ليبيا: سرت معقل القذافي تخرج من عباءة النظام السابق

العريشية عضو المؤتمر الوطني لـ «الشرق الأوسط» : المدينة مظلومة إعلاميا ووجود الحكومة شكلي

علي زيدان رئيس الحكومة الليبية يتحدث خلال مؤتمر صحافي عقده في مكتبه بطرابلس أمس (رويترز)
TT

قبل شهر واحد فقط من الاحتفال بالذكرى الثانية لاندلاع ثورة السابع عشر من شهر فبراير (شباط) 2011 ضد نظام العقيد الراحل معمر القذافي، تواصل مدينة سرت المعقل العتيد للقذافي سابقا، والمطلة على ساحل البحر المتوسط، مساعيها لمحو فكرة كونها كانت آخر المعاقل المؤيدة للعقيد، والتي شهدت على أراضيها معركة اعتقاله ثم قتله في عملية مثيرة للجدل نفذها الثوار بمساعدة حلف شمال الأطلنطي (الناتو).

وتستعد المدينة خلال اليومين المقبلين لاستضافة مؤتمر للسلام واللحمة الوطنية يقام تحت شعار «عبق الماضي وآمال المستقبل»، الذي يصادف الذكرى الـ91 لميثاق مؤتمر سرت الذي انعقد في عام 1922، وأسس طريقا للمصالحة واللحمة الوطنية وتوحيد الصف الليبي في مواجهة الاستعمار الإيطالي.

ويأتي المؤتمر في وقت تسعى فيه المدينة، كما قال محمد العريشية عضو المؤتمر الوطني العام (البرلمان)، للاندماج في المجتمع الليبي بعد حرب التحرير التي دارت رحاها في شوارع سرت وتعرضت المدينة بسببها للدمار.

وينظم المؤتمر اتحاد مؤسسات المجتمع المدني برعاية جامعة سرت، بعد التنسيق مع الدكتور محمد المقريف رئيس المؤتمر الوطني للمشاركة في فعاليات هذا المؤتمر، حيث تفيد المعلومات القادمة من طرابلس بأن المقريف لديه الرغبة في حضوره.

ويعتبر منظمو المؤتمر أن مجرد انعقاده هو بمثابة دعوة من سرت لكل المدن الليبية الأخرى للحوار والتوافق. وأشاروا إلى ما يحمله هذا المؤتمر من معان للوطن والمواطنة والاعتزاز بالهوية والانتماء والعمل على رأب الصدع الاجتماعي وتبصير الرأي العام لحفظ الوحدة الوطنية، واستعادة الثقة بين جميع مكونات المجتمع الليبي.

وطبقا لما أبلغه العريشية لـ«الشرق الأوسط» فإن مدينة سرت تأتي على رأس المدن الليبية التي تعرضت للدمار والحرائق، لكنها استعادت حيويتها وتشتهر الآن بأنها من أنظف المدن وأكثرها أمنا واستقرارا، وهذا بفضل سكانها الذين أثبتوا أنهم قادرون على إعادة بناء مدينتهم رغم ما لحقها من دمار، لكنها مظلومة إعلاميا.

وأضاف: «تتطلع سرت للفكاك من أسر الماضي وكل قيوده، وتسعى للانطلاق نحو المستقبل، إنها تبحث عن ذاتها في مساحات السلام، وتحاول جاهدة العمل على توفير السكينة وإعادة بناء نسيجها الاجتماعي بمنأى عن دوي المدافع ولعلعة الرصاص، وكل الأصوات تنادي، وحتى المباني تكاد تنطق، بأن سرت لم تعد في حاجة لحرب أخرى».

ولكن في الوقت الذي تتمتع فيه سرت بالهدوء وتحاول أن تظهر فيه بأنها استعادت عافيتها رغم الجراح الكثيرة التي لا تزال تنزف، فإن الفراغ الأمني، كما يؤكد عضو المؤتمر الوطني عن المدينة، بات هو «الحاكم بأمر سرت»، على حد قوله.

