خبراء: كندا باتت قاعدة خلفية للجهاديين الإسلاميين

من عائلة خضر ممول «القاعدة» إلى أحمد رسام مفجر الألفية وخلية «تورونتو 18»

عمر خضر الكندي أثناء محاكمته في غوانتانامو بريشة الرسامة جانيت هاملين
TT

تحولت كندا تدريجيا منذ التسعينيات إلى قاعدة خلفية للمتطرفين الإسلاميين ولا سيما الجزائريين من دون أن تكون هدفا لهم، في رأي الخبراء الذين يشيرون إلى أن أي اعتداء لم ينفذ على أراضيها. وأعلن رئيس الوزراء الجزائري عبد المالك سلال أول من أمس أن الوحدة المسلحة التي هاجمت موقع الغاز في عين أميناس (جنوب شرقي الجزائر) كانت تضم كنديين اثنين.

وقال إن الخاطفين الـ32 أعضاء في كتيبة «الموقعون بالدم» بقيادة مختار بلمختار أحد مؤسسي تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الذي انفصل عنه في أكتوبر (تشرين الأول) 2012 ليؤسس كتيبته الخاصة.

وكان الكنديان الغربيين الوحيدين في صفوف المهاجمين، غير أن ذلك لم يكن مفاجئا في كبرى المدن الكندية.

وقالت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية أمس، إن كندا تحقق في مزاعم رئيس الوزراء الجزائري حول تورط أحد مواطنيها في تنسيق الغارة الإرهابية على منشأة عين أميناس، التي أسفرت عن مقتل عشرات الرهائن الأجانب. وأوضحت الصحيفة، أن هناك اعتقادا بأن غربيين بينهم رجل أشقر أزرق العينين كان بين المسلحين الإسلاميين الذين هاجموا المنشأة الغازية الأسبوع الماضي. ويشتبه في تورط كنديين في اختطاف الرهائن، كما أن هناك تقارير تشير إلى أن رجلا يتحدث بلكنة غربية كان بين المتشددين الذين قاموا بجذب العمال بشكل مرعب من غرف نومهم أثناء أزمة الرهائن. ورأت الصحيفة أن القلق من التكوين الدولي لمنفذي عملية اختطاف الرهائن في الجزائر قد تضاعف مع تقارير واردة من سكان مدينة ديابالي في مالي مفادها أن الإسلاميين الذين اجتاحوا البلدة الأسبوع الماضي بينهم من يتحدث الإنجليزية ومسلحين مظهرهم أوروبي.

وكانت كندا منذ سنوات طويلة القاعدة الخلفية للجهاديين قبل أن تبدأ الحرب في أفغانستان مع سقوط حركة طالبان 2001. بمقتل أحمد سعيد خضر، المصري الأصل، الذي اتهم بأنه من كبار ممولي القاعدة ومعاوني أسامة بن لادن، وقد قتلته السلطات الباكستانية في أكتوبر 2003. في معركة بمنطقة وزيرستان الحدودية، أصيب فيها نجله الصبي كريم بطلق ناري في العمود الفقري. أما أخوه عمر (19 عاما) فسجن في قاعدة غوانتانامو الأميركية قبل أن يرحل إلى تورونتو العام الماضي، بتهمة قتل جندي أميركي في أفغانستان عندما كان في الخامسة عشرة من عمره. وكانت «الشرق الأوسط» اطلعت على شريط فيديو في غوانتانامو عام 2009 لعمر خضر الكندي، يظهر فيه مشاركته تحت إشراف شخص يدعى أبو هيثم اليمني وهما يصنعان القنابل والعبوات الناسفة في مضيفة بخوست. وفي الشريط يبدو شخص آخر اسمه أبو أيمن وآخر اسمه عبد الله، وهما يحفران في طريق جانبي قبل زرع العبوات الناسفة، ويعلق شخص في الشريط بقوله: «تمت العملية بحمد من الله ونعمه».

و عثرت القوات الأميركية على شريط الفيديو عند مداهمتها لأحد المنازل في خوست. وتضمن الشريط موسيقى تصويرية لأناشيد جهادية .وبدا شخص يعلق ضاحكا وهو يستخدم مروحة يدوية: «نحن الآن أمام جهاد الحر وجهاد الميدان». وكان عبد الله خضر، الابن الثاني، وهو كندي الجنسية أيضا، اعتقل في تورونتو بكندا في ديسمبر (كانون الأول) 2006 بطلب من أميركا، لاتهامه بالقيام بأنشطة إرهابية مفترضة، فيما نفي خضر أي صلة بالإرهاب، لكنه اعترف بأنه زار مع إخوته معسكرات للتدريب العسكري تابعة للقاعدة في أفغانستان، عندما كان في الثالثة عشرة من عمره. إلى ذلك، قال الإسلامي المصري الدكتور هاني السباعي ،مدير مركز المقريزي للدراسات بلندن لـ«الشرق الأوسط»: « إن الجيل الأول من المهاجرين العرب الذي استوطن في كندا كان كثير منهم أطباء ومهندسين، وعندما اندلعت الحرب السوفياتية في أفغانستان، التي دامت عشرة سنوات ( ديسمبر 1979-مايو 1988) سافرت كثير من العوائل العربية من كندا إلى باكستان، وعمل كثير منهم في مجالات الإغاثة الإسلامية. وكانت الدول الغربية تشجع على ذلك من أجل طرد المحتل الروسي لبلد إسلامي، ونشأ الجيل الثاني من أبناء الجاليات العربية في أفغانستان وباكستان وسط بيئة قاسية، وتعود وتشبع الجيل الثاني بحياة وأفكار المجاهدين الأوائل، وكانت عودتهم الثانية إلى كندا وباقي الدول الغربية، بعد انتهاء حرب أفغانستان وسقوط طالبان، بأفكار إسلامية خالصة».

