من هو «السيد مارلبورو».. زعيم الخاطفين؟

مختار بلمختار الملقب بـ«الأعور» «شيخ الملثمين».. تدرب وفقد عينه في أفغانستان

مختار بلمختار
TT

تطلق عليه جماعته لقب «الأمير» وبعد سيطرة الجماعة المسلحة الإسلامية على شمال مالي العام الماضي، تاقت نفسه إلى مشاهدة الغروب أمام النهر في حراسة رجاله المسلحين. ويصفه آخرون بالـ«أعور» بعد أن فقد عينه بسبب شظية في أفغانستان وهو في الـ19 من العمر، في حين يطلق عليه البعض لقب «مارلبورو» لاحتكاره تهريب السجائر في منطقة الساحل من أجل تمويل جماعته الجهادية. ويطلق عليه مسؤولو الاستخبارات الفرنسية «الذي لا يمكن الإمساك به» لأنه هرب بعد تورطه الواضح في مجموعة من عمليات الاختطاف عام 2003. حين تم اختطاف 32 سائحا أوروبيا. ويعتقد أنه قد حصل على ملايين الدولارات كفدية لإطلاق سراح الرهائن.

ويعد مختار بلمختار، البالغ من العمر 40 عاما، والذي ولد في مدينة غرداية الصحراوية في الجزائر، والتي تقع على بعد 350 ميلا جنوب الجزائر، هو العقل المدبر لأزمة الرهائن في محطة غاز طبيعي دولية في شرق الجزائر.

ويقول مسؤولون جزائريون إنه وراء الهجوم والاختطاف الجماعي للأجانب، حيث يقول المتحدث باسمه إن الهجوم جاء ردا على التدخل الفرنسي في مالي ولدعم الجزائر للحرب الفرنسية ضد المسلحين الإسلاميين في الساحل. وكان بلمختار ناشطا سياسيا وقادرا على جني المال ويقاتل لسنوات في منطقة الساحل بما فيها مالي وموريتانيا والنيجر، وتعد واحدة من المناطق الفقيرة في العالم. مع ذلك من خلال عملية واحدة، تعد هي الأكثر وقاحة منذ سنوات، أصبح من أشهر الشخصيات التي انخرطت في العمل المسلح الإسلامي الذي اجتاح المنطقة وأجج غضب عواصم العالم.

ودفع قتل عبد الله عزام الفلسطيني الزعيم الروحي لـ«الأفغان العرب»، الذي يعد «رائد حركة الجهاد العالمية» وأستاذ أسامة بن لادن، في باكستان عام 1989 بلمختار إلى الانتقام من مقتله كما قال في عدد من المقابلات. وفي سن التاسعة عشرة سافر بلمختار إلى أفغانستان من أجل التدريب مع تنظيم القاعدة وأوضح في مقابلات أنه اتصل بشخصيات جهادية بارزة أخرى مثل أبو قتادة وأبو محمد المقدسي بحسب دراسة أجرتها مؤسسة جيمس تاون عام 2009. واتصل ببن لادن به من خلال وسطاء بحسب جليل الوناس، المدرس بجامعة الأخوين في المغرب. وأطلق بلمختار فيما بعد على ابنه اسم أسامة تيمنا بأسامة بن لادن وانخرط وسط السكان في جنوب الجزائر وشمال صحراء مالي من خلال الزواج من ابنة شيخ قبيلة بارز من تمبكتو في مالي. ويقال أيضا إنه تبرع بجزء من ثروته التي جمعها من أنشطته المربحة للسكان المحليين الفقراء كما كتب الوناس.

ويعد بلمختار، الذي وصفه الصحافي المالي، مالك أليو مايغا، الذي قابله الصيف الماضي، بأنه كتوم ويقظ وحريص وحذر، واحدا من أكثر القادة خبرة بين قادة ما أصبح فيما بعد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. وانشق عن الجماعة العام الماضي ليؤسس تنظيم خاص به باسم «جماعة الموقعون بالدم». ويعتقد أن خالد أبو عباس، وهو اسم مستعار يستخدمه أحيانا، يقيم في غاو بمالي، التي شهدت قصفا عنيفا بالطيران الفرنسي. ولم يكن واضحا ما إذا كان بلمختار في المنطقة أم يصدر الأوامر والتعليمات من على بعد. وهناك روايات تقول بأنه فقد إحدى عينيه في أفغانستان، بينما يقول البعض الآخر إنه فقدها في قتال مع الحكومة الجزائرية بعد عودته إلى الجزائر عام 1993. وكانت البلاد ممزقة من جراء الحرب الأهلية آنذاك بعد إلغاء الحكومة انتخابات عام 1992 التي كان أحد الأحزاب الإسلامية على وشك الفوز بها. وأدرج بلمختار على قائمة المطلوب القبض عليهم في الجزائر منذ ذلك الحين وصدر بحقه أكثر من حكم بالإعدام في المحاكم الجزائرية. ووردت أنباء عن مقتل بلمختار عام 1999. لكن بعد نحو عقد من الزمان تبنت الجماعة السلفية للدعوة والقتال، التي انضم إليها، فكر بن لادن وأطلقت على نفسها اسم تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي.

