فرنسا تواجه مخاطر قد تتصاعد إذا ما استمرت الحرب

أراد هولاند أن تكون ضربة خاطفة «لإعادة الإسلاميين إلى جحورهم»

TT

لم تكن هذه هي الحرب التي أرادها الرئيس فرنسوا هولاند، في غضون ساعتين فقط يوم الخميس الماضي، بعد طلب الرئيس المالي المؤقت، ديونكوندا تراوري، المساعدة، قرر هولاند إرسال الطائرات والقوات البرية الفرنسية. كان يفترض أن تكون ضربة خاطفة كبيرة تعيد الإسلاميين إلى جحورهم في شمال مالي وكسب الوقت لنشر قوة أفريقية من أجل إرساء الاستقرار في البلاد. عوضا عن ذلك، تحول الأمر إلى ما يشبه عقدة وعملية عسكرية ودبلوماسية ممتدة يصفها منتقدو هولاند بأنها نموذج صحراوي لمستنقع يشبه مستنقع فيتنام أو أفغانستان. ويتحدث البعض هنا عن «ساحل» هولاند. وذكّر الرئيس الفرنسي السابق، فاليري غيسكارد، هولاند بخطورة القيام بعملية عسكرية من دون وجود عدو واضح والخطر الذي يواجه المدنيين والذي من شأنه أن ينشر العداء بين المواطنين. وحذر من «استعمار جديد». لقد اختار هولاند، الذي يُعرف بالتردد وعدم القدرة على الحسم، بكل تأكيد مهمة صعبة.

ويقاتل الفرنسيون من أجل الحفاظ على وحدة البلاد التي انقسمت إلى قسمين واستعادة دولة باتت ممزقة. إنهم يقاتلون من أجل بقاء حكومة مؤقتة لا تمتلك شرعية ديمقراطية تولت الحكم في أعقاب انقلاب. مع ذلك يمثل تراوري، البالغ من العمر 70 عاما حكومة مالي المعترف بها دوليًا، بحسب ما قال مسؤول فرنسي رفيع المستوى وهو يهزّ كتفيه. وطلب، مثل كل مسؤول فرنسي تحدث عن الأمر، من السائل أن يتخيل البديل وهو «صومال آخر» على الطرف الغربي من أفريقيا لا يحكمه القانون، بل يسيطر عليه إسلاميون متطرفون مقربون من تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي الذين سيعملون على تطبيق حدود الشريعة القاسية على مالي، مثل رجم الزاني وقطع يد السارق، في الوقت الذي يمارسون فيه تهريب المخدرات والسلاح والاختطاف والأعمال الإرهابية التي تمول فكر الجهاد. ويؤكد المسؤولون أن هذا الاحتمال هو السبب وراء دعم كل المنطقة، بما فيها الجزائر، التدخل الفرنسي الذي يحظى أيضا بدعم مجلس الأمن. كذلك حظيت المبادرة الفرنسية بدعم شعبي، على الرغم من إثارتها لقلق الحلفاء مثل الولايات المتحدة وبريطانيا من التوسع الزائد عن الحد. ولم يكن من المفترض أن يسير الأمر على هذا النحو كما يؤكد المسؤولون والخبراء الفرنسيون.

وفي وقت ما خلال فصل الخريف بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2085، كان من المفترض أن تستعيد قوات أفريقية من المجتمع الاقتصادي لدول غرب أفريقيا (الإكواس) مع قوات مالية تمت إعادة تدريبها وشحنها معنويا، شمال البلاد. وكان من المفترض أن يتم تدريب هذه القوات الأفريقية بمساعدة الاتحاد الأوروبي وأن تتولى القوات الفرنسية توجيهها في مهمتها بصفة استشارية، مع تقديم الولايات المتحدة المساعدة في التمويل وتوفير طائرات الاستطلاع والاستخبارات والنقل الجوي وإعادة التزود بالوقود في الجو. وكان من المفترض أن تضطلع فرنسا بدور مدني لا أن تنخرط في القتال، ومن دون أن يكون لها قوات برية على الأرض. وكان من المفترض أن تقاتل قوات الإكواس ومواطني مالي في شمال مالي وتطهره من الإسلاميين.

منذ عشرة أيام قبل قرار هولاند المفاجئ، وصف مستشار رفيع المستوى في قصر الإليزيه العملية العسكرية بمالي بالبطيئة. وعرض للصعوبات المتعلقة بـ«الإكواس» في ظل الخلاف على التمويل والتدريب ونقل قوات «الإكواس» ومدى صعوبة إقناع واشنطن بعد الحرب الأهلية الليبية بالاهتمام بالوضع المتدهور في مالي ومخاطر انتشار الإرهاب في منطقة الساحل.

