أفغانستان: آثار الجروح الشاهد الوحيد لضحايا جرائم الشرف

بين ابتسامة باهتة ونظرات شاردة وفقد الذاكرة.. يسعين إلى نسيان الماضي

الفتاة الأفغانية غول مينا تتحسس آثار الجروح التي لا تندمل على وجهها في مكتب الرعاية الاجتماعية بالعاصمة كابل (نيويورك تايمز)
TT

اختفت القطب والضمادات، لكن آثار الجروح لا تزال تملأ أحد جانبي وجه الفتاة، التي كست خدها وخلف أذنها، كدليل صارخ على الهجوم الوحشي الذي نجت منه بأعجوبة قبل ثلاثة أشهر.

وعندما تجتمع الفتاة، غول مينا، مع فتيات أخريات، حتى أولئك اللائي تعرفت عليهن في الملجأ حيث تعيش الآن، تنزع النقاب عن الجهة التي تلفت من وجهها لتتحسسها بحذر شديد وهي تحبس أنفاسها.

قالت بصوت رقيق: «إنه يؤلمني».

بحسب الشرطة الأفغانية وجيرانها، كان أخوها هو من أحدث في وجهها تلك الندب العميقة عندما هاجمها بفأس، وكان السبب الذي تمكنا من استنتاجه من روايات الأفراد الذين يعرفون عائلتها، أنه كان يعتقد أن غول مينا تسببت في خزي للعائلة عندما فرت من القرية مع رجل.

ما زاد من وحشية الجريمة التي تعرضت لها - وفي عيون البعض ما جعل جرائم القتل بدافع الشرف ضرورية - هي أنها ما كادت لتتجاوز مرحلة الطفولة حتى تزوجت، بحسب أفراد في قريتها. وما بين معاصم صغيرة نحيفة لطفلة، وعيون واسعة يكسوها الحزن، تتقلب مشاعر غول مينا بين ابتسامة باهتة ونظرات شاردة، وهي تحاول استعادة ذاتها.

اعتقد الأطباء الذين باشروا حالتها عند دخولها المستشفى أنها في العشرين من عمرها، لكن ما إن نزعت الضمادات بدت أصغر بكثير. ويعتقد اختصاصيو الرعاية في ملجأ كابل أنها على الأرجح في السادسة عشرة من عمرها.

عندما تتحدث إلى الأفراد تبدو في بعض الأحيان مرتبكة، بل مندهشة مما هي فيه، كشخص يستيقظ في مكان جديد لا يعلم كيف وصل إليه. وتقول وهي تتحسس الندوب بسبابتها: «أنا لا أعلم كيف حدث هذا لي».

لم يعتقد الأطباء أو العاملون في المستشفى الذين رأوها في الأيام، بل في الأسابيع التي تلت وصولها إلى المستشفى (شرق أفغانستان) في نهاية شهر سبتمبر (أيلول)، ومخها بارز من جمجمتها، أنها ستنجو أو تتمكن من المشي على قدميها مرة أخرى، أو الاستحمام، أو حتى الأكل أو الحديث. وقال الجراح الذي عالجها للمرة الأولى إنه لم يكن على يقين من أنها ستتمكن من المشي مرة أخرى.

تتذكر غول مينا مسقط رأسها وتتحدث عنه طوال الوقت، فلها أربع إخوة وأختان نشأوا في منطقة حدودية بين باكستان وأفغانستان. على الجانب الأفغاني من الحدود تقع المنطقة في مقاطعة ناراي في إقليم كونار، وفي الجانب الباكستاني تقع في مقاطعة شيترال.

لكنها تقول إنها لا تستطيع تذكر الدافع وراء الهجوم. وقالت إنها لا تتذكر الهرب من المنزل أو الفرار مع رجل غير زوجها إلى إقليم نانعارهار حيث قيل إن أخاها وجدها بعد عشرة أيام.