وتابع: «الهدوء هو نتاج التوافق الاجتماعي بين مكوناتها وليس نتاج خطة أمنية مدروسة من قبل الحكومة، بل إن وجود الأجهزة الأمنية التابعة للدولة هو وجود شكلي لا أكثر، وعلى الحكومة أن تضاعف جهودها من أجل تعزيز جوانب الأمن والاستقرار ومنع حدوث أي مظاهر تخل بالأمن».

وتعليقا على خطة وزارة الداخلية لتفعيل مديرية الأمن، قال العريشية: «أولا نأمل أن تتبنى الوزارة استراتيجية واضحة، وأن يتمكن الحاكم العسكري الجديد من إرساء علاقة صحية بين الأجهزة الأمنية والناس. علاقة تحكمها مبادئ سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان».

في غضون ذلك، بدأت اللجنة المالية بالمجلس المحلي لسرت في صرف التعويضات المالية لأصحاب المساكن المتضررة بالمدينة بسبب حرب التحرير التي شهدتها المدينة.

ويبلغ عدد المنازل المتضررة، حسب تقارير لجان الحصر، 11450 منزلا، منها 4258 بالمنطقة السكنية الثانية، حيث خصصت الحكومة المؤقتة في المدة الماضية 116 مليون دينار كدفعة أولى لتعويض المواطنين الذين تضررت منازلهم بالمدينة.

ومع ذلك، فقد اعتبر عضو المؤتمر الوطني عن المدينة، أن الأوضاع في سرت هادئة وجيدة بشكل تام، مضيفا: «بالنسبة لوضع الكهرباء فهو ممتاز منذ النصف الأول من العام الماضي، والمياه متوفرة في جميع الأحياء. وبالنسبة للاتصالات فهي تعمل أيضا بشكل جيد، وتحدث أحيانا بعض الانقطاعات في الاتصالات لضعف في الشبكات، وشأن سرت في هذا الأمر شأن المدن الليبية الأخرى».

وتابع العريشية: «بصورة عامة الأجواء السائدة في سرت مستقرة وطبيعية، ورغم انتشار السلاح فإنه لم تحدث أي اشتباكات مسلحة منذ انتهاء الحرب في شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2011، لكنه يقول إن المطلوب الآن من الحكومة الانتقالية التي يترأسها الدكتور علي زيدان وبإلحاح، هو ترسيخ ما تحقق في سرت من هدوء واستقرار، والعمل على بناء لحمة المجتمع والنهوض بالمدينة نحو العمران».

المدينة التي كانت قرية صغيرة للصيادين قبل أن يحولها القذافي إلى مدينة نموذجية، ولطالما خصصها مكانا لكل مؤتمراته العربية والدولية، حظيت خلال حقبة القذافي التي دامت نحو 42 عاما، برعاية وأموال عشيرة القذافي.

ودفعت سرت وهي مدينة يقطنها 100 ألف نسمة ثمنا باهظا لكونها كانت المعقل الأخير لحكم القذافي الدموي.

وتقع سرت في منتصف الساحل الليبي على طرف أراض صحراوية عميقة، واقترن اسمها منذ فترة طويلة باسم القذافي وعشيرته، واستفادت كثيرا من ذلك، لكن أهلها يصرون على أن بعض سكان المدينة أيدوا أيضا الانتفاضة ضد حكم القذافي.

وقال عضو المؤتمر الوطني عن المدينة إنه «بالنسبة للولاء للنظام السابق فإن سرت تلملم جراحها وتعمل على عودتها للوطن، وقد فعلت هذا لكونها الآن المدينة الأكثر استقرارا في ليبيا».

وأضاف: «هناك الكثير من الحقائق المزيفة التي يسوقها الإعلام عن المدينة، الوضع الآن مختلف، سرت يوجد بها تنوع سكاني، وتعرضت للدمار للمرة الرابعة في تاريخها الطويل، وفي كل مرة تتعرض فيها للدمار كانت تنهض بثبات وبقدرة أهلها».

وبعدما اعتبر العريشية أن الولاء للنظام السابق لا يرى لدى أغلبية سكان المدينة الآن، قال: «التحول حدث لأن الحرب فرضها القذافي، وقرر أن تكون في سرت، والناس نزحت وخرجت خارج المدينة ولم تقاتل معه، لو كان هناك ولاء حقيقي لقاتلت الناس معه».