البنتاغون يضغط للتدخل.. والبيت الأبيض متردد

مصدر عسكري أميركي: استراتيجيتنا هي نقل أفغانستان إلى أفريقيا وحرب الجبال إلى حرب الصحراء

مجموعة من النازحين الماليين في شاحنة مكتظة تنقلهم من تمبكتو إلى موريتانيا أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

أكد مصدر عسكري أميركي لـ«الشرق الأوسط» إن البنتاغون يشهد اجتماعات مكثفة وعاجلة، ليس بالتحديد لوضع خطة لمساعدة فرنسا في مالي، أو حكومة الجزائر لمواجهة أزمة الرهائن، ولكن لوضع استراتيجية عسكرية أميركية جديدة لمواجهة الإرهاب في الصحراء الأفريقية. وقال المصدر الذي طلب عدم الإشارة إلى اسمه أو وظيفته، لـ«الشرق الأوسط»، إن الهدف الآخر من اجتماعات البنتاغون هو إعداد تقرير شامل للرئيس أوباما، مع بداية رئاسته الثانية.

وقال المصدر، الذي لا يشترك في اجتماعات جنرالات البنتاغون، لكنه قال إنه يتابعها، إن وزير الدفاع ليون بانيتا سيعود من الجولة الأوروبية الحالية لتوديع العاملين في البنتاغون، ولن يشترك في الخطة الجديدة. لهذا، يريد جنرالات البنتاغون إعداد التقرير في انتظار الوزير الجديد هيغل. لكن، لا يعني هذا أن هيغل سيوافق على التقرير، فربما سيراه «متشددا»، كما قال.. «لكن الجنرالات لا عمل لهم سوى وضع خطط وسيناريوهات وتقديمها إلى المدنيين، سواء وزير الدفاع أو الرئيس.. وإن الوقت مبكر لمعرفة ماذا سيفعل الوزير الجديد، وأوباما، بالتقرير»، حسبما أكد المصدر. وربط المصدر تقرير جنرالات البنتاغون بأخبار بأن الرئيس باراك أوباما سيركز، خلال رئاسته الثانية، على أفريقيا، وأنه سيزور أفريقيا في نهاية الربيع أو بداية الصيف، وأن للزيارة صلة بمواجهة النفوذ الاقتصادي، وأيضا العسكري، الصيني المتزايد في المنطقة. وقال المصدر إن جنرالات البنتاغون يربطون إعداد تقرير الاستراتيجية الأفريقية بهذه الزيارة. ولخص المصدر الاستراتيجية الأميركية الأفريقية الجديدة بأنها «نقل أفغانستان إلى أفريقيا. نقل حرب الجبال إلى حرب الصحراء»، وأنها ستعتمد على أساسين: التعاون مع حكومات دول المنطقة، مثل تعاون أكثر من عشر سنوات مع حكومة الرئيس حميد كرازي في أفغانستان، والحكومات المتعاقبة في باكستان. بالإضافة إلى عمليات عسكرية أميركية مباشرة، خاصة بطائرات «درون» (من دون طيار).

وقال إن التعاون مع حكومات المنطقة سيشمل تدريب الجنود المحليين النظاميين التابعين لجيوش تلك الدول. وأيضا، تقديم مساعدات مالية، وأسلحة، إلى «ميليشيات شعبية محلية غير نظامية»، وإن تجربة أفغانستان أوضحت أن الجنود النظاميين أقل فعالية من مجندين في المدن والقرى مولتهم القوات الأميركية واعتمدت على «عداءات قبلية وعقائدية».

