الجيش الجزائري يعلن إنهاء أزمة منشأة الغاز في الصحراء بمقتل 11 إرهابيا و7 رهائن

هولاند يقول إن الجزائر «تملك في نظري الأجوبة الأكثر ملاءمة» للرد على عمليات احتجاز الرهائن

قناص فرنسي يحمل سلاحه بيده بقاعدة جوية عسكرية بباماكو أمس (رويترز)
TT

أعلن الجيش الجزائري أمس أنه قتل 11 إرهابيا كانوا آخر المتحصنين بالبناية التي اختبأوا فيها بالمنشأة الغازية، بعين أمناس (1600 كم جنوب العاصمة). وأفاد بأن الإرهابيين «اغتالوا سبعة رهائن أجانب»، من دون تحديد جنسياتهم، وبذلك تم الإعلان عن انتهاء عملية الهجوم على المركب الغازي وبالتالي الأزمة الناجمة عن الهجوم على المركب الغازي المتبوع باحتجاز أكثر من 650 رهينة، الأربعاء الماضي.

ونقلت وكالة الأنباء الجزائرية عن «مصدر أمني»، أن الخاطفين «أشعلوا النار أول من أمس الجمعة في جزء من المركب الغازي، وقد تم التحكم في الحريق بفضل التدخل السريع للعمال وفرق الجيش الوطني الشعبي».

وبث التلفزيون الحكومي مساء أمس صورا عن آخر الرهائن الأجانب الذين غادروا المنشأة. وقال أحدهم وهو بريطاني مهندس بشركة «بريتش بتروليوم»، إنه «يأسف لما حدث»، مشيرا إلى أنه سيرحل إلى بلده «مؤقتا، وسأعود للعمل هنا من جديد». وذكر رعية روماني يسمى جورج وشيم أن الجيش الجزائري «بذل مجهودات كبيرة لتحريرنا من قبضة الإرهابيين». وتحدث عن «أوقات صعبة عشناها أثناء عملية الاحتجاز». وأشاد بـ«التكفل الجيد الذي تلقيناه من السلطات الجزائرية».

واللافت أن السلطات الجزائرية تكتمت عن جنسيات الرهائن الذين قتلوا في المركب الغازي، وحرصت قوات الأمن بعين أمناس على غلق كل مصادر المعلومات أمام الصحافيين، بخصوص هذا الجانب من آخر يوم في العملية. وتبدي السلطات حساسية بالغة من أي إيحاء إلى مسؤولية الجيش في مقتل الرهائن الأجانب.

وقال مصدر مطلع على الأحداث من عين أمناس، لـ«الشرق الأوسط»، إن مصالح الأمن تشتبه في تواطؤ عمال بالمركب الغازي، مع عناصر كتيبة «الموقعون بالدماء» التي خططت ونفذت الهجوم على المنشأة فجر الأربعاء الماضي. ويتحدر المشتبه بهم، حسب المصدر، من عين أمناس ورجح أن يكونوا من فريق الحراسة. ونقل المصدر نفسه عن مسؤول بارز حضر من العاصمة إلى عين أمناس، أن كل القوى الغربية وتحديدا الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا كانت على علم بعزم الجيش الجزائري شن هجوم على الخاطفين، وأن عواصم هذه البلدان أعطت ضوء أخضرا للعملية.

ونقلت الوكالة البريطانية «رويترز» عن «مصدر محلي مطلع على العملية العسكرية»، أن «الجيش الجزائري شن أمس هجوما نهائيا على المسلحين». وأضاف أن الجيش «موجود داخل المنشأة يقوم بتطهيرها من الألغام»، مشيرا إلى أن القوات الجزائرية كانت قد عثرت في وقت سابق أمس على 15 جثة متفحمة في المنشأة. وتجري المحاولات للتعرف على أصحاب هذه الجثث ولم تتضح بعد كيفية وفاتهم، حسب المصدر نفسه الذي أضاف أن 16 رهينة من الأجانب أطلقوا سراحهم أمس، من بينهم أميركيان وألمانيان وبرتغالي. أما السلطات البريطانية فقالت إن أقل قليلا من عشرة من مواطنيها في المنشأة ما زالوا مفقودين. وذكرت مصادر «الشرق الأوسط» بخصوص هذا الموضوع أن مصالح الأمن أحصت أمس فقدان 14 رهينة أجنبيا و20 رهينة جزائريا.

