جغرافيا السلاح السورية: تركيا صاحبة الحدود الأكبر.. والعراق ممر رئيسي

ضباط يتحدثون عن تضييق على التهريب للضغط على المعارضة للقبول بحلول سياسية

مسلح معارض يتنقل عبر ثغرات فتحت في جدران أبنية في ضواحي دمشق أمس (رويترز)
TT

تلقي المعارضة السورية اللوم في بعض التقدم الذي حققه جيش النظام في الآونة الأخيرة ميدانيا، إلى تناقص وارداتها من السلاح عبر الحدود، حيث تعتمد حاليا على السلاح من «المصادر الداخلية»، بعد فترة من ازدهار التهريب إلى الداخل السوري.

وفي حين تتحدث بعض المصادر عن فائض في الذخائر والأسلحة الفردية، تبقى الأسلحة النوعية هي الهم الأكبر للمعارضين، خصوصا تلك المضادة للطائرات والمضادة للدبابات الحديثة التي بدأ الجيش النظامي يشركها في المعارك. ويتهم المعارضون المجتمع الدولي بمنع السلاح عنهم لإجبارهم على القبول بتنازلات في مسألة الحوار مع النظام.

تحيط بسوريا 5 دول، منها إسرائيل التي «نأت بنفسها» عن الأزمة باعتبارها «عدوا للطرفين المتقاتلين»، فيما تتفاوت قدرة التهريب في الحدود الثلاثة الأخرى. فالأردن أقفل حدوده (نحو 375 كلم) «بشكل مثالي»، ولبنان (370 كلم) عاد ليصبح معبرا خطرا بعد أن كان موردا أساسيا. أما تركيا التي تمتلك الحدود الأكبر مع سوريا (نحو 900 كلم) فقد شكا المعارضون من أنها «تقنن» العملية منذ البداية، وزاد تقنينها إلى حد كبير مؤخرا. في المقابل يعتبر العراق (605 كلم) مصدر تموين للنظام، لكنه في الوقت نفسه يعتبر «مصدر السلاح الأول» للمعارضين.

ولا ينفي المعارضون السوريون وضباط في الجيش الحر أنّ لتهريب الأسلحة عبر المعابر الحدودية دورا مهما في الحصول على دعم عسكري، لكنهم في الوقت عينه يؤكّدون أن هذا المسار الذي كان فاعلا في أشهر الثورة الأولى عاد ليتراجع في الفترة الأخيرة عازين الأمر إلى سببين أساسيين، هما عدم حاجة الحر إلى كمية الأسلحة التي كان يحتاجها في البداية بعدما أصبح يعتمد على الغنائم التي يحصل عليها في معركته، وإلى التشدّد الأمني الذي أصبحت الدول المحيطة تلجأ إليه في محاولة للضغط على الجيش الحر وقوى المعارضة السياسية، لوضع حدّ للأزمة السورية والقبول بحلول وسط والتسويق للحلول السياسية، أو بسبب هواجس مما يقولون: إنهم إسلاميون متطرفون، بحسب تعبير ضابط في الجيش الحر، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «لكن نطمئن الجميع أنّنا لن نخضع وثورتنا ستبقى مستمرة إلى تحقيق الهدف»، مضيفا في بداية الثورة كانت سوق تهريب الأسلحة ولا سيما من «القاذف» و«أر بي جي» و«كلاشنيكوف»، ناشطة بشكل ملحوظ، حتى أنّ الأسعار كانت منخفضة إلى حد ما، إذ لم يكن يتعدّى سعر الأخير 75 ألف ليرة سوريا، أي نحو 1200 دولار أميركي، فيما اليوم وصل سعره إلى 125 ألفا.

