سياسة أوباما الخارجية تبدو أكثر اعتدالا

رئاسته الأولى شهدت عددا محدودا من الإنجازات وسط ضعف نفوذه على الشرق الأوسط

أميركيون ينتظرون الخطاب التاريخي بعد أن أدى الرئيس باراك أوباما القسم مرة ثانية أمام نصف مليون شخص في «ناشيونال مول» (الميدان الرئيسي أمام مبنى الكونغرس في واشنطن) أمس (أ.ف.ب)
TT

لم تكد تمضي تسعة أشهر على توليه رئاسة الولايات المتحدة، حتى استيقظ الرئيس باراك أوباما على خبر فوزه بجائزة نوبل للسلام؛ لا لإنجاز بعينه، بل لوعوده بأنه سينهي حرب العراق، وسيفوز في «حرب الضرورة» في أفغانستان، والانتقال إلى ما بعد التخلص من الأسلحة النووية والتعامل مع التغييرات المناخية والتفاوض مع خصوم أميركا.

لكن عدا العراق، لم تشهد فترة رئاسته الأولى سوى عدد محدود من الإنجازات التي شملتها هذه القائمة، حيث جاهد أوباما لوضع استراتيجية جديدة لدور أميركا في خضم عالم متشرذم، مع الحفاظ في الوقت ذاته على تفوقها والاعتماد بشكل كبير على قائمة متغيرة من الشركاء. ومع بداية فترة رئاسته الثانية، أكد مساعدو أوباما والمقربون منه أنه يدرك تماما أن أجندته الطموحة لاستعادة نفوذ وصورة الولايات المتحدة في العالم، توقفت على الأغلب عندما تسلم الجائزة. لكن الرئيس أشار إلى أنه يخطط للعودة إلى أجندته الأصلية، رغم إشارته إلى أنها قد تكون مختلفة هذه المرة، حيث تتسم بأنها ستكون أقل طموحا.

ستقوده التجربة المريرة؛ بدءا بتمرير أكثر اتفاقات السيطرة على السلاح تواضعا في مجلس الشيوخ العام الماضي، والمحاولة الفاشلة في إجراء حوار مع قادة إيران وكوريا الشمالية، واكتشافه مدى ضعف تأثير بلاده على مصر وباكستان وإسرائيل، والتكلفة الكبيرة من الأرواح والموارد الأميركية في أفغانستان.. إلى انتهاج سياسة أحد أسلافه الجمهوريين، الرئيس دوايت أيزنهاور، التي سيحاول من خلالها أوباما التعامل بذكاء مع الأحداث العالمية، عوضا عن اللجوء إلى توقيع معاهدات ضخمة وتدخلات عسكرية ضخمة واتفاقات مساعدات كبيرة. ويقول أحد مستشاري الأمن القومي البارزين في إدارة أوباما، الذي رفض نشر اسمه: «سر الجاذبية في استراتيجية أيزنهاور هي أنها تحتوي على عنصر كبير من التحول نحو الداخل، والنظر إلى إعادة بناء القوة في الداخل، والحفاظ على قوة أميركا. لكنه هناك حقيقة أيضا في أن بعض المبادرات التي بدت مشجعة خلال السنوات الأربع الماضية - سواء أكانت تقود خفض عدد الأسلحة النووية أو مساعدة أفغانستان في إعادة بناء ذاتها - تبدو أكثر صعوبة في الوقت الراهن».

لا تزال قدرة هذه الاستراتيجية على النجاح موضع شكوك كثيرة.. فمغامراته الأولى بالقيام بالعمل السري وتوجيه ضربات سريعة وحاسمة مثل الحرب السريعة في ليبيا والحرب الإلكترونية ضد إيران، قد أعاقت الخصوم، لكن الرضا عن الضربات السريعة كان على الدوام مؤقتا في أحسن الأحوال.