وقد أفرج عن نرويجيين اثنين خلال الليل، وما زال ستة مفقودين. بينما قالت رومانيا إن أحد مواطنيها قتل وثلاثة من مواطنيها قد أفرج عنهم. وما زال عدد من المهندسين اليابانيين غير معروف المصير. وبث تلفزيون «الشروق» الخاص صورة جثة ياباني بالقرب من المنشأة، وأشيع بأنه قتل في قصف الجيش ضد سيارات إرهابيين حاولوا الهرب ومعهم رهائن، مساء الخميس الماضي.

وأعلن وزير الدفاع البريطاني فيليب هاموند، أمس، أن الجيش الجزائري «أنهى أزمة الرهائن في الجزائر بمزيد من الخسائر في الأرواح»، ملقيا باللوم التام على الخاطفين الإسلاميين. وقال هاموند في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الأميركي ليون بانيتا «انتهت أزمة الرهائن بهجوم آخر شنته القوات الجزائرية، نتج عنه مزيد من الخسائر في الأرواح». وأضاف «نحن نطالب الجزائريين بمزيد من التفاصيل عن الوضع بالتحديد». وأشار إلى أن الخسائر في الأرواح «مروعة وغير مقبولة، ويجب أن نوضح أن الإرهابيين وحدهم يتحملون مسؤولية ذلك».

من جهته، قال بانيتا «نحن نحاول أن نبقى على اطلاع على الوضع، والكثير من المعلومات لا تزال غير واضحة.. نعلم أنه وقعت خسائر في الأرواح». ووعد بـ«مواصلة التشاور الوثيق حول هذه المسألة حتى انتهاء هذه الأزمة». ورفض بانيتا انتقاد الجزائر، وقال «هم في المنطقة، وهم يفهمون تهديد الإرهاب.. وأعتقد أنه من المهم مواصلة العمل معهم لوضع مقاربة إقليمية لمحاربة الإرهاب». وردا على سؤال حول نشاطات تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في تلك المنطقة قال بانيتا «نحن لا نخطط لإرسال قوات إلى الميدان في تلك المنطقة». وقال إنه ناقش مع هاموند «خطط المساهمة في الجهود الدولية لاستهداف (القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي) في مالي». وأضاف «مثلما لا يمكننا أن نقبل الهجمات الإرهابية ضد مدننا فلا يمكننا أن نقبل الهجمات ضد مواطنينا في الخارج. كما لا نستطيع قبول وجود ملجأ آمن لـ(القاعدة) في أي مكان في العالم».

ومن جهتهم، بدأ عدد من قادة اليمين الكلاسيكي في توجيه سهامهم إلى الرئيس فرنسوا هولاند، آخذين عليه غموض سياسته في مالي وتقاعسه عن التفاهم المسبق مع الأوروبيين، أو عجزه عن تشكيل تحالف واسع يخوض حرب الصحراء جماعيا. ويبدو أن هولاند يعطي منتقديه الحجج التي يحتاجون إليها. وقد سئل الرئيس الفرنسي مجددا أمس عن المدة التي سيستغرقها التدخل الفرنسي في مالي فأجاب بأنه «سيدوم الوقت الضروري من أجل الانتصار على الإرهاب في هذا الجزء من أفريقيا».

