ارتفاع وتيرة الجدل بين علماء موريتانيا بخصوص الحرب في مالي

الكاتب والمؤرخ الخليل النحوي: الصراع لن يحل بالقوة.. وهناك معركة أساسية لا تكسب إلا في القلوب والعقول

TT

ارتفعت وتيرة الجدل في موريتانيا منذ اندلاع الحرب في جارتها الشرقية مالي، ليصل هذا الجدل إلى الأوساط الفقهية والدعوية؛ حيث دعا الشيخ محمد الحسن ولد الددو، رئيس جمعية المستقبل للدعوة والثقافة والتعليم في موريتانيا، إلى تغليب مبدأ الحوار بين أطراف الأزمة في مالي، وتفعيل مبادرة سابقة للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين للتوسط بين الأطراف المتنازعة.

وقال الشيخ الددو أول من أمس، خلال افتتاح ندوة في نواكشوط نظمها التجمع الثقافي الإسلامي في موريتانيا، إن «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين سعى إلى حل الأزمة وفتح باب الحوار بين الأطراف المتنازعة في مالي، وأعد مبادرة في ذلك المنحى قبل أن تفاجئه الحرب في وقت غير مناسب».

وكان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين برئاسة الشيخ يوسف القرضاوي، قد أصدر يوم الخميس الماضي بيانا ندد فيه بالعملية العسكرية التي تقوم بها فرنسا في مالي، معربا عن استعداده للوساطة بين أطراف الأزمة المالية، منتقدا في نفس السياق «تسرع فرنسا بإشعال نار الحرب قبل استنفاد جميع الوسائل المطلوبة للحل السلمي والمصالحة الوطنية من خلال التفاهم والحوار الذي يعتبر الحل الوحيد للمشكلة في مالي»، وأكد الاتحاد العالمي أن «هذا الحل لا يزال ممكنا ومتاحا إذا صدقت النيات واستبعدت الأجندات الأجنبية عنها».

وفي هذه الأثناء أجمع عشرات العلماء والأئمة الذين شاركوا في الندوة على ضرورة الحوار للخروج من الأزمة في مالي، بينما جرت نقاشات تحت عنوان «تفعيل دور العلماء في حقن الدماء ونشر قيم السلم والسلام»، وشاركت في الندوة وفود من مالي والمغرب والجزائر ومصر ولبنان وتركيا والسنغال وغينيا وجنوب أفريقيا وغانا، إضافة إلى حضور رسمي موريتاني تمثل في وزير التوجيه الإسلامي والتعليم الأصلي، أحمد ولد النيني.

وفي كلمته أمام هذه الوفود اعتبر الشيخ ولد الددو أنه «لا مناص من فتح باب الحوار بين الأطراف المتنازعة، ودعم خيار السلم والحوار والوساطة التي يسعى لها المجلس الإسلامي الأعلى في باماكو»، مشيدا في نفس السياق بالمواقف المحجمة عن المشاركة في الحرب، مؤكدا أنه «على كل بلد حماية حدوده وعدم الانجرار إلى الحرب خصوصا على المسلمين، وتحت راية غير إسلامية»، على حد تعبيره.

وفي نفس السياق قال محمد المختار ولد أباه، رئيس جامعة شنقيط العصرية، إن «الدول المجاورة لمالي، خاصة موريتانيا، يجب عليها أن تستقبل اللاجئين إليها، وأن تحمي حدودها ولا تتجاوزها»، مشيرا إلى أن «هذه النقاط الثلاث تلخص الموقف الذي لا يمكن لأحد أن يلام عليه».

وعن السبل الكفيلة بإخراج مالي من الأزمة التي تفاقمت منذ اندلاع الحرب، قال الخليل النحوي، الكاتب والمؤرخ الموريتاني لـ«الشرق الأوسط» على هامش الندوة، إنه «من الراجح أن الصراع حتى وإن أدى بالجيش الفرنسي والجيوش النظامية الحليفة إلى كسب معركة أو معارك معينة على الأرض فإنه لن يحل بالقوة العسكرية، فهناك معركة أساسية لا تكسب إلا في القلوب والعقول والمواقف الذهنية».

وأضاف النحوي: أن «هذه المعركة ستتطلب العودة إلى الحوار، بعد إضاعة الوقت وهدر الدماء وتبذير الموارد وتهديم المنشآت؛ فمنطق العقل والحكمة يقتضي أن نبدأ بالحوار الذي قد نضطر إلى الانتهاء إليه إن نحن لم نبدأ به».

وبخصوص طبيعة هذا الحوار، قال النحوي، إنه «يعتقد أن هنالك حلقة مفقودة لم يهتم بها الساسة والعسكريون ورجال الأمن حتى الآن، وهي حلقة الحوار بمنطق الطرف المقابل، وعلى هدى من منطلقاته. فإذا كان من بسطوا سلطانهم على ثلاثة أرباع مالي يرون أنهم إنما يفعلون ذلك باسم الدين، فلماذا لا يجدون من يحاورهم، بعيدا عن الأجندات السياسية، من المنطلق ذاته، ويحاور معهم السلطات لعل تحرير المفاهيم وتحقيق المناط في مسألة الشريعة وما يتصل بها يحمل هذا الطرف أو ذاك على مراجعة مواقفه أو يوجد أرضية لقاء مشتركة».

وبرر النحوي موقف البعض من الحرب واعتبارهم لها «حربا صليبية»؛ حيث قال: «إذا لم يقبل الساسة والعسكريون أن يتركوا فرصة لمعركة ناعمة تستهدف الإقناع بأدواته المناسبة، طالما كان ذلك ممكنا، فسيكون من حق كثيرين أن ينظروا إلى هذه الحرب باعتبارها حربا استعمارية صليبية أخرى».

وكان 39 عالما وداعية وإماما من التيار السلفي في موريتانيا قد أصدروا بيانا في الأيام الأولى من الحرب، اعتبروا فيه أن الهدف من العملية العسكرية الفرنسية هو «احتلال» شمال مالي، مؤكدين أنه «يجب على المسلمين، – خصوصا في موريتانيا، معرفة واجباتهم، وتحمل مسؤولياتهم تجاه تلك الأرض وساكنيها».