وقال المصدر إن التاريخ كرر نفسه «مثلما شغلت حرب العراق أميركا عن مواجهة الإرهاب في أفغانستان وباكستان لقرابة عشر سنوات، حتى جاء الرئيس أوباما، مع بداية فترة رئاسته الأولى، وركز على الانسحاب من العراق، وحشد الجهود في أفغانستان، أدت أفغانستان إلى إهمال أفريقيا، خاصة منطقة الساحل. هذا بالإضافة إلى أن مسؤولين وخبراء أميركيين، خاصة عسكريين، حذروا من التدخل العسكري المباشر في أفريقيا. وقالوا إنه سيضعف الحكومات الهشة في تلك الدول، وسيزيد غضب الإسلاميين، وأيضا غضب حكومات إسلامية معتدلة لا تتحمس للتدخل العسكري الأميركي في أي دولة إسلامية». وقال إنه بينما يرى الجنرالات أن حرب أفريقيا ليست إلا امتدادا لحروب سابقة وحالية ضد الإرهابيين، يرى مدنيون، حتى داخل البنتاغون، أنه لا بد من التأني قبل الانتقال من تدخل في دولة إلى دولة أخرى. ولم يستبعد أنه بعد نهاية إعداد التقرير ستظهر آراء انتقادية سواء وسط هؤلاء المدنيين أو في البيت الأبيض. وتوقع انتقادات من وزارة الخارجية. وقال «نحن دائما على طرفي نقيض مع الدبلوماسيين عبر النهر».

وأشار إلى تصريحات كان أدلى بها مساعد وزيرة الخارجية للشؤون الأفريقية، قبل الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي، لم يتحمس فيها للتدخل في مالي وفي دول أخرى شهدت نشاطات إسلامية متطرفة. وأشار المصدر إلى أن العسكريين الأميركيين تدخلوا في الماضي في أفريقيا، وأشار إلى التدخل الأميركي في الصومال، المباشر في عهد الرئيس السابق سياد بري، وغير المباشر لمواجهة منظمة الشباب الإسلامية المتطرفة التي لا تزال تحتل أجزاء من الصومال. وأشار أيضا إلى التدخل العسكري في ليبيا لإسقاط العقيد معمر القذافي. وقال إن طبيعة ليبيا، كدولة صحراوية، أعطت العسكريين الأميركيين فرصة للحرب، خاصة الحرب الجوية، في منطقة لم تتعود عليها، وذلك لأن حرب العراق كانت، بصورة عامة، حرب مدن، وحرب أفغانستان حرب جبال.

وقال إن الهجوم الإرهابي على بنغازي في السنة الماضية، والذي قتل فيه السفير الأميركي لدى ليبيا وثلاثة من مساعديه الأميركيين، كان موضوعا استخباراتيا في المكان الأول، وإن مكتب التحقيق الفيدرالي (إف بي آي) ووزارة الخارجية لعبا الدور الرئيسي في ما بعد الهجوم.. ولم يكن للبنتاغون دور رئيسي.

غير أن الهجوم، كما قال، جاء في مصلحة دعاة مطاردة الإرهابيين في الصحراء، وفي أي مكان. وكان هذا من أسباب خطوات الجنرالات في البنتاغون لوضع استراتيجية شاملة في كل المنطقة، وذلك لأن الاستخبارات الأميركية أوضحت أن الذين هاجموا القنصلية في بنغازي جاءوا من الصحراء، وأنهم استعملوا أسلحة حصلوا عليها من نظام القذافي الذي انهار.

وربط هؤلاء الجنرالات بين هذه المجموعة ومنظمات إسلامية إرهابية في الدول المجاورة، خاصة التي تحارب حكومة مالي، ثم التي اعتقلت الرهائن في آبار الغاز في جنوب شرقي الجزائر.

وقال المصدر إن هذه التطورات فاجأت الجنرالات الأميركيين المخططين في البنتاغون، وصاروا ينظرون إليها كحملة إرهابية تشمل دولا كثيرة في المنطقة، خاصة دولا صديقة للولايات المتحدة. هذا بالإضافة إلى خطر هذه التطورات على عمليات الشركات الأميركية، والغربية، في المنطقة. مثل آبار النفط في ليبيا، وآبار الغاز في الجزائر، ومناجم المعادن في مالي والنيجر ودول أخرى.

ومن ناحية أخرى، انتقد عضو الكونغرس مايك روجرز (جمهوري من ولاية ميشيغان)، رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، سياسة الرئيس أوباما نحو التطورات في دول الصحراء الأفريقية. وقال إنه لا يرى اتباع «نهج متماسك» لمواجهة مكاسب منظمة القاعدة ومنظمات أخرى تابعة للمسلحين الإسلاميين هناك. وقال «يجب أن تكون هناك سياسة شاملة، تشكل ضغطا على هذه المجموعات من كل اتجاه.» وأضاف «هذا هو المفقود في الوقت الحاضر».

