الأردن: المال السياسي ونزاهة الانتخابات

ضبط 19 حالة شراء للأصوات وإحالة مرشحين للنائب العام.. سعر الصوت يتراوح بين 10 و50 دينارا يدفع نصفه مقدما مع حلف يمين

الملصقات تغطي شوارع عمان أمس (أ.ف.ب)
TT

تجمع الأوساط الحكومية والسياسية الأردنية على إجراء الانتخابات النيابية المزمعة يوم الأربعاء المقبل، على أقصى درجات النزاهة والشفافية والدقة ومحاربة المال السياسي، أو كما يسميه البعض المال الأسود، بدءا من رأس الدولة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني الذي أكد ذلك في أكثر من مناسبة وشدد على ضرورة مكافحة هذه الظاهرة بالطرق القانونية، التي توفر الرادع لكل من تسول له نفسه التلاعب بإرادة الناخبين.

كما أكد على ذلك أيضا رئيس الوزراء عبد الله النسور؛ إذ قال إن الدولة وأجهزتها كاملة مكرسة لضمان نزاهة الانتخابات، لافتا إلى الجدية والالتزام بمحاربة كافة أشكال الفساد المتعلق بالمال السياسي، حيث تم إيقاف بعض الأشخاص على قضايا فساد، «والعملية مستمرة في ظل القانون، ولن تتوقف ضمن أسس العدالة وعدم ظلم أحد».

وكشف مصدر أمني مطلع عن أن الأجهزة الأمنية حولت إلى النائب العام 19 قضية شراء أصوات أو رشى للناخبين، وأنه تم توقيف أربعة من المرشحين، وكذلك 9 من السماسرة الذين نشطوا في الآونة الأخيرة بهدف حشد الأصوات لمرشحيهم.

ويرى رئيس الهيئة المستقلة للانتخاب عبد الإله الخطيب، أن المواطن هو الأساس في العملية الانتخابية وتقرير مصيرها، لافتا إلى أن جميع الجهات المعنية ستقوم بدورها تجاه الانتخابات بهدف الوصول إلى انتخابات نزيهة وشفافة.

وخلال افتتاحه ورشة عمل نظمتها الهيئة لعدد من الأحزاب حول المال السياسي، قال الخطيب إن الهيئة تحضر لمرحلة جديدة، مؤكدا أهمية موضوع الورشة المتعلق بالمال السياسي باعتباره البارز الآن على الساحة.

وأضاف أن استخدام المال السياسي بالاتجاه السلبي يسيء إلى الأردن والانتخابات، ويقلل قدرة المواطن على المشاركة في صنع القرار بصورة صحيحة، داعيا المشاركين إلى الخروج بتوصيات وأفكار تساعد في وضع قواعد للمساهمة في محاربة استخدام ظاهرة المال السياسي بالاتجاه السلبي.

ونبه الخطيب إلى أهمية الابتعاد عن المال السياسي؛ تأسيسا لانتخابات صحيحة، ومجلس نواب ممثل، نابعة من اختيار المواطن نفسه دون أي تدخلات.

ولفت إلى أن الهيئة اطلعت على تجارب الآخرين من الدول الأخرى في موضوع المال السياسي بهدف الاستفادة منه، معربا عن أمله في وضع قواعد صحيحة تعالج وتحد من موضوع المال السياسي.

وقال النائب السابق مبارك أبو يامين إن المال السياسي كلمة عمومية تطلق على المال الذي يدفع لشراء ضمائر الناس، لافتا إلى أن المعنى الإيجابي له هو المال الذي تدفعه المؤسسات السياسية المرخصة، كالأحزاب، بالتكفل بالحملات لمرشحيها.

واستعرض الدكتور ليث نصراوين تجارب عدد من دول العالم فيما يتعلق بموضوع المال السياسي والسبل القانونية والإدارية لمواجهته. وأشار إلى وجود إجراءات وقائية وعلاجية لوضع ضوابط ومعايير على المساعدات والهبات التي تقدم للمرشحين والقوائم الانتخابية.

