انقسام المعارضة المصرية يعزز مكاسب الإسلاميين قبل الانتخابات

محمد أبو الغار: إنها لمعجزة أننا ما زلنا سويا

TT

لا تزال مجموعات المعارضة المختلفة في مصر منقسمة على ذاتها إلى الحد الذي دفع محللين ونشطاء إلى القول إنهم إزاء خطر خسارة آخر كيان كبير في عملية صناعة القرار في البلاد أمام الإسلاميين خلال الانتخابات البرلمانية المرتقبة. ودفع العداء للدستور الجديد المدعوم من الإسلاميين في البلاد بآلاف المحتجين إلى الشوارع خلال الشهر الماضي وأضر بمصداقية جماعة الإخوان المسلمين على مستوى البلاد، والذي اتضح في الأغلبية الضئيلة التي وافقت على الاستفتاء مقارنة بانتخابات سابقة اتحد الإسلاميون من أجلها كما تقول قوى المعارضة. وزادت الأزمة من تفاؤل المعارضة بأن تسنح لها فرصة عظيمة لقطع سلسلة الانتصارات الانتخابية التي حققها الإسلاميون على مدى العام الماضي كما يرى سياسيون ومحللون. ووعد تحالف غير مرجح بين الليبراليين واليساريين والعلمانيين وأنصار النظام القديم بالمشاركة بقائمة واحدة في الانتخابات البرلمانية المقبلة المزمع إجراؤها في أبريل (نيسان) من أجل تعظيم فرص فوزهم.

مع ذلك يزيد الصراع الداخلي والخلافات الفكرية وغياب التنظيم في صفوف المعارض من احتمالات فشل جهود التوحد أمام صناديق الانتخابات. ويقول المحللون إن النتيجة قد تكون المزيد من المكاسب لحزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، وحزب النور السلفي، اللذين حصلا على 72 في المائة من مقاعد البرلمان العام الماضي، والتي تعد أول انتخابات على مستوى البلاد منذ خلع الرئيس محمد حسني مبارك.

يقول محمد أبو الغار، رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، وأحد أعضاء جبهة الإنقاذ الوطني التي تشكلت الشهر الماضي لمعارضة الدستور الذي دعمه الرئيس مرسي المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين والذي تم انتخابه في يونيو (حزيران) عام 2012: «إنها لمعجزة أننا ما زلنا سويا».

وتعهدت جبهة الإنقاذ الوطني بأن تكون جبهة موحدة، لكن يبدو أن محاولات تحقيق ذلك متعثرة. وتختلف فصائل المعارضة حاليا على السياسات الاقتصادية في ظل تعمق الأزمة الاقتصادية. كذلك انقسمت بشكل كبير حول قبول أنصار النظام القديم ورجال الحزب المنحل في الانتخابات.

يقول اليساريون المصريون، الذين يعارضون محاولات الحكومة للحصول على قرض صندوق النقد الدولي الذي تبلغ قيمته 4.8 مليار دولار، إنهم لا يريدون الرأسماليين الليبراليين على قائمتهم الانتخابية. ولا يريد النشطاء الشباب الترشح إلى جانب رموز النظام القديم أو من يطلق عليهم «الفلول» مثل الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية وعضو جبهة الإنقاذ الوطني، عمرو موسى، الذي شغل منصب وزير الخارجية خلال فترة حكم مبارك.

ولا يريد حزب الوفد الليبرالي المشاركة في الدعاوى المطالبة بخوض الانتخابات بقائمة واحدة، والمشاركة في الانتخابات بقائمته الخاصة. كذلك هناك آخرون سوف يتجاهلون الانتخابات ويركزون على حشد الجموع للمشاركة في مظاهرات الأسبوع الحالي بمناسبة الذكرى السنوية للثورة المصرية. ويقول حسين عبد الغني، المتحدث باسم جبهة الإنقاذ الوطني، «أنا شخصيا أفضل التركيز على فعالية الخامس والعشرين من يناير (كانون الثاني) لأنه تبين على مدى العامين الماضيين أن لا شيء يحدث من دون حشد الجموع في الشوارع»، مشيرا إلى أن الاحتجاجات السابقة أدت إلى تغيير وزاري على الرغم من أن الانتخابات صعدت بالإسلاميين إلى سدة الحكم.

وصرح اتحاد شباب الثورة المناهض للإسلاميين في مؤتمر صحافي يوم الأحد بأنه يأمل في استغلال الاحتجاجات المقبلة لـ«إسقاط» نظام مرسي. ولا يزال هناك قدر من التوحد وراء الأبواب المغلقة، حيث حاولت الأحزاب جاهدة على مدى الأسابيع الماضية تحديد السياسات وجمع قوائم بالمرشحين على الرغم من كل الاختلافات بفضل الخطر الذي يمثله الإخوان المسلمون والسلفيون بحسب ما قال أبو الغار.

مع ذلك فإن القوة التنظيمية التي يتمتع بها الإخوان المسلمون لا تزال تمثل تحديا كبيرا. واتهمت المعارضة الإخوان المسلمين باستغلال فقر وتدين الأغلبية المسلمة من المصريين للحصول على أصواتهم. واتهمت الأحزاب الليبرالية الإسلاميين بتوزيع الزيت خلال سباق الانتخابات البرلمانية العام الماضي وحثّ قاطني دوائرهم الانتخابية على التصويت لـ«الإسلام». ومع الاستعداد للانتخابات المقبلة، يقول الإسلاميون إن المعارضة لم تتعلم كثيرا من النقد الذي وُجه إليها في السابق وما زالت بعيدة عن الناس، ويتفق معهم الكثير من الناخبين العاديين.

يقول محمد مصطفى، عامل في فندق بوسط القاهرة: «المعارضة لا تذهب إلى الانتخابات. إنهم لا ينزلون إلى الشوارع». وقال أحد المارة صائحا: «إنهم لا ينزلون ويرون الناس وهي تستجدي وتشحذ». ودشنت جماعة الإخوان المسلمين في الأسابيع القليلة الماضية مشاريع خيرية يقول عنها المحللون إنها كانت أساسية في بناء قاعدة انتخابية لهم بين الفقراء خلال السنوات القليلة الماضية. كذلك نظمت ندوات في مختلفة أنحاء البلد لتوعية المصريين بالدستور. ونظم مكتب الإخوان المسلمين في الفيوم حملة لمحو أمية للسيدات. وفي الإسكندرية، تلك المدينة الساحلية، وفرت جماعة الإخوان المسلمين تمويلا لحملة للقضاء على الفئران. ومن المشاريع الخيرية الأخرى قوافل طبية في المناطق العشوائية والريف طوال العام.

وتحاول بعض قوى المعارضة اللحاق بالركب، حيث يقول الحزب الديمقراطي الاجتماعي إنه بدأ بناء مدارس في ضواحي الجيزة، المكدسة بالسكان، والتي يحظى الإسلاميون فيها بشعبية كبير. وأرسلت حركة 6 إبريل، التي ساعدت في قيام الثورة، قوافل طبية خلال الشهر الحالي إلى بني سويف التي يلتزم مواطنوها بالنهج المحافظ.

وقال عبد الغني إن بعض السياسيين في مصر داخل التحالف قدموا وظائف ل ناخبين، وهو ما يراه محللون سياسيون إنه يشبه ما كان يفعله النظام القديم والإخوان المسلمون. كذلك اختارت بعض الأحزاب تجنب توصيف «علماني» خلال الانتخابات المقبلة، مشيرة إلى أن الإخوان المسلمين قد يستخدمون هذا الوصف ضدهم. وتساهل البعض قليلا فيمن ينطبق عليهم وصف «فلول» النظام السابق. وقال أبو الغار: «لم يرشح حزبنا في الانتخابات الماضية أي شخص من حزب مبارك المنحل، لكننا سنرشح هذه المرة أي شخص لم يلوثه الفساد».

يقول جمال سلطان، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية بالقاهرة، إن المعارضة تعلمت بعض الدروس من تجاربها المريرة في النظام الديمقراطي الناشئ والذي لا يزال بعيدا عن الشكل الصحيح للديمقراطية، لكن من غير المرجح أن تتجاوز قوى المعارضة خلافاتها قبل الانتخابات المقبلة المهمة. وأضاف: «لا تزال المبادئ الفكرية أهم من المكاسب السياسية والنفوذ السياسي بالنسبة إلى بعضهم». وإذا تمكن الإخوان المسلمون من السيطرة على البرلمان، مع سيطرتهم على الرئاسة، فسيكونون قادرين على تشكيل مصر الجديدة، ويعتقد سلطان، الذي ينتقد مرسي والإخوان كثيرا، أن الإسلاميين سوف يكسبون خلال الربيع المقبل مرة أخرى. وقال: «لا يساورني شك في ذلك، شئت أم أبيت».

* شارك كل من إنجي حسيب وشرف الحوراني في إعداد هذا التقرير

* خدمة «واشنطن بوست»