مصادر فرنسية رفيعة: واشنطن ما زالت تشكك في قدرة الائتلاف السوري على ضبط الوضع بعد سقوط النظام

روت لـ «الشرق الأوسط» ما دار بين الإبراهيمي والأسد في اجتماع دمشق الأخير

TT

تستشعر باريس الخطر الذي يهدد القوى المعارضة للنظام السوري، وتحديدا الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة، الذي عجز حتى الآن عن تشكيل حكومة مؤقتة؛ أعلنت فرنسا وعلى لسان أعلى سلطة فيها استعدادها للاعتراف بها ولم توفر جهدا في الدفع باتجاه تشكيلها. وقالت مصادر فرنسية رسمية رفيعة المستوى تحدثت إليها «الشرق الأوسط» إن الاجتماع المقرر في باريس يوم الاثنين المقبل، بحضور ممثلي نحو 48 دولة بينها الدول الأوروبية وعدد من الدول العربية والولايات المتحدة الأميركية وتركيا وغيرها، «سيكون غرضه توفير الدعم المحسوس للمعارضة السورية»، ومساعدتها على «الحصول على المصداقية التي تحتاجها والتي لم تحصل عليها حتى الآن». ولذا تريد باريس وبعد اجتماع مراكش الذي اعترفت بمناسبة انعقاده ما يزيد على 100 دولة بالمعارضة ممثلا شرعيا للشعب السوري توفير الدعم «الملموس» للمعارضة والاستجابة لحاجاتها المالية والإنسانية والسياسية والعسكرية.

وتريد فرنسا بداية أن تمر المساعدات المختلفة التي تذهب للمعارضة عبر مكتب رئيس الائتلاف معاذ الخطيب، الأمر الذي سيوفر لها حضورا على الأرض بدل أن تبقى المساعدات «مبعثرة وذاهبة في كل اتجاه». كذلك، تدفع فرنسا باتجاه توثيق العلاقة بين الائتلاف من جهة، وبين القوى العسكرية الموجودة ميدانيا؛ أي الكتائب التي تقاتل النظام، مع الحرص على العمل مع الحركات والجهات التي لا تنتمي لمنظمات جهادية أصولية.

وفي هذا الخصوص بالذات، قالت هذه المصادر إن عدد الجهاديين غير معروف بالضبط، ولكنهم «قلة». ولذا، فإن «تطويقهم» يجب أن يمر من خلال تقوية الجيش الحر والائتلاف، والإسراع في تشكيل حكومة مؤقتة تحظي بالاعتراف والشرعية الدوليين. وتراهن باريس على الإسراع في تحقيق هذا الهدف الذي ترى أن تبعاته السياسية والدبلوماسية يمكن أن تكون أحد العوامل الرئيسية في التعاطي مع الوضع السوري اليوم وتغيير مسار الأحداث. ومن هذا المنظور، تريد فرنسا وتدفع باتجاه أن تقدم الجامعة العربية على خطوة الاعتراف بالائتلاف «ممثلا شرعيا وحيدا لسوريا»، وأن تنقل إليه مقعد سوريا الشاغر في الجامعة العربية.

وإذا تمت هذه الخطوة، فإن باريس، وفق ما قالت مصادرها لـ«الشرق الأوسط»، جاهزة لخوض «معركة دبلوماسية في الأمم المتحدة لتحتل المعارضة مقعد سوريا في المنظمة الدولية». ومعلوم أن تطورا كهذا ستكون له نتائج سياسية بالغة الأهمية وسيعطي الائتلاف الشرعية الإضافية التي يحتاجها. وأبعد من ذلك، فإن الحكومة المؤقتة العتيدة تستطيع المطالبة بالتصرف بالأموال والأصول، وكل ما هو عائد للدولة السورية على غرار ما حصل في الحالة الليبية عندما تحول المجلس الوطني المؤقت إلى المحاور الشرعي للأسرة الدولية. وفي أي حال، تفضل فرنسا أن تقوم حكومة سورية مؤقتة في سوريا نفسها و«ليس حكومة منفى»، وذلك في المناطق المحررة، وأن تتمكن من أن يكون لها تأثير ميداني وليس وجودا صوريا. والطريق «الأسرع» إلى ذلك يمر، من جهة، عبر توجيه المساعدات من أي نوع إلى الائتلاف، ومن جهة أخرى من خلال التنسيق في موضوع الدعم العسكري للمعارضة.