وعرف المشاركون المال السياسي بأنه الأموال التي تدفع من الشركات والمؤسسات الخاصة، أو من قبل الدولة بصورة غير مشروعة لتغيير قناعات الناس.

ودعا المشاركون في الورشة إلى وضع ضوابط ومعايير على المساعدات والهبات التي تقدم للمرشحين، وتحديد سقف معين للحملات الانتخابية والإفصاح عن مصادرها، وفرض رقابة مالية على الإنفاق المالي للمرشحين والقوائم الانتخابية، وإلزام المرشح بفتح حساب بنكي خاص بالدعاية الانتخابية.

ويرى المواطن خليل أبو دية أن الجهات المعنية أحسنت بما بذلته من جهود في رصدها ومكافحتها لظاهرة «المال الأسود» التي عمت مقار بعض المرشحين، وأغوت ناخبين، مشيرا إلى أن الجهات المعنية بعثت للناخبين برسالة مفادها «أن نزاهة الانتخابات خط أحمر لا مساس به؛ لذلك فإن المطلوب تعزيز الخطوات على ذات الطريق، وفرض حالة انتخابية صحية، من خلالها نستعيد الثقة بسلامة مراحل العملية الانتخابية».

ويقول: «إذا نجحنا حقا في مكافحة ظاهرة المال الأسود، وحجز بطاقات الناخبين، وشراء الأصوات، نكون نظفنا ميدان التنافس بين المرشحين، وجعلنا مخرجات صناديق الاقتراع تمثل فعلا إرادة الناخبين».

ويؤكد المحامي الدكتور غازي الذنيبات من جمعية الدفاع الاجتماعي، أن جريمة المال السياسي تعاني منها الدول دون استثناء بمستويات مختلفة، تختلف بمدى سيادة القانون وتطبيق معايير الدولة القانونية في هذه الدولة أو تلك. ويقول إنه «إذا كان في قانون الانتخاب المؤقت الساري المفعول إيجابيات تذكر، فإن أولها وأهمها هو تجريم المال السياسي، فلقد أحسنت الحكومة صنعا إذ أفردت نصا خاصا في قانون الانتخاب يجرم استخدام المال في التأثير على إرادة الناخبين، ويغلظ العقوبة المفروضة لهذه الجريمة، فقد نصت المادة 46 - أ على أن يعاقب بالأشغال الشاقة مدة لا تزيد على سبع سنوات كل من ارتكب أي عمل من الأعمال المحظورة المنصوص عليها في الفقرة (أ) من المادة 20 من هذا القانون».

وتابع القول: «بالرجوع لنص المادة المذكورة نجد أنها تنص على أنه (يحظر على أي مرشح أن يقدم من خلال قيامه بالدعاية الانتخابية هدايا أو تبرعات أو مساعدات نقدية أو عينية، أو غير ذلك من المنافع، أو يعد بتقديمها لشخص طبيعي أو معنوي، سواء كان ذلك بصورة مباشرة أو بواسطة غيره، بما في ذلك شراء الأصوات)».

ويوضح الذنيبات أنه يسود فهم خاطئ حول الجهة المستهدفة بالتجريم في جريمة المال السياسي، فإذا كانت المسؤولية الرئيسية تقع على عاتق المرشحين، فإن الناخبين ليسوا بمنأى عن التجريم، إذ تنص المادة ذاتها في فقرتها الثانية على أنه «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على سنة واحدة، أو بغرامة لا تقل عن مائتي دينار ولا تزيد على خمسمائة دينار، أو بكلتا هاتين العقوبتين، كل شخص قام بطلب الهدايا أو التبرعات أو المساعدات أو الوعد بها من أي مرشح خلال الحملة الانتخابية أو من أجل بيع الأصوات».

