طاهر المصري لـ «الشرق الأوسط»: «إخوان الأردن» جزء مهم.. وحديثهم عن «الخلافة» يثير القلق

رئيس مجلس الأعيان الأردني: نحتاج إلى أكثر من دورة انتخابية لدعم منظومة الشفافية والنزاهة في حياتنا السياسية

طاهر المصري
TT

أكد رئيس مجلس الأعيان الأردني طاهر المصري أن الشعبين الأردني والفلسطيني يرفضان فكرة الكونفيدرالية قبل قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، لافتا إلى أن الأردن لن يدخل في حوار بشأن الكونفيدرالية وتطبيقاتها إلا بعد قيام الدولة الفلسطينية المستقلة ودخولها الأمم المتحدة كدولة كاملة السيادة.. «بعدها يقرر الشعبان بإرادتهما الحرة شكل العلاقة المستقبلية بينهما».

وقال المصري، في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» في عمان «مفهوم الكونفيدرالية ليس مطروحا من أي جهة عربية أو غربية، بل هو طرح إسرائيلي بالدرجة الأولى». وقال المصري إن حديث «الإخوان» عن دولة خلافة في الأردن يثير القلق وله ما بعده، مشيرا إلى أن الإسلاميين جزء مهم من الحياة السياسية والمستقبل السياسي للأردن، لكن الأحداث الإقليمية خاصة في مصر غيرت بعض القناعات تجاه الحركة الإسلامية في الشارع الأردني. وحول التغييرات التي حدثت في العالم العربي قال المصري إن «فيها جوانب إيجابية كثيرة.. ولا يزال الأمل معقودا بشأن أن هذا التغيير سوف يسير في الاتجاه الصحيح، لكن سير الأحداث وعودة النظرة الإقصائية لا يبشران بأن الأمور تسير باتجاه الحكم الديمقراطي المدني الذي كان الهدف». وإلى نص الحوار..

* الانتخابات النيابية التي ستجرى في المملكة يوم الأربعاء المقبل كثر الحديث فيها عن المال السياسي.. هل ترى أن إجراءات الحكومة كافية لمحاربة هذه الظاهرة؟

- المال السياسي أو ما يسمى «المال الفاسد» واضح في هذه الانتخابات بغض النظر عن حجمه، والحكومة والهيئة المستقلة للانتخابات تحاولان جاهدتين الحد من الظاهرة بشكل جدي وصادق، لكن هذا الجهد ليس ناجحا بالكامل لأن استعمال المال السياسي لا يمكن ضبطه في كثير من الأحيان، وأن شراء الأصوات يعتبر تزويرا لإرادة الناخبين وإفسادا للحياة السياسية.

* هل إجراءات الدولة في محاربة المال السياسي تعيد ثقة المواطنين في العملية الانتخابية؟

- ابتداء، فإن حجم عدم الثقة بين المواطنين وإجراءات الحكومات السابقة المتصلة بالعملية الانتخابية برمتها كبير، بسبب التلاعب في الانتخابات وتزويرها، لكن حاليا فإن الإجراءات التي تتبعها الحكومة والهيئة المستقلة للانتخاب أزالت بعض الشكوك، وعلينا أن نعترف بأن كثيرا من الشكوك ما زالت موجودة، ونحتاج إلى أكثر من دورة انتخابية لتبديدها، إضافة إلى الاستمرارية في دعم منظومة الشفافية والنزاهة في حياتنا السياسية.

* هل أنت واثق من نزاهة الانتخابات النيابية؟

- كل المعطيات تشير إلى أن الحكومة والهيئة المستقلة سوف تجريان انتخابات نزيهة وبعيدة عن التزوير، ولم يأت إنشاء الهيئة المستقلة للانتخاب وإبعاد الدوائر الحكومية الرسمية عن الإشراف المباشر على الانتخاب عبثا، كما أن هناك التزاما من الملك عبد الله ورئيس الوزراء بان الانتخابات ستكون نزيهة، وأن الدوائر التي كانت تتدخل في السابق لتزوير الانتخابات لن تفعل ذلك بعد الآن.

* ما مدى انعكاس مقاطعة جماعة الإخوان المسلمين في الأردن للانتخابات على الحياة السياسية مستقبلا؟

- لا شك أن مقاطعة الإخوان المسلمين كان لها أثر كبير على توجه الناخبين في البداية خاصة في مرحلة التحضير للانتخابات، لذا بُذلت جهود سياسية لحث الحكومة والجماعة على الوصول إلى تفاهم حول قانون الانتخاب حتى يكون الإسلاميون جزءا من العملية الانتخابية، باعتبار أنهم جزء مهم من الحياة السياسية والمستقبل السياسي للأردن، لكن الأحداث الإقليمية خاصة في مصر غيرت بعض القناعات تجاه الحركة الإسلامية في الشارع الأردني، ثم جاءت تصريحات المراقب العام للجماعة في الأردن الدكتور همام سعيد الأخيرة حول سعي الجماعة لإقامة دولة دينية في المملكة لتثير القلق وتبرز جانبا جديدا من توجهات الحركة الإسلامية، مما انعكس سلبا على حجم الدعم والتأييد اللذين حظيت بهما من بعض القوى السياسية لقرارها بمقاطعة الانتخابات.

