العقيد متقاعد بن عومر بن جانة: فرنسا ستواجه في مالي تضامنا دينيا من كل قبائل الطوارق في الساحل

خبير عسكري جزائري يقول لـ«الشرق الأوسط»: القوة الأفريقية غير مهيأة للتعامل مع حرب العصابات

TT

قال خبير عسكري جزائري، إن فرنسا «ستواجه في المستقبل القريب شعورا قويا بالعداء من جانب قبائل الطوارق، ليس فقط في مالي ولكن في كل منطقة الساحل الصحراوي»، وحذر من «مآس وأزمة إنسانية معقدة» إن لم تحسن باريس تدبير العملية العسكرية.

وأوضح العقيد الجزائري المتقاعد، بن عومر بن جانة، في مقابلة مع «الشرق الأوسط»، أن العملية العسكرية التي تشنها فرنسا في مالي، والتي دخلت أمس أسبوعها الأول «ستطول أكثر مما يتوقعه الفرنسيون الذين يتحركون في منطقة تبلغ مساحتها 940 ألف كلم مربع، تحتلها جماعات إسلامية مسلحة ومتمردون انفصاليون من الأزواد. ولتغطية هذه المنطقة لا بد من نشر مئات الآلاف من الجنود مدربين على حرب العصابات، لأن المسلحين في شمال مالي يقودون حرب عصابات حقيقية منذ عشر سنوات على الأقل».

وأوضح العقيد بن جانة، وهو عضو بارز في «مركز الدراسات الأمنية» بالجزائر العاصمة، أن القوة العسكرية الأفريقية المرتقبة التي ستحشد لها «المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا» (إكواس)، ثلاثة آلاف عسكري: «سوف لن يكون لها تأثير كبير على مسرح الأحداث، لأن جيوش هذه البلدان تنقصها الخبرة في التعامل مع مثل هذه الأوضاع».

وأضاف العقيد بن جانة، الذي اشتغل في الحدود الجنوبية في عقد التسعينات من القرن الماضي: «لو تمحصنا في التركيبة الإثنية لمجتمعات شمال مالي، نلاحظ أن القبائل الطرقية هناك تملك تجذرا في الأرض تصل امتداداته إلى كل بلدان المنطقة وخاصة الجزائر والنيجر وبوركينافاسو وليبيا»، مشيرا إلى أنه توجد بين هذه القبائل «علاقات مصاهرة تعود إلى عشرات السنين». وزاد قائلا: «إن ميزة هذا المجتمع المترابط هو أنه شديد التمسك بالإسلام، وسيكون عامل الدين دافعا قويا إلى تحريك الشعور بالنصرة والتضامن مع الطوارق في شمال مالي، إذا تعرضوا لاعتداء من طرف القوات الفرنسية».

وقال العقيد الجزائري: «يجب ألا ننسى أن فرنسا تحارب الآن تنظيما طوارقيا هو حركة أنصار الدين، وإذا كانت الخسائر كبيرة في صفوف مسلحي هذا التنظيم سوف تواجه فرنسا في المستقبل عداء بالمنطقة عنوانه (مقاومة الغزاة الصليبيين)، بل إن شعوب المنطقة أصلا ما زالت تنظر إليها على أنها الدولة المستعمرة».

وأوضح العقيد بن جانة أن فرنسا «ارتكبت خطأ كبيرا عندما تعاملت مع حركة أنصار الدين على أنها جماعة إرهابية، مثلها مثل القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي وحركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا».

ويعتقد الخبير العسكري الجزائري أن التنظيم الطوارقي الذي يتزعمه إياد آغ غالي، لم يهدد مصالح فرنسا بالمنطقة على خلاف «القاعدة» و«التوحيد»، مشيرا إلى أن «الأنصار» لديهم مطالب سياسية واجتماعية تتعلق بطبيعة المنطقة جغرافيا وإثنيا، بينما التنظيمات الإرهابية الأخرى، تسعى، في نظره، إلى جعل شمال مالي منطقة شبيهة بأفغانستان تستقطب إليها الجهاديين من أوروبا والمغرب العربي، لـ«إعلان الحرب على الغرب الصليبي».

وقال بن جانة، إن الوضع المتفجر الذي تشهده المنطقة اليوم «هو حصيلة تفكك وانهيار المؤسسات السياسية والإدارية والأمنية في ليبيا، وهو نتيجة الغياب التام للسلطة الشرعية ومؤسسات الدولة في مالي. وإذا لم تحسن القوات الفرنسية تسيير هذا الوضع المعقد، فستترك العملية العسكرية مآسي وكوارث إنسانية واجتماعية يصعب احتواؤها، وسوف تتحمل الجزائر العبء الأكبر لنتائج الحرب لأنها ستستقبل موجات من الفارين من الجحيم وستواجه لا محالة خطر تسرب الأسلحة».