وقدمت 48 قائمة انتخابية من أصل 61 قائمة، إفصاحاتها المالية للهيئة المستقلة للانتخاب، تتضمن مصادر التمويل وكيفية الإنفاق على الحملات الانتخابية، وفقا للناطق الإعلامي باسم الهيئة حسين بني هاني الذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «إن إفصاحات القوائم الواردة للهيئة أشارت إلى أن مصادر تمويل حملاتها الانتخابية سيكون من أعضاء القوائم أنفسهم».

وكانت الهيئة قد طالبت المرشحين للانتخابات النيابية بتقديم إفصاح مالي عن مصادر تمويل حملاتهم الانتخابية، ووسائل الإنفاق التي يتبعونها لحماية العملية الانتخابية والناخبين.

وحظرت التعليمات الخاصة بالدعاية الانتخابية على المرشحين قبول أي تبرعات أو مساهمات مادية أو مالية من الدول والحكومات الأجنبية، والمنظمات الدولية الرسمية والأهلية والشركات الأجنبية، أو الرعايا الأجانب، سواء أكانت نقدية أم عينية، أو بأي شكل من أشكال الدعم. كما منعت قبول أي تبرعات أو مساهمات نقدية أو عينية يعلم المرشح أنه تم جمعها من مصادر غير مشروعة، كالأموال المسروقة وأموال التبرعات من مؤسسات مخالفة للقانون، أو أموال المطلوبين للعدالة.

وحظرت التعليمات تقديم أي تبرعات أو هدايا أو مساعدات نقدية أو عينية أو غير ذلك من المنافع أو الوعد بتقديمها لشخص طبيعي أو اعتباري، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، مقابل الحصول على البطاقات الانتخابية أو مقابل الحصول على أصواتهم، أو منعهم من التصويت لمرشح معين أو قائمة معينة.

وأعلن بني هاني أنه تم أمس إحالة نائب سابق ومرشح للانتخابات النيابية المقبلة في الدائرة الثالثة بالعاصمة عمان إلى النائب العام، كما أحيلت ست حالات إلى النائب العام أول من أمس، منهم رئيس قائمة مرشح للدائرة العامة، مشيرا إلى أنه تمت إحالة المرشحين إلى النائب العام بتهمة المال السياسي وسعيهما لشراء أصوات عدد من الناخبين.

وقال مصدر مطلع لـ«الشرق الأوسط» إن شراء أصوات الناخبين تتم بسرية تامة، وإن بعض السماسرة يستغلون حاجة الناخبين، خاصة الفقراء؛ إذ تراوحت الأسعار ما بين عشرة دنانير إلى خمسين دينارا حسب المرشح والمنطقة التي يعيش فيها، كما أن البعض يقدم مساعدات عينية، كالمدافئ والحرامات وغيرها.

ويضيف المصدر أن الاتفاق يكون بدفع نصف المبلغ والقسم على القرآن الكريم أو الكتاب المقدس، ثم يتم الدفع لبقية المبلغ بعد التصويت. ويؤكد المصدر أن بعض المرشحين رصدوا مليون دينار للحملة الانتخابية للإنفاق على الناخبين.

من جانبه يرى فارس الحباشنة المتابع للانتخابات النيابية، أن محاربة المال السياسي واجب وطني لتحصين الانتخابات من أي ملوثات، وأن المواجهة الرسمية لاستعمال المال السياسي في هذه الانتخابات يكاد يكون الرهان على أنها ستخلو من أمراض وملوثات «المال الأسود» التي أفسدت دورات انتخابية سابقة، وأحاطت برلمانات سابقة بلغط كبير وواسع حول شرعيتها السياسية والشعبية، وبقيت في مرمى سهام الانتقاد السياسي والإعلامي والشعبي.

ويضيف الحباشنة أن المشهد الانتخابي لهذه اللحظة يكاد يكون رصينا ومحميا من المال السياسي، ويكاد الجزم بأن العقل الرقابي جاد ومتطور وفاعل في مجابهة ومواجهة المال السياسي، وأن الخيار الوحيد أمام المرشح للانتخابات لجذب قناعات الناخبين هو العمل الدعائي الانتخابي المشروع، وهو الماكينة التي تسير عليها الانتخابات في دول العالم المتحضر.