وقد قوبلت وعوده بالتغيير التحولي في الوقت الراهن حول العالم بمزيد من الشكوك، فقد أحرج طالب في القاهرة صحافيا العام الماضي وطلب منه معرفة السبب في الإبقاء على معتقل غوانتانامو، ووزير الخارجية الأوروبي الذي تساءل في حفل عشاء دبلوماسي في واشنطن عما إذا كان «التحول باتجاه آسيا مرحلة أخرى لتجاهل بقية العالم». يقول بعض مساعديه الحاليين والسابقين إن أسئلة الرئيس أوباما خلال جلسات غرفة الاجتماعات، تعكس قلقا من أن فترته الأولى ضاعت في إخماد النيران عوضا عن بناء مؤسسات دائمة. كان الرئيسان الأميركيان فرانكلين روزفلت وهاري ترومان قد عززا من دور الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية بالمساهمة في إنشاء الولايات المتحدة والمؤسسات المالية الدولية وخطة مارشال لإعادة بناء أوروبا، وبرز الرئيس جون إف كيندي من أزمة الصواريخ الكوبية بمعاهدات تحد من انتشار الأسلحة النووية، وجذب الرئيس جورج بوش حلفاء جددا من حلفاء الاتحاد السوفياتي السابق.

في المقابل، كانت أضخم إنجازات أوباما دفاعية إلى حد بعيد؛ بدءا من الانسحاب الكامل من العراق وهجمات مدمرة ضد قيادة «القاعدة». (وعندما زار الرئيس الأفغاني حميد كرزاي البيت الأبيض الأسبوع الماضي قدمت إليه بطاقة نتائج لأشهر 20 مطلوبا من قادة «القاعدة» عندما تولى أوباما قيادة الولايات المتحدة، قتل 13 منهم إلى جانب العديد ممن خلفوهم على قيادة التنظيم). وقد أكد مستشار الرئيس للأمن القومي توماس دونيلون، في تصريحاته منذ إعادة انتخاب أوباما أن الرئيس بنى في فترته الرئاسية الأولى تحالفا أوسع نطاقا ضد إيران عن أي من سابقيه، وهذا صحيح، لكن ذلك لم يجبر الإيرانيين حتى الآن على الحد من برنامجهم النووي.

وقد عرضت الولايات المتحدة زيادة المساعدات إلى مصر أو منعها إذا ما نحت هذه الدولة مسارا غير ليبرالي. حتى الآن لم تمنح أي من الوسيلتين أوباما القدرة على التأثير على الحكومة الجديدة التي يقودها الإخوان المسلمون. والبداية الواعدة في بناء شراكة اقتصادية وسياسية مع الصين تحولت إلى جدال حول ما إذا كانت الولايات المتحدة تسعى إلى احتواء الطموحات الصينية.

ويقول جيفري بادير، الدبلوماسي المخضرم الذي كان أحد مهندسي البيت الأبيض لإعادة التوازن تجاه آسيا: «إنه يرغب في أن يكون أكثر من مدير فقط خلال السنوات الأربع المقبلة، فهو يدرك أن كونه رئيسا تحوليا على ساحة عالمية هي أكثر من نوايا طيبة وخطط جيدة، وأنها بصدد العثور على أماكن لا تعتمد فيها على الخصوم الذين يرفضون تغيير مواقفهم، أو من يستفيدون من إظهار عدائهم للولايات المتحدة».

إذا كان هناك رهان استراتيجي في فترة أوباما الرئاسية الثانية، فربما يكون موضعه هو آسيا. لقد دعم الازدهار الهائل المفاجئ في إنتاج النفط والغاز في الولايات المتحدة قناعة أوباما بأن الولايات المتحدة لديها فرصة النأي بنفسها بعيدا عن الأحداث التي يشهدها الشرق الأوسط. لقد وجد أوباما في آسيا منطقة أكثر ترحابا بالنفوذ الأميركي، ويعود هذا إلى أن مزيدا من الوجود الأميركي يعني المزيد من السفن والاستثمارات. ويؤهلها هذا لتكون قوة مقابلة لقوة الصين الصاعدة. وعزز تركيز أوباما على آسيا اهتمامه بحقبة أيزنهاور. بعد الحرب الكورية، أراد الأميركيون سحب القوات والتركيز على تحقيق النمو. ومثلما يعاني أوباما من قلق غير معلن من تلاعب الجنرالات، الذين كانوا يحاولون مدّ وجود القوات الأميركية في أفغانستان، به، غادر أيزنهاور المنصب وهو يحذر من هيمنة «المنظومة الصناعية العسكرية» على صناعة القرار الأميركي. في الوقت ذاته، يقول الذين عملوا مع أوباما وحللوا أسئلته في مناقشات غرفة الاجتماعات حول قدرة الولايات المتحدة على التأثير على سير الأحداث في أماكن مثل سوريا أو مالي أو كوريا الشمالية، إنهم يستشعرون قلقا داخله أكبر من قلقه خلال الفترة الرئاسية الأولى في ما يتعلق بحدود التأثير الأميركي، فهو يطرح أسئلة أكثر تفصيلا عن كيفية تأثير إرسال مائة أو عشرة آلاف جندي على المدى الطويل. وقال أحد مساعدي الرئيس إنه كان يسأل عما يمكن أن تفعله القوات، التي قد نرسلها إلى سوريا للسيطرة على الأسلحة الكيماوية، خلال عام وما لا تستطيع فعله في أسبوع.

