ألمانيا وفرنسا تحييان ذكرى مصالحتهما التاريخية بمبادرات خجولة

الجانبان يعدان بمقترحات مشتركة لأزمة اليورو.. وبرلين تتعهد بدعم العملية العسكرية في مالي

هولاند (يسار) وميركل ينظران إلى القبة الزجاجية خلال الجلسة المشتركة لأعضاء برلماني البلدين في برلين أمس بمناسبة إحياء الذكرى الـ50 لمصالحتهما التاريخية (أ.ب)
TT

على عكس برودة الطقس في برلين وانخفاض الحرارة إلى ما دون الصفر، اتسم الاحتفال الفرنسي - الألماني بالذكرى الخمسين للمصالحة التاريخية بين البلدين (اتفاقية الإليزيه) بشيء من الدفء، لكن دون حماس كبير.

وواقع الحال أن البرد كتم صوت بعض الآلات الموسيقية، أثناء حفل الاستقبال الرسمي للرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في القصر الرئاسي الألماني، لكن قبل ذلك، كان العناق حارا بين هولاند والمستشارة أنجيلا ميركل، أثناء لقائهما في السفارة الفرنسية قرب بوابة براندبورغ، وربما أرادا بذلك تفنيد ما يقال عن برود في علاقات البلدين خلال فترة حكم ميركل.

بدأت المراسم باستقبال رسمي أجراه هولاند، الذي كان وصل برلين الليلة قبل الماضية، للمستشارة ميركل في مبنى سفارة فرنسا في قلب العاصمة التاريخية، صباح أمس، وتلاه استقبال رسمي أجراه الرئيس الألماني يواخيم غاوك لنظيره الفرنسي في «قصر بيلفو» الرئاسي. وتضمن برنامج الاحتفال عقد اجتماع مشترك لأعضاء برلماني البلدين، حضره هولاند وميركل، وإصدار تصريح مشترك عن البرلمانين. وكان المئات من الوزراء والنواب البرلمانيين الفرنسيين قد وصلوا إلى العاصمة الألمانية تباعا في الأيام السابقة.

احتفل البلدان أمس بالذكرى الخمسين لمصالحتهما من دون صدور إعلان عملي، وإنما بكثير من الاحتفالية، سعيا لحجب التباين بينهما في المواقف، ولا سيما حيال أزمة اليورو ومالي.

وفي المؤتمر المشترك الذي حضره هولاند وميركل، أكد الجانبان رغبتهما في تعميق العلاقات بين البلدين. وركزا، فضلا عن التعاون السياسي والاقتصادي والأمني، على التعاون في مجال حماية البيئة، وفي مجال إنتاج الطاقة البديلة.

وفي تطرقهما لمعالجة أزمة اليورو، أعلن الجانبان عن جملة اقتراحات تهدف لتقوية العملة الأوروبية المشتركة، ستقدم إلى مجلس الاتحاد في مايو (أيار) المقبل.

ودعت ميركل إلى تقديم المبادرات على مستوى تحسين سوق العمل الأوروبي، معتبرة أن ذلك يجب أن لا يشمل العلاقات التاريخية الاقتصادية فحسب، وإنما أن يأخذ بعين الاعتبار مستقبل أجيال الشباب من البلدين. وهو ما اتفق معه الرئيس هولاند الذي تحدث عن زيادة الميزانية المشتركة لتعزيز العمل بين الشباب، بين البلدين، بمبلغ إضافي قدره مليونا يورو. كما تقرر افتتاح مركز على حدود البلدين، يتولى متابعة قضايا العمل والتدريب المهني للشباب من البلدين.

ووعدت ميركل أيضا بمواصلة التعاون العسكري والأمني، وخصوصا في مجال مكافحة الإرهاب. وأكدت ميركل لنظيرها الفرنسي دعم ألمانيا لفرنسا في عملياتها العسكرية الجارية في مالي، إلا أنها لم تدل بتفاصيل حول هذا الدعم.

وكان برلمانيون ألمان، من الحكومة والمعارضة، قد عبروا عن أملهم في تقديم الدعم التقني واللوجيستي للعمليات في مالي، بل إنهم أكدوا عدم اعتراضهم على إرسال قوات ألمانية إلى مالي دعما للقوات الفرنسية.

خاطبت ميركل الرئيس الفرنسي بمفرده «أنت» خلال اللقاء المشترك في دائرتها، كما عبرت عن رغبتها في تعلم اللغة الفرنسية. وربما حاولت المستشارة بهذه «اللمسات» الفرنسية أن تنفي عن نفسها تهمة إهمال العلاقات مع فرنسا خلال فترة حكمها، وهو اتهام غير مباشر كان وجهه لها عرابها المستشار الأسبق، هيلموت كول، في مقابلة صحافية.

ومعروف أن العلاقات الفرنسية - الألمانية اعتمدت، إلى هذا الحد أو ذاك، على صحة «التفاعل الكيماوي» (كما يقول الألمان) بين الرئيس الفرنسي والمستشار الألماني.

وشهدت العلاقات بين البلدين أفضل فتراتها خلال الصداقة التي جمعت بين هيلموت كول وفرنسوا ميتران، تلتها فترة تفاعلات كيماوية ضعيفة خلال فترة حكم المستشار غيرهارد شرودر، الذي كان يفضل التعاون مع صديقه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ثم جاءت فترة حكم ميركل التي وجدت ضالتها في العلاقة مع الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن.

وفي المؤتمر الصحافي المشترك لميركل وهولاند ببرلين، سأل أحد الصحافيين الفرنسيين هولاند عما إذا كانت العلاقة مع ميركل ستستمر على برودتها كما كانت في عهد ساركوزي، فأجاب هولاند: «التفاعل الكيماوي صحيح».

وصرح السينمائي الألماني فيم فيندرز أن بين فرنسا وألمانيا «نوعا من اللامبالاة، لكن هذا لا يفاجئني بعد زواج من 50 عاما»، مشيرا إلى أنه «ابن هذه الصداقة ولو أنها كانت أكثر إثارة في شبابي، فسيارتي الأولى كانت (رينو دوشوفو) ودراساتي أجريتها في باريس».

وكصدى لتصريح مخرج «أجنحة الرغبة» لم يبد حيز من الصحافة الألمانية والفرنسية اهتماما بالحدث. واكتفت صحيفة «بيلد» الأكثر انتشارا في ألمانيا وأوروبا بخبر في الصفحة الثانية سردت فيها أسماء الوزراء الألمان الذين يتكلمون بالفرنسية. تحت عنوان «أصدقاء غرباء» أوضحت صحيفة «برلينر زايتونغ» أن 85 في المائة من الألمان و72 في المائة من الفرنسيين لديهم صورة إيجابية عن جارتهم. وكتبت «الطاغي لدى الألمان هو التعاطف (مع الجارة الفرنسية) ولدى الفرنسيين الاحترام. لقد أصبحوا أصدقاء غرباء كل للآخر». وفي فرنسا خصصت صحيفة «ليبراسيون» صفحتها الأولى للعيد الخمسين للتحدث عن «باريس - برلين، ثنائي بلا شغف». وتحدثت صحيفة «لومانيتيه» كذلك عن ألمانيا للتنديد بـ«نموذج متداع»، فيما ذكرت «لوفيغارو» و«لوباريزيان» الموضوع في صفحات داخلية.