وقالت مينهازا نادري، رئيس ملجأ النساء الأفغانيات (مجموعة حقوقية تدير الملجأ الذي تقيم فيه غول مينا): «عرضناها على مستشار نفسي، لكننا لا نرغب في الضغط عليها. إنها تتحدث عن أشياء مختلفة في أوقات مختلفة. في البداية قالت إنها متزوجة وإن لديها أربعة أبناء، والآن تقول إنها لم تتزوج قط».

فقد الذاكرة بعد الحوادث الصادمة ليس سوى رد فعل يظهر في بعض الأحيان عند ضحايا الاغتصاب في الغرب الذين أصيبوا بإصابات في الرأس أو في حالات اغتصاب الأطفال، لكن هذا النوع من فقدان الذاكرة أقل شيوعا في أفغانستان، بحسب الكثير من المدافعين عن حقوق المرأة، فتقول بلقيس روشان، عضو مجلس الشيوخ من إقليم فاراه التي تحدثت عن قضايا النساء: «لا أتذكر قضية فقدت فيها سيدة ذاكرتها، لكني على يقين من أن ذلك ممكن بمرور الوقت والعلاج الذي ستتلقاه».

ولدى سؤالها عما تود فعله قالت غول مينا إن كل ما تتمناه هو العودة إلى عائلتها، وقالت: «سأذهب بمجرد أن تأخذوني إلى هناك».

لكن النساء الأفغانيات اللاتي يقدمن على ارتكاب محرمات لا يعرفن شيئا اسمه العودة مرة أخرى إلى المنزل.

وعوضا عن احتضانها وتوفير ملاذ آمن لها، فالأكثر احتمالية هو أن يشعر أحد أفراد العائلة، إن لم يكن جميعهم، أنهم مجبرون بدافع الواجب على تطبيق قانون قبائل البشتون وقتلها لاستعادة مكانة العائلة في المجتمع، بحسب مدافعين عن حقوق النساء.

كان ذلك هو ما حدث مع نيلوفار، شابة أخرى تتلقى الرعاية في أحد ملاجئ نادري، حيث حاول والدها وأخوها قتلها عندما نحروا عنقها وطعنوها في معدتها بعد رفضها الزواج من رجل طاعن في السن اختاروه زوجا لها.. تركوها شبه ميتة، لكنها تمكنت بعد مجهود شاق من الوصول إلى بعض المزارعين الذين نقلوها إلى مستشفى. وعندما عادت إلى المنزل علمت من زوجة أخيها أن أخاها أخفى سكينا كبيرة أسفل وسادته ويخطط لقتلها منتصف الليل، وهو ما دفعها إلى الفرار. وتقول حسينة نكزاد، مديرة شبكة النساء الأفغانيات في غرب أفغانستان، حيث وقعت 22 حادثة قتل بدافع الشرف خلال الأشهر التسعة الماضية: «لا أعتقد أن غول مينا ستعود إلى المنزل. أنا متأكدة أنهم سيخططون لقتلها مرة أخرى. إذا كان أخوها قد فعل ذلك ولم يعاقب على ذلك، فما الذي يمنعه من تكرار هذا العمل مرة أخرى؟ وربما يشعر هذه المرة بجرأة أكبر».

نتيجة لهذه الآثار النفسية التي تعانيها غول مينا، لم يكن مستغربا أن تتمنى العودة إلى بيتها مرة أخرى؛ بحثا عن الأمان من غدر هذا العالم، لكن يبدو أنها تدرك أن ذلك قد يكون خطرا.

وعند سؤالها عما إذا كانت تستطيع النوم خلال الليل قالت: «عندما أنام يراودني الحلم ذاته، حيث يأتيني أخي الأكبر ويقول لي: لقد حان الوقت كي تعودي إلى المنزل، ثم أستيقظ وأنا أشعر بخوف شديد».

* خدمة «نيويورك تايمز»