* ما المطلوب في المرحلة المقبلة من الحكومة والمعارضة؟

- يجب أن ينصب الجهد الوطني على دعم مفهوم الإصلاح السياسي وترسيخه في البلاد، وأن نبدأ عملنا عقب الانتخابات بإحداث توافق على قانون انتخاب يحقق المفاهيم البرلمانية والإصلاحية الحقيقية، وهنا أذكر بأن جلالة الملك أكد في أكثر من مناسبة أن الاقتراح الأفضل لقانون الانتخاب هو المشروع الذي قدمته لجنة الحوار الوطني ثم إجراء حوار معمق بين الحكومة والقوى السياسية قاطبة للوصول إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وتقوية وتثبيت مفهوم الدولة.

* هل الأردن مقبل على مرحلة سياسية جديدة عقب الانتخابات النيابية؟

- جلالة الملك يؤكد على أننا مقبلون على مرحلة سياسية جديدة، وكل الرسائل والالتزامات الملكية تشير إلى أن الأردن يسير نحو نظام ديمقراطي متقدم. صحيح أننا نراقب نتائج الانتخابات، وهناك شكوك من المعارضة حول مخرجاتها، لكن يبقى اليوم التالي للانتخابات هو أهم من يوم الاقتراع لأنه اليوم الذي يكون بداية لحقبة جديدة مختلفة تماما عن الحقبة السابقة، وإن تكملة ما ذكرته هي تأليف حكومة قوية متجانسة تحقق مشاريع وسياسات وتنشئ تشريعات تحقق الأهداف الإصلاحية، وهو أمر ضروري.

* لماذا لم يتم تطبيق مقترحات لجنة الحوار الوطني التي كنت رئيسها خاصة حول قانون الانتخاب؟

- لجنة الحوار قدمت وثيقة متكاملة من الأفكار والمشاريع الإصلاحية، وتم التركيز في الإعلام والدوائر السياسية على مشروع قانون الانتخاب في تقرير اللجنة، وتم تجاهل فصول الوثيقة الأخرى من الإعلام، والمقدمة في الوثيقة احتوت على كل عناصر النزاهة وتوجهات الإصلاح وفصل السلطات والمتطلبات السياسية الحقيقية لبناء دولة حديثة ودولة المواطنة، وتعرضنا لأكثر الأمور حساسية، فالاتفاق في لجنة الحوار كان شاملا، ولكن للأسف تم تجاهل مقترح قانون الانتخاب والتوافق الإصلاحي في الوثيقة.

* الحراك الشعبي في الأردن كيف سيتم التعامل معه مستقبلا؟

- أعتقد أن الحراك الشعبي أدى دوره وأجرى تغييرا كبيرا عند الأغلبية الصامتة من المجتمع سواء على مستوى الشارع أو الفئات التي لم تكن مهيأة للتعبير عن رأيها، خاصة قطاع الشباب من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، حيث وجدوا متسعا لهم للتعبير بحرية وجرأة. ولا أعتقد أن أيا من كبار المسؤولين والأجهزة المدنية والأمنية تستطيع أن تتجاهل هذه القوى الجديدة وهذا التعبير الدافق إلى الأمام. وبصراحة أقول إن جزءا كبيرا من التغيير والسياسات الجديدة والالتزامات الجديدة جاء إثر تعاظم هذا العامل الجديد في الحياة السياسية والاجتماعية الأردنية.

* يخرج أحيانا حديث عن فكرة الكونفيدرالية بين الأردن وفلسطين، بماذا تفسر ذلك؟

- أنا متأكد من أن مفهوم الكونفيدرالية ليس مطروحا من أي جهة عربية أو غربية، بل هو مطروح بالدرجة الأولى من أوساط إسرائيلية حكومية ومراكز أبحاث، ولم يبحث أحد في فلسطين على أي مستوى سواء الشعبي أو الرسمي مسألة الكونفيدرالية في هذه الأوقات، وبالنسبة لنا في الأردن فنحن متفقون وموحدون بأننا لا نقبل الحديث عن الكونفيدرالية وتطبيقاتها إلا بعد قيام الدولة الفلسطينية المستقلة ودخولها الأمم المتحدة لتصبح دولة كاملة السيادة وتستطيع أن تقرر مصيرها ومستقبلها بإرادة شعبها الفلسطيني.. عندها تكون للشعبين الأردني والفلسطيني الحرية في اختيار شكل علاقتهما.

