لبنان: هواجس «مسيحية» من تدفق اللاجئين السوريين

عون قلق من اختلال التوازن.. والجميل من «القنابل الموقوتة».. وجعجع يطالب بضبط الحدود

سورية ترتاح مع ابنها قرب نقطة عبور لبنانية وصلتها أمس هربا من العنف الدائر في بلادها
TT

يشكل ملف النازحين السوريين في لبنان عبئا على الأجهزة الرسمية المعنية، غير القادرة على إدارة هذا الملف، مع الارتفاع التدريجي لعدد الوافدين وعجزها عن تأمين احتياجاتهم الأساسية، في وقت تبدي فيه القوى السياسية اللبنانية، المسيحية والإسلامية، بشكل علني أو في الصالونات السياسية، مخاوفها من تفاقم هذه الأزمة واستمرارها بما يفوق قدرة لبنان على الاحتمال.

وفي حين تدعو قوى سياسية عدة إلى مقاربة هذا الملف من ناحية إنسانية، مطالبة باتخاذ تدابير تضبط أماكن تواجدهم وعملية دخولهم، ذهبت قوى أخرى إلى حد المطالبة بإقفال الحدود ووضع حد لحركة النزوح باتجاه لبنان، وكان أبرز هذه المواقف ما صدر عن «التيار الوطني الحر» برئاسة النائب ميشال عون، على لسان، صهره، وزير الطاقة جبران باسيل، الذي قال في 22 ديسمبر (كانون الأول) الفائت إن النازحين السوريين والفلسطينيين «بوجودهم وبعملهم وبعيشهم يأخذون مكان اللبناني».

ورغم الاعتراض الشديد الذي قوبل به كلام باسيل من المجتمع المدني اللبناني ومن قوى سياسية عدة، إلى حد اتهامه بالعنصرية، فإن تشكيلات حزبية أخرى، لا سيما المسيحية، تشارك «التيار الوطني الحر» المخاوف عينها، لكنها تعبر عنها بأسلوب مخفف وأقل حدة، علما بأن النزوح السوري يتجه إلى مناطق بمعظمها ذات غالبية سنية (الشمال تحديدا وبعض المناطق البقاعية)، وأخرى ذات طابع شيعي (بعلبك والهرمل وبعض البلدات الجنوبية).

وفي مراجعة سريعة لأبرز المواقف اللبنانية الصادرة أخيرا حول قضية النازحين، يبدو واضحا أن ملف النازحين السوريين يخلط الأوراق السياسية ويعبر عن التحالفات السياسية القائمة على الساحة اللبنانية، حيث يبدو موقفا تيار المستقبل وحزب الله متقاربين لناحية التعاطي «بإنسانية» مع هذا الملف ورفض إغلاق الحدود، فيما تتقارب مواقف الأحزاب المسيحية الكبرى لناحية «ضبط عملية دخول النازحين عبر الحدود»، والتحذير من عدم قدرة لبنان على تحمل أعبائهم إغاثيا وأمنيا. وكان لافتا وصف النائب في حزب «الكتائب اللبنانية» سامي الجميل، قبل أيام، النازحين السوريين بأنهم «قنابل موقوتة»، فيما قال رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع قبل يومين إن «مسألة النازحين تفوق طاقة وقدرة لبنان على تحملها».

وفي موازاة اعتبار النائب ميشال عون أن «الأمر ليس سوريا أو فلسطينيا، إنما الأمر هو أن كتلة بشرية كبيرة غير لبنانية ضمن المجتمع تخل بتوازناته، وحتى لو كانوا سنة مع سنة وشيعة مع شيعة ومسيحيين مع مسيحيين»، ربط البطريرك الماروني بشارة الراعي يوم الأحد الفائت، بين «استقبال النازحين من سوريا إلى لبنان» و«حماية الثقافة اللبنانية والكيان اللبناني وفقا للميثاق الوطني والدستور».

ترفض قوى مسيحية الاعتراف بربطها بين ملف النازحين ومخاوفها التاريخية من أزمة النزوح إلى لبنان، على خلفية النموذج الفلسطيني. يقول نائب رئيس حزب الكتائب سجعان قزي لـ«الشرق الأوسط» إن «المواقف من ملف النازحين لا تنطلق من هواجس مسيحية أو مسلمة في لبنان، لكننا نشعر أن لبنان هو الدولة الوحيدة المحاذية لسوريا والتي تفتح حدودها للنازحين رغم أنها الجارة الأكثر ضعفا واهتزازا، كما لو أن هناك توجيها للنزوح إلى لبنان». ولا يذهب مدير «مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية» السفير السابق عبد الله بوحبيب بعيدا عن موقف قزي، فيقول لـ«الشرق الأوسط» إن «الخوف ليس مرتبطا ببقاء اللاجئين السوريين أو إمكانية توطينهم أو عدمه، فهم سيعودون إلى سوريا ونأمل أن يحصل ذلك قريبا، لكن الخوف ينطلق من عدم قدرة لبنان اقتصاديا على استقبالهم وإغاثتهم، ما لم تأت مساعدة فوق العادة من المجتمع الدولي».