ويعد بلمختار وسيطا أساسيا مع تنظيم القاعدة ومورد معروف للأسلحة والمواد في الصحراء. مع ذلك ليس ممن يتقاسمون السلطة بسهولة، لذا استقال أو أقيل من منصبه كقائد للجماعة في مالي شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بسبب «الانحراف عن المسار الصحيح» كما ذكر مسؤول مالي نقلا عن زعيم تنظيم القاعدة في المغرب العربي، درودكال عبد المالك.

كان الجدال يدور حول عودة بلمختار إلى التهريب، حيث ذكر دومينيك توماس، الخبير في الإسلام المتطرف، لصحيفة «لوموند» أن أنشطة بلمختار تسير عكس الصورة التي ترسمها الجماعة لنفسها بأنها راعية الأخلاق والفضيلة.

وأسس بلمختار بعد ذلك جماعته الجديدة، التي ضمها إلى حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا، التي انشقت عن تنظيم القاعدة. ويشير البعض إلى أن خبرته بالأساس في الأنشطة الإجرامية أكثر منها في الجهاد المقدس، فالاختطاف وتهريب السجائر والسيارات المسروقة والأسلحة والمخدرات، هي الأمور التي أجادها وتخصص فيها في المناطق الحدودية التي تتراخى فيها قبضة القانون. ويقال: إنه كان عنصرا أساسيا في اختطاف الرهائن وما يعقب ذلك من مفاوضات لإطلاق سراحهم عام 2003 و2008 و2009. واختطفت جماعة بلمختار روبرت فاولر، الدبلوماسي الكندي السابق ومبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى النيجر، في نهاية عام 2008 وقابله بلمختار عدة مرات.

وقال فاولر في مقابلة تمت عبر الهاتف من كندا: «إنه ضئيل الحجم ويتسم بالجدية الشديدة والثقة الكبيرة في النفس وذو مهابة. ويبدو أنه في عالم الإرهاب منذ فترة طويلة. دائما ما أذهلني ما يتمتع به من سلطة». ويتذكر مايغا، الصحافي المالي، رؤيته لبلمختار وهو يرتدي ملابس سوداء وعمامة تنزل على عينيه وهو يغادر مستشفى في غاو وسط أفراد جماعته.

ونادى عليه، وسرعان ما حال الحارس بينه وبين بلمختار قائلا: «لا ينبغي لك أن تقترب فهذا هو الأمير». كذلك يتذكر مايغا بلمختار وهو يجلس على مقعد بجوار النهر في غاو، بينما يحيط به الحرس. وقال: «لم يكن يقول شيئا، بل يحملق بعينيه في الفراغ. إنه لا يثق في أحد».

ويقول مايغا وآخرون إن السكان المحليين يتحدثون عنه بكل احترام وخوف. وقال بلمختار في مقابلة مع وكالة الأنباء الموريتانية في غاو خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) إنه يحترم الاختيار الحر الواضح لسكان شمال مالي المتمثل وهو تطبيق الشريعة الإسلامية. وحذر من التدخل الأجنبي قائلا إن أي دولة تقوم بذلك ستعد دولة معادية تهاجم شعبا مسلما يطبق الشريعة على أرضه. ومن المقرر أن يتم محاكمة بلمختار مرة أخرى غيابيا في المحكمة الجنائية الجزائرية يوم الاثنين المقبل بعدة تهم منها استخدام السلاح في تنفيذ هجمات على الأرض الجزائرية. وقيل إن الأهداف تتضمن تفجير خطوط أنابيب وممتلكات لشركة نفط في جنوب مالي.

* شارك ستيفن إيرلانغر في إعداد التقرير من باريس، وآدم نوسيتر من باماكو في مالي، وهارفي موريس من لندن، وإيريك شميت من واشنطن