* هناك من يعتقد أن دور الأردن الخارجي تراجع خاصة على المستوى العربي؟

- دور الأردن العربي لم يتراجع، ولكنه يبدو للبعض كذلك، وأنا لا أتفق مع تلك المقولة لأن الأردن يقع في وضع جغرافي وسياسي واقتصادي صعب، وهناك تحزبات عربية متناقضة فيما بينها، ويسعى كل منها إلى دعوة الأردن لاتخاذ موقف مشابه له، ومن هنا يقف الأردن على حبل مشدود يحاول أن يحدث التوازن المناسب للبقاء واقفا من دون السقوط عن الحبل، ولذلك يتجنب المواقف العلنية في القضايا المختلف عليها ويتجنب التطرف في أي من المواقف، مما يعطي الانطباع بأن دور الأردن العربي تراجع.

* كيف تقيم أداء الإسلاميين في دول الربيع العربي التي تسلموا فيها الحكم؟

- أولا حصل التغيير في العالم العربي، وكان الربيع العربي فيه جوانب إيجابية كثيرة في البداية، ولا يزال الأمل معقودا في أن هذا التغيير سوف يسير في الاتجاه الصحيح، لكن سير الأحداث وعودة النظرة الإقصائية لا يبشران بأن الأمور في بلدان الربيع العربي تسير باتجاه الحكم الديمقراطي المدني الذي كان الهدف والدافع للربيع العربي.. فالشعوب لا تريد أن تستبدل بنظام إقصائي نظاما آخر إقصائيا أيضا، فالدولة للجميع وتداول السلطة أمر أساسي.

* كيف تقيم دور مجلس الأعيان اليوم، وهل برأيك اختلفت النظرة السابقة إليه بأنه مجلس يوافق على قرارات مجلس النواب فقط؟

- منذ أن اختارني جلالة الملك رئيسا لمجلس الأعيان عام 2009 اعتبرت أن اختياري مقدمة لإحداث توازن في الدور السياسي بين مجلسي النواب والأعيان، والملك يؤمن بأن مجلس الأعيان هو جزء من السلطة التشريعية حسب الدستور، وله نفس وظائف ومهام مجلس النواب من ناحية التشريع والمساءلة إلا فيما يتعلق بحجب الثقة ومنحها للحكومة، ولا نستطيع أن نقلل من أهمية الثقة، وكانت رسالة الشكر التي بعثت بها إلى جلالة الملك يوم تعييني رئيسا للأعيان تحتوي على هذا المفهوم، وقد مارس «الأعيان» دوره في التشريع والمساءلة بشكل جيد ومتصاعد طيلة السنوات الثلاث الماضية، وحظي المجلس بدعم من جلالة الملك ومن الرأي العام لدوره الفعال خاصة في قضايا وقوانين حساسة، وأعتقد أن هذا الدور سيتعاظم في المرحلة المقبلة لعدة أسباب، أولها أن هناك تغييرا يحصل في الأردن باتجاه إصلاح نيابي وسياسي حقيقي، وسيكون المجلس عامل توازن واعتدال في مواجهة أي إجراءات أو سياسات متطرفة تثار في مجلس الأمة، وهناك قناعة لدى الحكم بأن مجلس الأعيان يجب أن يتم انتخابه في مرحلة لاحقة وفي الوقت المناسب، ولا بد من السير في هذا المسار بشكل تدريجي.

* هل تؤيد فكرة أن يكون مجلس الأعيان منتخبا من الشعب وليس معينا؟

- أنا أؤيد فكرة انتخاب مجلس الأعيان ولكن في الوقت المناسب، والوقت المناسب في مفهومي هو عندما تنضج الأحزاب السياسية ويصبح مجلس النواب منتخبا على أساس حزبي ويستقر الواقع الجديد، عندها لا بد من إجراء تعديل دستوري لكي ينتخب «الأعيان»، وعندها لا بد ألا تكون وظائفه تكرارا لوظائف مجلس النواب.

* هناك من يطالب بإلغاء مجلس الأعيان والاكتفاء بمجلس النواب؟

- أعتقد أن هناك ضرورة لوجود مجلس الأعيان مستقبلا وحاضرا، وكثير من دول العالم تتجه تدريجيا للأخذ بمبدأ الغرفتين التشريعيتين، وميزت الأعيان بأنهم حسب الشروط الواردة في الدستور يتمتعون بخبرة وسمعة طيبة.