ويفند قزي مخاوف حزبه من وجود النازحين السوريين بالقول: «يتغلغل النازحون شعبيا في شمال لبنان وسياسيا في المناطق كافة، في حين أن مناطق عدة في سوريا باتت تحت هيمنة المعارضة وأخرى تحت هيمنة النظام»، متسائلا: «لماذا لا ينزح المعارضون إلى مناطق المعارضة والموالون إلى المناطق الموالية، كما حدث في لبنان طوال سنوات الحرب الأهلية؟». ويرى أنه «ما من دلائل على إمكانية عودة النازحين إلى مناطقهم فور انتهاء الصراع لأنها باتت مدمرة»، مؤكدا التخوف من «نقل النازحين حربهم الأهلية من داخل سوريا إلى أماكن وجودهم في لبنان، عدا عن قدرة النازحين على إسقاط الحدود في حال حدوث أي تغيير أو مس بالكيان في سوريا». وفي حين يعتبر قزي أن «السوريين الموجودين في لبنان هم عقائديون أو مقاتلون أو ثوار أو مواطنون بائسون، وبالتالي هم قنابل موقوتة مرشحة للانفجار في أي لحظة وتصفية الأمن اللبناني»، يستغرب بوحبيب كيف أن «لبنان هو البلد الوحيد الذي لا يزال يستقبل اللاجئين السوريين فيما أغلقت بقية الدول المجاورة لسوريا حدودها».

ويميز بوحبيب بين كلمتي نازح ولاجئ. ويقول: «لدينا لاجئون وليس نازحين، لأن النازح يتحرك ضمن بلده»، موضحا أن «الترحيب والتنويه الذي نحصل عليه من الدول الكبرى والدول العربية يقابله عدم قدرة لبنان على تأمين احتياجات 300 ألف سوري». ويقول: «هم يحتاجون إلى مساعدات ولا إمكانيات إدارية أو مالية أو سياسية في لبنان تقوى على استيعابها». ويعتبر بوحبيب، الذي شغل سابقا منصب سفير لبنان في الولايات المتحدة الأميركية، أن «المسألة باتت أكبر من لبنان، وثمة تقصير من المجتمع الدولي والدول العربية»، معربا عن اعتقاده بأن «المساعدات المادية لا ينبغي أن تأتي من خلال الدولة اللبنانية رغم الحاجة لدورها أمنيا وإداريا، ولكن من خلال المؤسسات الإقليمية أو الدولية التي تتعاطى هذه الملفات على غرار المفوضية العليا لشؤون النازحين». وفيما يرفض بوحبيب الحديث عن «خوف مسيحي» بل عن «خوف لبناني»، يرى أن «الأطراف المسيحية هي من ترفع صوتها، لأن الطرف الآخر مرتبط بطرفي الصراع وليس بإمكانه اتخاذ أي موقف». ويتابع شارحا: «الشيعة مرتبطون بالنظام السوري والسنة بالمعارضة، والطرفان رغم موافقتهما خلال إعلان بعبدا الشهير الذي ينص على النأي بالنفس، لكن أحدا منهما لا ينأى بنفسه»، لافتا إلى أن «النائب وليد جنبلاط يلمح إلى المخاوف من أزمة اللاجئين أحيانا وهو ليس مرتبطا باللعبة بين النظام السوري والمعارضة».

وفي قراءة لمواقف الأطراف اللبنانية، يقول الكاتب والمحلل السياسي قاسم قصير لـ«الشرق الأوسط» إن «ملف النازحين إنساني بامتياز، لكن للأسف ثمة مخاوف لدى بعض الجهات مرتبطة بسياقات تاريخية أو بجوانب ديموغرافية»، موضحا أن «أكثر من عبر عنها هو تيار النائب ميشال عون، سواء لناحية عدد النازحين أو الإشكالات التي يطرحها وجودهم ديموغرافيا في ظل عدم إمكانية توقع نهاية واضحة للأزمة السورية». ويشير قصير إلى أن «قسما من اللبنانيين لا سيما المسيحيين، يتخوف من تكرار النموذج الفلسطيني، حيث تحول النزوح المؤقت إلى لجوء دائم وأقيمت لهم مخيمات في مناطق عدة»، معتبرا أن «الأحزاب المسيحية في فريق 14 آذار ورغم هواجس لا تخفيها، فإنها تحاول تجاوز مخاوفها التاريخية، نظرا لتحالفها مع تيار المستقبل وعلاقاتها مع المكونات السنية في المنطقة». في المقابل، يلفت قصير إلى أن حزب الله و«حركة أمل» لم يقدما أي اعتراض على نزوح السوريين إلى لبنان، وهما يدعوان لاستيعابهم انطلاقا من التزاماتهم الإنسانية وطبيعة تحالفاتهم، وخوفا من أن يؤثر أي موقف سلبي من قبلهما على علاقاتهم مع القوى الإسلامية تحديدا.