إن هذا هو نتاج تجربة أوباما المريرة عام 2009 عندما أصغى إلى نصيحة الجيش بزيادة عدد القوات في أفغانستان إلى عشرات الآلاف، وسرعان ما ندم أوباما على ذلك، وتبع ذلك بخطوة نحو استراتيجية «أفغانستان جيدة بالقدر الكافي» بأدنى حد من الأهداف وأسرع سحب للقوات. وبات مترددا منذ ذلك الحين في استخدام القوة التقليدية بالطرق التقليدية. وقالت آن ماري سلوتر، التي كانت رئيسة عملية تخطيط السياسات في وزارة الخارجية خلال أول عامين من فترة أوباما الرئاسية الأولى: «كان عليه أن يجد حلا وسطا بين عدم إلزامنا بحرب برية تستمر لعقد، واختيار عدم القيام بأي شيء». وحثته آن على التدخل على نحو أكثر قوة في الكوارث الإنسانية. كان لحذر أوباما ثمن. لذا خالفت رئاسته توقعات أكثر دول العالم؛ فقد وعد بـ«الاشتباك المباشر» مع الأعداء والخصوم الذين يناصبون أميركا العداء منذ فترة طويلة مثل كوبا وإيران وميانمار وكوريا الشمالية وفنزويلا. وكانت النتيجة واحدا من خمسة، حيث لم يرد على خطاباته ويستجيب للحوافز الاقتصادية وعرض إقامة علاقات جديدة سوى الجنرالات الذين يحكمون ميانمار.

وصرحت وزيرة الخارجية الباكستانية حنا رباني كهر، في مقابلة الأسبوع الماضي: «لا يدعو الموقف إلى الثقة. يعني الانتقال المسؤول تحقيقك أهدافك قبل أن تغادر. ولا يمكن أن تقول إنك ستغادر في يناير (كانون الثاني)، بل ستغادر عندما تحقق الأهداف».

ماذا عن المبادرات العظيمة؟

ينظر البيت الأبيض في مقترح بالحد من انتشار الأسلحة النووية لأشهر، لكن لم يتخذ الرئيس أي خطوة. ووعد أوباما ونائبه، جوزيف بايدن، بدفعة جديدة لتمرير معاهدة منع الاختبارات النووية الكبيرة، التي مُنيت بهزيمة خلال إدارة كلينتون. إنهم لم يقدموها إلى مجلس الشيوخ.

قال الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، يوم الجمعة: «لقد أكد لنا الرئيس أوباما عندما تم انتخابه أن الولايات المتحدة سوف تصدق على هذه المعاهدة. بشكل ما لم يحدث هذا». وبالنظر إلى تشكيلة مجلس الشيوخ، فمن غير المرجح أن يحدث هذا خلال الفترة الرئاسية الثانية لأوباما أيضا. لذا سيتعين على أوباما أن يجد طريقة أخرى؛ كما يقول مساعدوه، وعليه، مثل أيزنهاور، أن يعود بالسياسة الأميركية إلى المكتب البيضاوي الرئاسي بهدوء.

* خدمة «نيويورك تايمز»