وتؤكد المصادر الفرنسية أن باريس «لا يراودها أي شك في أن النظام سيسقط».. غير أنها تعي الصعوبات التي تواجهها المعارضة حتى من أطراف تؤكد دعمها لها مثل الولايات المتحدة الأميركية، التي «لا تزال تقول إن المعارضة تفتقد للصدقية، وهي بذلك تتلاقى مع روسيا، كما أنها غير متحمسة لتشكيل حكومة مؤقتة وتتساءل عن فائدتها». والرد الفرنسي على التشكيك الأميركي وغير الأميركي هو أن الائتلاف «الجهة الوحيدة التي يمكن التعويل عليها من أجل لجم الحركات الجهادية الإسلامية، بشرط دعمه جديا وتوفير شروط الانتقال السياسي بشكل معقول» علما أن باريس «تعي» أن سقوط نظام الأسد «لا يعني أن الحرب قد انتهت». وبكلام آخر، ترى باريس أن الائتلاف هو «أفضل الممكن، ودعمه ضروري لتحاشي الأسوأ».

وردا على الذين يتساءلون كيف تحارب فرنسا الإسلاميين المتشددين في مالي وتدعمهم في سوريا، فإن الجواب الفرنسي مزدوج.. فمن جهة، لا يمكن المقارنة بين مالي وسوريا، ومن جهة ثانية، فإن فرنسا «لا تدعم المتشددين؛ بل الأطراف المعتدلة القادرة وحدها على احتواء المتشددين». وتستبعد باريس نهائيا أي تدخل عسكري أجنبي في سوريا. ولذا فمن «الخطأ» المراهنة على حصوله، وبالتالي «يتعين تجميع الأوراق التي يمكن استخدامها والتي من شأنها توفير وسائل ضغط إضافية على النظام»، خصوصا أنه استعاد في الأسابيع الأخيرة بعض المواقع التي كان خسرها بينما المعارضة تراوح مكانها. وبرأي باريس، فإن استمرار المراوحة الميدانية على حالها سيفرز ثلاثة رابحين: الأسد «لأنه ما زال موجودا»، وإيران «لأنها لم تخسر النظام السوري ولا حليفها حزب الله»، والجهاديين الإسلاميين «الآخذين بمصادرة الثورة السورية لصالحهم». ولا تتمنى باريس استقالة المبعوث العربي - الدولي الأخضر الإبراهيمي، على الرغم من أن جهود الأخير قد انتهت إلى طريق مسدود بسبب موقف الأسد وامتناع موسكو عن الضغط عليه باعتباره «الورقة الوحيدة التي من خلالها تستطيع إثبات وجودها في هذه المنطقة». وروت هذه المصادر ما دار في آخر اجتماع للإبراهيمي مع الرئيس السوري في دمشق. فقد قال الأول للثاني: «أنت لن تستطيع الاستمرار في السلطة، وبالعكس فإن المعارضة قادرة على الانتصار ولكن بأي شروط؟ الثمن سيكون تدمير دمشق».. ورد الأسد: «أنا أستطيع أن أربح الحرب إذا دمرت دمشق».

وتنظر باريس إلى اعتقاد الأسد بأنه قادر على الانتصار في هذه الحرب بأنه «مصدر خطر كبير، لأن هذا يعني أن الحرب مستمرة وأن معركة دمشق لن يكون منها مفر»، خصوصا أن الموقف الروسي لا يبدو أنه سيتزحزح على الرغم من الإشارات المتناقضة التي تصدر عن موسكو، حيث إن بعضها ينم عن وعي لقرب سقوط الأسد، بينما بعضها الآخر يصر على الوقوف إلى جانبه.

وبحسب باريس، فإن المرجح أن موسكو ترى في سقوط الأسد «خسارة الورقة الأخيرة التي تملكها في الشرق الأوسط، حيث إن كل التغييرات التي حصلت منذ بدء الربيع العربي كانت على حسابها وعلى حساب مصالحها. وكشفت هذه المصادر أن الغربيين والوسطاء قدموا كل الضمانات التي يمكن أن تطلبها روسيا في سوريا والمنطقة ولكن من غير طائل. ولذا فالخلاصة التي توصلوا إليها هي أن ما يحرك الدبلوماسية الروسية هو فقط الرغبة في مناكفة الغربيين، ولو على حساب تدمير المدن السورية وسقوط عشرات الآلاف من القتلى».