وسعى هولاند، الذي وفرت له الحرب الجارية في أفريقيا الفرصة لإظهار حقيقة شخصيته وقدرته على اتخاذ القرارات الصعبة الأمر الذي يتناقض مع الصورة السابقة الرائجة عنه، إلى الرد على منتقديه باللجوء إلى حجتين متصلتين: الأولى، تأكيد أن فرنسا «ليست وحدها لأن الدول الأوروبية، من جهة، توفر لها الدعم بكل أشكاله، ولأنها من جهة أخرى تعمل مع الدول الأفريقية» في إشارة إلى التعاون القائم بين باريس وبلدان منطقة غرب أفريقيا الذين عقدوا قمة أمس في أبيدجان حضرها وزير الخارجية لوران فابيوس لغرض تسريع تشكيل القوة الأفريقية الدولية والتغلب على الصعوبات التي تعوق مباشرتها المهمة التي أوكلها إليها مجلس الأمن الدولي في القرار 2085. أما الحجة الثانية فهي تأكيد هولاند أن العملية العسكرية كانت ضرورية ولم يكن بالإمكان تأجيلها بسبب استقواء الحركات الجهادية والإرهابية، الأمر الذي ظهر مع عملية احتجاز الرهائن التي لم تشهد الجزائر مثيلا في السابق.

وقال هولاند إن التحدي بالنسبة لفرنسا «ليس السيطرة على أراض أو النفوذ أو الدفاع عن مصالح تجارية أو اقتصادية، إذ إن هذا الزمن قد انتهى». في المقابل، فإن فرنسا تدخلت «لأنها فرنسا، ولمساعدة بلد صديق هو من بين الأكثر فقرا في العالم، وهو ضحية الإرهاب منذ شهور إن لم يكن منذ سنوات».

ومن أبيدجان، أدلى لوران فابيوس بدلوه في الرد على معارضة الداخل، إذ أعلن أن فرنسا «كانت مضطرة للتدخل سريعا جدا وإلا كانت مالي ستختفي». غير أن فابيوس أضاف متوجها إلى الأفارقة المجتمعين ولكن إلى الرأي العام الفرنسي «يجب أن يكون مفهوما أنه يتعين على الأفارقة أن يحلوا محل فرنسا» في تحمل المسؤوليات. وأشار فابيوس إلى الحاجة إلى «بضعة أسابيع» حتى تكون القوة الأفريقية جاهزة ميدانيا للتدخل.

وكان نائب رئيس حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية الوزير السابق لوران فوكييز قد اتهم هولاند بأنه «لا يملك استراتيجية واضحة لمعنى الوجود الفرنسي في مالي». وبرأيه أن فرنسا عمدت إلى التدخل المنفرد من غير أن تبني تحالفا أوروبيا ودوليا يدعم عملها، بعكس ما قام الرئيس السابق نيكولا ساركوزي في ليبيا. أما وزير الخارجية السابق آلان جوبيه فقد اعتبر أن نشر قوات أرضية فرنسية «أمر بالغ الخطورة»، وأنه يقود فرنسا إلى «مسار لا تسيطر عليه». وتفيد استطلاعات الرأي بأن 65 في المائة من الفرنسيين يؤيدون العملية العسكرية في مالي بموجب نتائج استطلاع نشرت أمس أجرته مؤسسة «إيفوب» لصالح صحيفة «سود ويست».

وقبل فوكييز وجوبيه، انتقد رئيس الوزراء السابق دومينيك دوفيلبان العملية، وحذا حذوه ميشال روكار، رئيس الوزراء الاشتراكي الأسبق، وفاليري جيسكار ديستان، رئيس الجمهورية اليمين الأسبق. ولا يتردد المعلقون والخبراء في وسائل الإعلام الفرنسية بشأن التنبيه على قيام «أفغانستان أفريقية» على أبواب أوروبا.

وفي سياق مواز، واظبت باريس على التقرب من الجزائر من خلال الامتناع عن انتقاد عملية الإفراج عن الرهائن الدامية. ومرة أخرى، أكد هولاند الذي قام الشهر الماضي بزيارة ناجحة إلى الجزائر وتقارب مع الرئيس بوتفليقة بصدد الملف المالي، أن الجزائر «تملك في نظري الأجوبة الأكثر ملاءمة» للرد على عمليات احتجاز الرهائن «لأنه لا يمكن أن تقوم عملية تفاوضية» مع الخاطفين. وسبق له أن أعرب عن ثقته في قدرة القادة الجزائريين على التعامل مع مسائل معقدة كاختطاف الرهائن.