لكن، قال معارضون للتدخل العسكري الأميركي في أفريقيا إنه سيعقد الأوضاع أكثر. وأشاروا إلى تجارب أميركية عسكرية سابقة غير ناجحة، مثلما حدث في الصومال، أو غير فعالة، مثل القوات الموجودة في أوغندا، منذ سنتين، لمواجهة جماعة أنصار الرب في جنوب السودان وشمال أوغندا.

وقال روجر كارستينز، ضابط سابق في القوات الخاصة، وساعد في تدريب القوات الصومالية، إن أميركا ينبغي أن تبني استراتيجية «متواضعة» في أفريقيا، وأن تتجنب إرسال قوات لخوض «حروب في كل أنحاء أفريقيا». وأضاف «ستكون الحرب في أفريقيا خليطا من تكتيكات غريبة من السبعينات وتكنولوجيا جديدة مثل الطائرات من دون طيار». وتساءل بعض خبراء مكافحة الإرهاب في واشنطن إذا ما كانت إدارة الرئيس أوباما ستصبح قادرة على السيطرة على تطورات المستقبل، وعدم توسيع دورها تدريجيا أمام احتمالات عديدة. وأشار الخبراء إلى التدخل الفرنسي في مالي، وإلى المخاطر التي تتهدد المنطقة إذا لم تنجح فرنسا. وقال بروس هوفمان، خبير الحرب ضد الإرهاب في جامعة جورجتاون، في واشنطن العاصمة «الآن وقد حدث التدخل (الفرنسي)، ولم يعد سرا أننا (الأميركيين) نقدم، على الأقل، بعض المعونة للفرنسيين.. فإن الأفضل التأكد من أننا قادرون على حسم هذا الصراع، وإلا فلنتركه يتطور ويطول».

وأشار إلى أن حملة العام الماضي التي قامت بها منظمة حلف شمال الأطلسي في ليبيا «يجب أن تكون عظة» للولايات المتحدة التي كانت قادرة على تحديد دورها، ونجحت في المساعدة على الإطاحة بالقذافي. وقال إنه رغم ذلك زادت نشاطات المتطرفين الإسلاميين في ليبيا وفي المنطقة. وقال «في ليبيا، رغم أننا قدنا من الخلف، لا أعتقد أن النتائج طويلة الأمد (في ليبيا) ستكون بالضرورة لصالحنا. لم نترك بلدا مستقرا (في ليبيا)، وخلقنا مشاكل جديدة. لا أعتقد أننا نستطيع تحمل تكرار الوضع في مالي أو الجزائر».

في غضون ذلك، قال ليون بانيتا، وزير الدفاع الأميركي، إن الولايات المتحدة «ستتخذ كل التدابير الضرورية» لحماية رعاياها من تهديد المجموعات المرتبطة بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. وأضاف بانيتا، في مقابلة مع «بي بي سي» (هيئة الإذاعة البريطانية) «هل يشمل ذلك مساعدة الآخرين بعمليات عسكرية؟ هل يشمل التعاون في شن عمليات عسكرية هناك؟ هذه مواضيع لا تزال تتطلب حسما». وأضاف «هدفنا هو التأكد من أنه أيا كان المكان الذي ستحاول القاعدة الاختباء فيه، سنمنعها من إقامة قاعدة، وسنمنعها من شن عمليات إرهابية». وأكد «سنتخذ كل التدابير الضرورية لحماية مواطنينا». وأشار إلى أن الولايات المتحدة «قلقة من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، هذه المجموعة المرتبطة بتنظيم القاعدة الموجود في هذا الجزء من أفريقيا. نحن نعمل مع دول أخرى في محاولة لتحديد الطريقة الأفضل لمواجهة هذا التهديد. وسنواصل العمل مع هذه الدول في المنطقة». وأشاد بانيتا بالعمل الذي تقوم به فرنسا في مالي، وقال إن فرنسا «اتخذت المبادرة في محاولة لوقف تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي».