«رمزية» المخيمات تضع السلطة في حيرة من أمرها

التمرد داخل المخيمات يطل برأسه بأشكال مختلفة

TT

يرتفع دخان أسود كثيف في محيط مخيم بلاطة للاجئين الفلسطينيين شرق نابلس شمال غربي الضفة الغربية، بين الفينة والأخرى، جراء إحراق شبان صغار إطارات سيارات على مدخل المخيم في تحدٍّ جديد للسلطة الفلسطينية، واحتجاجا على عزلها مسلحين معتقلين من فتح سلموا أنفسهم لها بعد اتفاق تم قبل أيام، بينما لا يزال الغضب مشتعلا في مخيم الأمعري في رام الله، بعد يومين من اشتباكات عنيفة مع الشرطة الفلسطينية خلفت عشرات الإصابات.

وعادة لا ترى مثل هذه المشاهد في مدن الضفة أو قراها. لكن على مدار الأسبوعين كان التوتر سيد الموقف بين مخيمات نابلس وجنين ورام الله من جهة والسلطة التي تخطط الآن لمزيد من الاعتقالات من جهة أخرى، بعدما تعرض رجالها للرشق بالحجارة، وهو ما قد يؤشر إلى تصعيد أكبر. ولا يمكن القول إن المخيمات تقود أو بدأت عصيانا ضد السلطة، لكن ثمة تمردا واضحا يطل برأسه بين الفينة والأخرى، تُرجم بمسيرات مسلحة في مخيمات بلاطة وجنين، واشتباكات في الأمعري.

ولا يتركز التمرد على مظاهر مسلحة، بل على شكل رشق حجارة لرجال الأمن وإشعال إطارات وإغلاق شوارع، وحتى رفض شريحة واسعة في المخيمات دفع مبالغ طائلة مستحقة عليهم لشركات الماء والكهرباء، بعدما توصلت السلطة إلى اتفاق مع اللجان الشعبية على إسقاط الديون القديمة شريطة الالتزام بدفع الفواتير الجديدة. وتعثر تنفيذ الاتفاق جراء غضب شعبي داخل المخيمات وغضب آخر خارجها، بسبب المعاملة التفضيلية.

وتشكل المخيمات «رمزا» للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وللظلم الذي حل بالفلسطينيين نتيجة تشريدهم من أرضهم. وجعلت هذه الرمزية من التعامل مع المخيمات مسألة بالغة التعقيد.

وقال عضو المجلس الوطني الفلسطيني ومنسق الائتلاف العالمي لحق العودة تيسير نصر الله، لـ«الشرق الأوسط»: «هناك احتقان داخل المخيمات من دون شك، قد يكون في كل مكان نتيجة الحصار المالي وانسداد الأفق السياسي وتقليص خدمات غوث اللاجئين والسياسات الاقتصادية الخاطئة التي تنفذها السلطة، لكن الاحتقان يظهر في المخيمات بشكل أكبر نتيجة الحياة البائسة التي يعيشها الناس».

وأضاف: «الناس تتكاثر أضعافا داخل مساحة واحدة منذ عشرات السنين. وهناك بيوت لا تدخلها الشمس، ومناضلون وأسرى لا يجدون لقمة العيش». وأردف: «يوجد كبت وقهر».

لكن نصر الله لا يعتقد أن ذلك قد يقود على المدى المنظور إلى ظاهرة تمرد جماعي على السلطة، لذا يطالب بالتعامل مع الظواهر الحالية بجدية، وتغيير ما وصفه بـ«السياسات الخاطئة» التي قامت بها السلطة والأجهزة الأمنية. ويعتقد نصر الله أن السلطة أخطأت في تسوية ملف المطلوبين، وتعاملت معه بمعايير مزدوجة، وخلفت حالة من التعويم لهذه الظاهرة برزت الآن مع الأزمة المالية وخروج بعض الأسرى من السجن. وبدأت الخلافات بين السلطة والمخيمات في بلاطة الأسبوع الماضي، نتيجة مطالبة مطاردين سابقين باسترداد كرامتهم بعد اعتقال السلطة لهم قبل 7 شهور، وبرواتب ووظائف أفضل.

ويعترف نصر الله بأن ثمة شعورا داخل المخيمات بأنهم فوق القانون. وقال: «هناك مفاهيم خاطئة داخل المخيم، وهناك تصرفات خاطئة من السلطة ساعدت على ذلك». وأضاف: «مثلا اتفاق إعفاء المخيمات من الكهرباء عزز الأزمة المجتمعية المتعلقة بابن مخيم وابن مدينة». وتابع القول: «كثير من التصرفات وبعض المواقف عززت التقسيمات الجهوية، وهذه قد تكون مقتلنا».

وأوقعت السلطة نفسها في مشكلة من وراء تعاطيها مع هذه التقسيمات، وعندما أعفت المخيمات من الكهرباء والماء خرج متظاهرون غاضبون من البلدة القديمة، ورشقوا الأجهزة الأمنية بالحجارة باعتبارهم أحق من المخيمات، فأعفت السلطة باقي المتخلفين عن الدفع، فغضب الملتزمون به.

وينعكس هذا على تعامل السلطة مع المسائل الأمنية، فرغم الحرص على فرض القانون على كل متر يخضع لسيطرتها سواء كان مدينة أو مخيم أو قرية، تجرب السلطة في المخيمات لغة الحوار أولا، إذ تمثل رمزية المخيم إضافة إلى اكتظاظه العالي بالناس والمنازل مشكلة أمنية كبيرة، في أكثر من مرة لجأت السلطة إلى الحوار مع لجان المخيمات الشعبية من أجل تسوية أي خلافات، بعضها نجح وبعضها لا. وهذا لم يمنع السلطة من تنفيذ حملات أمنية داخل المخيمات.

وقال نصر: «السلطة في حيرة من أمرها». وأوضح أنها «تتفهم مشكلات الناس وخصوصية المخيم من جهة، وتريد فرض الهيبة والقانون من جهة ثانية». وتبدو هذه معضلة للطرفين.