من جهته ، قال ميشال جونو - كاتسويا، العميل السابق في الاستخبارات الكندية لوكالة الصحافة الفرنسية: «لدينا في مونتريال على الأخص مجموعة جزائرية مهمة تنشط منذ أكثر من عشرين عاما». وتضم كبرى مدن الكيبيك جالية كبيرة منحدرة من شمال أفريقيا وتربطها علاقات تاريخية كثيرة مع خلايا إرهابية عبر المحيط الأطلسي. وكان القاضي الفرنسي السابق المتخصص في قضايا الإرهاب، جان لوي بروغيير قال في سبتمبر (أيلول) 2011 في مقابلة أجرتها معه صحيفة «لا بريس» إن «البعض في كندا ما زالت لديه قناعات متطرفة أو قريبة من الجماعة الإسلامية المسلحة الجزائرية السابقة»، وحذر من أنه «مع بروز تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، فإن ذلك يثير مخاوف». والجماعة الإسلامية المسلحة متهمة بقتل آلاف الأشخاص في اعتداءات وقعت في الجزائر وكذلك في فرنسا خلال عقد التسعينيات. وهاجر بعض أعضائها في تلك الفترة إلى كندا.

وروى فابريس دو بياربور الصحافي في «لا بريس» قائلا: «كانوا يصلون بوضع اللجوء ويقولون إنهم هاربون من الحرب الأهلية». وأقاموا قاعدة لوجستية عرفت بـ«خلية مونتريال» تم تفكيكها في نهاية المطاف عام 1999. وأدين خمسة من أعضاء الخلية وهم من مونتريال عام 2001 في فرنسا بسبب انتمائهم إلى «عصابة روبي» التي زرعت الرعب في شمال فرنسا عام 1996. ومن أبرز أعضاء المجموعة أحمد رسام الذي اعتقلته عناصر جمارك أميركيون بالصدفة عام 1999 فيما كان يخطط لتفجير في مطار لوس أنجليس عشية حلول عام 2000. ولفت كاتسويا إلى أن هذه الأحداث وآخرها الهجوم على موقع لإنتاج الغاز في الجزائر، تذكر بأن «كندا لطالما استخدمت للتجنيد وجمع الأموال» من أجل الجهاد. وأضاف أن «كندا لطالما كانت قاعدة أكثر منها هدفا» مما يفسر كيف أن هذا البلد لم يشهد أي اعتداء إسلامي. إلا أن عدة محاولات جرت بعد 11 سبتمبر 2001 ، وكان أبرزها عام 2006 حين تم تفكيك مجموعة «تورونتو 18» التي كان عناصرها يعتزمون تنفيذ سلسلة تفجيرات تستهدف مؤسسات كندية.

غير أن الخلية لم تكن مرتبطة مباشرة بالقاعدة وأوضح دو بياربور أن معظم الذين اعتقلوا منذ 2001 بتهمة محاولة تنفيذ اعتداء كانوا عناصر معزولة تتحرك وحيدة. من جهته قال الإسلامي المصري ياسر السري مدير «المرصد الإسلامي بلندن» وهو هيئة حقوقية تهتم بأخبار الأصوليين حول العالم ، في اتصال هاتفي أجرته معه «الشرق الأوسط» إن مميزات الإقامة في كندا تتيح الحصول على الجنسية الكندية، وبجواز السفر الكندي تمكن الإسلاميون من التنقل بسهولة إلى دول كثيرة، منها أفغانستان وباكستان، كما فعل أحمد سعيد خضر، الذي انتقل مع عائلته لاحقا إلى باكستان وأفغانستان حيث عمل في مجالات الإغاثة الإسلامية قبل أن يلقي حتفه في أكتوبر 2003، في معركة بمنطقة وزيرستان الحدودية. وأضاف: «إنهم بصورة عامة من المهاجرين أو ينحدرون من مهاجرين ويحملون جنسيتين وقد استفادوا من تسهيلات السفر التي يتيحها جواز السفر الكندي للانتقال إلى أفغانستان والصومال.