أخيرا بدأ الأميركيون الإصغاء إلى المخاوف الفرنسية في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، كما قال، لكن يعتريهم الشك في مدى سهولة طرد الإسلاميين من شمال مالي الشاسعة. ولم تر واشنطن أن خطة «الإكواس» جيدة. واختار المتمردون الإسلاميون عدم الانتظار والاتجاه نحو الجنوب مما أسفر عن التدخل الفرنسي بشكل فردي.

ولا تحتاج فرنسا، التي لديها قوات في مالي عدد أفرادها 1800 ومن المرشح أن تصل إلى 2500، إلى مساعدة على الأرض كما يؤكد مسؤولون. مع ذلك يحثون واشنطن على التحرك بخطى أسرع في إطار عملية مشتركة من أجل توفير طائرات استطلاع وطائرات نقل وأخرى لإعادة التزود بالوقود في الجو. وسارعت دول أوروبية حليفة ودول في حلف شمال الأطلسي مثل بريطانيا إلى تقديم يد العون، حيث قدمت بريطانيا طائرتي نقل من طراز «سي 17» لنقل القوات والمعدات.

وقدم رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، أول من أمس دعما واضحا لفرنسا وحثّ واشنطن والحلفاء الأوروبيين ضمنا على القيام بالمزيد في غرب أفريقيا من أجل مقاومة الإرهاب الإسلامي المتطرف. وقال أمام البرلمان: «الذين يعتقدون أن وجود إرهابي متطرف هي مشكلة في أجزاء من شمال أفريقيا، وأنها مشكلة تلك المناطق فقط وأننا نستطيع تجاهل الأمر، مخطئون».

وصف كاميرون الأحداث التي تقع في الجزائر بأنها رسالة تحذير. «ما نعلمه هو أن التهديد الذي يمثله الإرهابيون في الساحل مصدره تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، وهم يطمحون إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في الساحل وشمال أفريقيا ومهاجمة المصالح الغربية في المنطقة وأي مكان يستطيعون فيه تحقيق ذلك». وجاءت هذه الكلمات ضمن تصريحات سوف ترضي باريس. وأضاف: «وكما قللنا من خطر تهديد القاعدة في مناطق أخرى من العالم بما فيها باكستان وأفغانستان، ازداد خطرها في مناطق أخرى من العالم. يجب أن نقلق من هذا ونركز عليه في الوقت ذاته». يعتقد أكثر الخبراء أن الفرنسيين، حتى أثناء طردهم للإسلاميين من المناطق المأهولة بالسكان في شمال مالي، لن يزجّوا بالقوات في صحراء مترامية الأطراف. ولا يزال الفرنسيون معنيين بتمهيد الطريق لقوات «الإكواس» ومالي من أجل إرساء الاستقرار الذي يسمح بعقد مفاوضات سياسية جديدة حول مستقبل مالي. ولن تنجح مالي إلا إذا تم إعادة تنظيم الدولة على حد قول مسؤولين فرنسيين مع منح الطوارق في الشمال، الذين يتوقون إلى الحصول على استقلالهم، قدرا أكبر من الحكم الذاتي، وإعادة بناء مؤسسات الدولة، وإرساء الشرعية. ومن المؤكد أن هذا سوف يحتاج لوقت، حتى إذا تم تحت إشراف «الإكواس» أو الأمم المتحدة.

قال كاميل غراند، خبير الدفاع ومدير مؤسسة البحث الاستراتيجي في باريس، إن هدف فرنسا هو العودة بالبلاد إلى ما قبل هجوم الإسلاميين، عندما كانوا مختبئين في المناطق الحدودية ولا يتمتعون بقدرة كبيرة على التصرف، ولا يسيطرون على المناطق السكنية التي تصعّب عليهم تنفيذ هجمات أو اختطاف رهائن.

وقال إن تلك الأهداف بالتأكيد شيء ذو معنى من وجهة نظر عسكرية، لكن إذا كان الهدف الأسمى هو القضاء على الإسلام المتطرف تماما في منطقة الساحل، فهذا لن يحدث على الأرجح، فهذا مرام بعيد المنال على أي أحد.

في كل الحالات لا تبلغ طموحات باريس هذا الحد. مع ذلك يقول منتقدو هولاند إنه قد يورط نفسه بشكل أكبر مما كان يريد أو حتى يتصور. وكتبت ناتالي نوغايريد في مقال بصحيفة «لوموند» أول من أمس الجمعة أن المرحلة النهائية للعملية الفرنسية غير واضحة. وذكرت: «إن فرنسا، بإقدامها على التحرك نحو الجبهة الأمامية، تتحمل مسؤولية إعادة إعمار الدولة. وكما رأينا في حالات أخرى في العالم، تأتي المشكلة الحقيقية بعد التدخل العسكري. وسيكون هذا هو الاختبار الأخير».

* شارك في إعداد التقرير من لندن جون بيرنز

* خدمة «نيويورك تايمز»