بدوره، لم ينف نائب رئيس الأركان في الجيش الحر، عارف الحمود أن تهريب الأسلحة، هو مصدر أساسي بالنسبة إلى المعارضة، وتأتي العراق في المرتبة الأولى ومن ثم لبنان فيما يبقى الحصول عليها من تركيا والأردن شبه معدوم بسبب التضييق الأمني، وقال لـ«الشرق الأوسط» «حتى صيف عام 2012. كان اعتمادنا بشكل رئيسي على تهريب الأسلحة التي تحوّلت إلى تجارة رائجة، ويبقى الحصول على الأسلحة من العراق الأسهل والأرخص بالنسبة إلينا، وأهم هذه الأسلحة هي، بنادق كلاشنيكوف والرشاشات المتوسطة والقناصات والذخائر، أما من لبنان فحيث بات الأمر أصعب في الفترة الأخيرة، لا نزال نستعين بداعمين لنا، متعاطفين مع الثورة الشعبية السورية يسهلون لنا المهمة قدر الإمكان». ويشير الحمود إلى أن السلطات التركية، التي نعتبرها الأقرب بالنسبة إلينا، ومنذ اللحظة الأولى للثورة تمنع التهريب ويتم إحالة كل من يضبط معه أسلحة إلى التحقيق، والأمر نفسه بالنسبة إلى الأردن. وفي حين يؤكّد الحمود أن الفترة الأخيرة شهدت تراجعا فيما يتعلق بالتهريب، بسبب الغنائم التي يحصل عليها الجيش الحر من المراكز الأمنية إلا أن هذه العمليات عادت لتتحرك على اعتبار أنها الوسيلة الأسهل للحصول على العتاد، بسبب زيادة العناصر ونفاذ كميات كبيرة من الأسلحة الموجودة لدى الجيش الحر. ويعتبر الحمود أن التضييق في الفترة الأخيرة فيما يتعلّق بتهريب الأسلحة، سببه وضع المعارضة تحت الأمر الواقع، ومحاولة فرض حلول سياسية على الأرض والرضوخ لحلول غير عسكرية، مؤكدا أن الأمر لن يتحقق.

من جهته، يرى مصدر قيادي في الجيش الحر أنّ موقف الدولة السياسي يلعب دورا مهما في تسهيل تهريب الأسلحة أو عدمه، معتبرا أنّ الأردن «ينأى بنفسه إيجابيا» في الأزمة السورية نظرا إلى وقوفه إلى جانب الشعب السوري وضد النظام، فيما لبنان يتبع سياسة «النأي بالنفس السلبي»، مشيرا إلى أنّ تهريب الأسلحة عبر الحدود الأردنية لم يكن ميسرا منذ اليوم الأول للثورة، فيما الأمر كان مختلفا على الحدود اللبنانية، عبر مناطق في شمال لبنان والبقاع، لكن في الفترة الأخيرة وبعدما اتخذ قرار بانتشار القوى الأمنية اللبنانية في الجهة اللبنانية، إضافة إلى حواجز قوات النظام على الجهة السورية، مع ما يترافق مع عمليات قنص تعيق حرية الحركة، لم يعد الأمر سهلا، من دون أن يعني ذلك توقف عمليات التهريب التي يستطيع الثوار القيام بها باتباعهم معابر سرية تفي إلى حد ما بالغرض المطلوب، لا يمكن البوح بها، مضيفا: «هناك لبنانون من مختلف الطوائف يستفيدون من الأزمة السورية للتجارة في الأسلحة ويحصلون منها على مردود مالي كبير جدا»، موضحا «مع العلم أن التهريب بالنسبة إلينا هو أسهل من المناطق الشمالية، على عكس مناطق البقاع التي يسيطر عليها حزب الله الذي ينقل الأسلحة إلى النظام السوري اليوم»، مضيفا: «عندما كنا في جيش النظام كنا نقوم بأنفسنا بنقل الأسلحة والصواريخ إلى حزب الله، عبر هذه المناطق، وعندما كان يتكلّم عن عدد الصواريخ كان يعني بذلك تلك الموجودة لدى النظام السوري وليس في لبنان».

