباشرة وغير رسمية، يعد انتهاكا لمبدأ أساسي اعتمدته الدولة في علاقاتها مع الفصائل الفلسطينية: عدم التدخل في الشؤون الأردنية الداخلية.. لكن يبدو أن الضرورات تبيح المحظورات، وسياسة «العليق عند الغارة» تفضي إلى هكذا مواقف.. والتدخل المرفوض يصبح مقبولا إن جاء من بوابة الدولة وليس من بوابة المجتمع أو المجموعات.

ويؤكد الرنتاوي أن «الدولة لم تيأس من تكرار المحاولة، طالما أن الهدف هو رفع نسبة الاقتراع بأي ثمن، وتفويت الفرصة على «الإخوان» وتيار المقاطعة.. فلجأت إلى «المخاتير» و«الوجاهات التقليدية» التي تآكل دورها في أوساط الفلسطينيين والأردنيين من أصول فلسطينية سواء بسواء.. حتى إنني استمعت في بعض الأحياء الشعبية لقصص وشائعات تتحدث عن مخاطر عدم التسجيل وعدم الانتخاب، تحت طائلة الفزاعة إياها: سحب الرقم الوطني، ولا أدري من هو صاحب «براءة الاختراع» اللئيمة هذه.

ويقول الرنتاوي: «إن المحاولات تعددت والهدف واحد: حفز مشاركة الأردنيين من أصول فلسطينية، حتى يتمكن البعض صبيحة 24 يناير من إخراج لسانه لـ(الإخوان المسلمين)، وإطلاق عبارة (ألم نقل لكم إن مقاطعتكم مثل مشاركتكم، لا تقدم ولا تؤخر)».

ويشير إلى أنه «قد ثبت عقم هذه السياسية، فلكي تقنع هؤلاء الذين اعتادوا تسجيل نسبة اقتراع تراوح ما بين 25 - 30 في المائة.. عليك أن تفعل ما هو أكثر من هذه الخطوات والمبادرات الكاريكاتيرية.. عليك أن تقنعهم بأنهم أصحاب (مواطنة متساوية) في الحقوق والواجبات، وأنهم مع سائر خلق الله، سواسية أمام القانون.. وأن عليهم من الواجبات التي لا تقصر الدولة في الاستحصال عليها، وأن لهم من الحقوق العادلة والمتساوية، ما لا يحق للدولة أن تغمض الأعين عن مصادرتها أو تأجيلها أو الانتقاص منها».

ويختم الرنتاوي قوله: «إلى أن يجري تصحيح الاختلال في علاقة الدولة بهذه الفئة من مواطنيها.. وما لم يشعر هؤلاء بأن مواطنتهم ليست ملونة أو مهددة بالتلون بالأصفر والأخضر، فإن كافة الوسائل المتبعة لحفزهم على المشاركة لن تزيد على أن تكون وسائل ترقيعية، أو نوعا من (العليق عند الغارة).. والمسألة هنا لا تتعلق بـ(الإخوان المسلمين)، مشاركة أو مقاطعة، فقد ظلت نسب الاقتراع في دوائر أربع في عمان والرصيفة، حيث يقطن ما يزيد على 30 في المائة من سكان الأردن، تدور في النطاق الذي أشرنا إليه، بمشاركة (الإخوان) ومقاطعتهم.. القصة أعمق من مجرد مناكفة بين الدولة و(الإخوان).. جذر المشكلة يكمن في اختلال العلاقة بين الدولة وهذه الفئة من مواطنيها».

ويرى ماهر أبو طير الكاتب والمحلل السياسي، أن المخيمات بقيت حالة سياسية ساكنة أغلب الوقت، فسكانها مواطنون أردنيون، وفي الوقت ذاته لاجئون تحت عنوان «العودة المنتظرة»، والمخيمات بقيت تعيش تحت وطأة هذه الحساسية المزدوجة، وأدارت وجودها بطريقة ذكية.

ويضيف أن الكل يريد المخيمات إلى جانبه، والدولة تحثها على المشاركة في الانتخابات، والمعارضة تتمنى لو تقاطع المخيمات، وما بينهما هناك أغلبية لا تريد الدخول في هذه المكاسرة.

ويضيف أبو طير أن هذا الوضع أنتج حالة معقدة، إذ إن المخيمات تعاني تعدد الوكلاء وتنافسهم، وتعدد ألوانهم السياسية المتناقضة والمتحاربة، وكل ما تخشاه المخيمات هو أن تكون مجرد ورقة تكتيكية تتنازعها كل الأطراف في سياق المكاسرة الجارية داخليا.

وتابع القول إن «كل ما تريده المخيمات في الأردن هو حياة كريمة وحقوق مصانة، وواجبات تتم تأديتها، وأن يبقى الاستقرار في الأردن، وفي الوقت ذاته فإن حساسية معادلة (المواطنة - اللجوء) لا تغيب حتى الآن، ولا تقدر المخيمات أيضا أن تتخلى عن هذه الحساسية، لأنها لو تخلت عن أحد طرفي معادلة (المواطنة - اللجوء) فسوف تحظى باتهامات هي في غنى عنها».