أما على الجهة التركية، حيث يسيطر الجيش الحر على معظم المعابر، وأهمها: «باب الهوا» و«باب السلام» و«تل أبيض» و«رأس العين»، كانت السلطات تسهّل في الفترة الأولى إدخال الأسلحة عن طريق الثوار، أصبحت اليوم تضيّق على هذه العمليات بشكل واضح. ويشير المصدر إلى أنّ مصادر الأسلحة التي يعتمد الجيش الحر عليها في معركته، تتوزّع على 3 مصادر رئيسية، هي التهريب والعمليات التي ينفذها الجيش الحر للاستيلاء على مراكز عسكرية، والتي سجلت نجاحا ملحوظا في الفترة الأخيرة، فيما شراء «ذمم ضباط وعناصر النظام» الذين نشتري منهم الأسلحة والذخائر نفسها التي نقتل بها، أصبحت في الفترة الأخيرة تسدّ الحاجة التي كنا نحصل عليها من التهريب، إذ هؤلاء يتخلون عن أسلحتهم، مقابل مبلغ من المال، بعد مواجهة عناصر الجيش الحر لمراكزهم، ومن ثمّ يرسلون التقارير إلى قيادتهم على أنّهم استخدموا هذه الذخيرة في مواجهة الجيش الحر. ويشير الضابط إلى أنّ الأسلحة الموجودة بين أيدي الثوار ليست جديدة، ولا سيما في الأرياف السورية حيث لم تكن سطوة الدولة كبيرة مقارنة مع المدن، وهذا ما ظهر واضحا في بداية الثورة حين نشطت عمليات البيع الداخلي.

من جهته، أكّد الشيخ بلال دقماق، رئيس جمعية «اقرأ» في لبنان، لـ«الشرق الأوسط» أنّ معابر حدودية في شمال لبنان ولا سيما عبر قرى وادي خالد، كانت تعتمد لتهريب السلاح لصالح الثوار السوريون في المرحلة الأولى للثورة، لكن في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011 حين بدأ النظام معركته في بابا عمرو والخالدية في حمص، عمد إلى فرض الحصار وإغلاق المعابر من خلال انتشار قواته على الحدود التي كانت تقصف البلدات اللبنانية، في محاولة أيضا لمنع الثوار من السيطرة على حمص، لافتا إلى أنّه اليوم عمليات التهريب هذه بدأت تتخذ وجهة مختلفة، وهي من حزب الله والعلويين في شمال لبنان إلى النظام السوري.

أما عراقيا، فقد أكد مصدر في منفذ ربيعة الحدودي لـ«الشرق الأوسط» أنه لا توجد أي أنشطة بتهريب سلاح إلى سوريا عبر المنفذ وأن الأمور مسيطر عليها تماما. وأضاف أن هناك معلومات تشير إلى أن هناك تجارة سلاح وغيرها في المناطق البعيدة عنهم في زمار وغيرها والتي تقع تحت سيطرة الأكراد وكذلك المناطق التي تضم أغلبية يزيدية على الحدود، مشيرا إلى أن بعض تلك المناطق «تشهد أنشطة لعناصر حزب العمال الكردستاني حيث يتقاضون ضريبة على مثل هذه الأنشطة بحدود 2000 ليرة سوريا عند الدخول والخروج».

أما في الأردن، فقد أكد مصدر أردني مطلع أن قوات الجيش وحرس الحدود تقوم على ضبط الحدود الأردنية السورية وتمنع عمليات التهريب سواء الأسلحة والأشخاص المسلحين بالاتجاهين.

وقال المصدر إن قوات الجيش تعمل كذلك في استقبال اللاجئين المدنيين والعسكريين الفارين من الخدمة العسكرية للنظام السوري حيث إن الأردن عمل منذ بدء الأزمة السورية على استقبال العسكريين من مختلف الرتب ووضعهم في معسكر منشية العليان في محافظة المفرق حيث بلغ عدد الفارين أكثر من ثلاثة آلاف عسكري من مختلف الرتب. وأشار المصدر إلى أن السلطات الأردنية ضبطت قبل عدة أشهر مسلحين من السلفيين الجهاديين كانوا يحاولون دخول الحدود إلى سوريا ومعهم أسلحتهم الفردية للقتال إلى جانب الثورة السورية.

وقال المصدر إن الأردن ضبط كذلك في الآونة الأخيرة مجموعة مسلحة من السوريين مع أسلحتهم قادمين من سوريا باتجاه الأردن إضافة إلى أجهزة اتصالات من أجل القيام بأعمال تخريبية داخل الأردن. يشار إلى أن الأردن يرتبط بحدود مع سوريا طولها 375 كلم متنوعة التضاريس من الصحراء إلى المناطق الجبلية والأودية الوعرة.