الأردن: نسبة المشاركة في الانتخابات تفوق التوقعات رغم تشكيك المعارضة

46 حادثة أمنية وخروقات متعددة للعملية الانتخابية * النسور يؤكد أن الأداء الانتخابي لم يبلغ درجة الكمال

ناخب أردني يضع أصبعه في محبرة لتأكيد إدلائه بصوته في الانتخابات أمس (أ.ب)
TT

انتهت حمى انتخابات مجلس النواب الأردني السابع عشر، التي بلغت نسبة المشاركة العامة فيها 56.5%، حسب ما أعلنتها الهيئة المستقلة للانتخابات، وذلك قبل أن تضطر إلى تمديدها ساعة إضافية نظرا للإقبال الشديد، وسط تشكيك أحزاب المعارضة، وعلى رأسها «جبهة العمل الإسلامي»، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، في مدى سلامة العملية الانتخابية برمتها.

وكانت أرقام المشاركة في الانتخابات قد تضاربت بين تقديرات الجهات الحكومية، والهيئات المراقبة المستقلة التي نشرت عددا من مراقبيها في مراكز الاقتراع، مع إعلان هذه الجهات، في مقدمتها «المركز الوطني لحقوق الإنسان»، وجود مخالفات شهدتها عمليات الاقتراع، من بينها عمليات شراء الأصوات ولكنها غير ممنهجة.

وقال رئيس الوزراء الأردني، عبد الله النسور، إن «مقاطعة الانتخابات النيابية ليست السبيل الديمقراطي السليم، وإن الانتخابات واجب لا يقاطع»، في إشارة إلى أحزاب المعارضة المقاطعة للانتخابات، وأكبرها حزب «جبهة العمل الإسلامي». وأضاف النسور في مؤتمر صحافي عقده أمس: «إن كان ثمة عزوف عن المشاركة في الانتخابات النيابية الحالية، فسببه يعود إلى عدم قناعة المواطنين الأردنيين بالانتخابات والمجالس النيابية السابقة»، مشيرا إلى أن ما يحفز الناس على المشاركة هو الانتخابات النزيهة والأداء المميز لمجلس النواب.

وأكد النسور قناعته بأن الأردن قادر على أن يعطي نموذجا راقيا يحتذى به في العالم العربي، وذلك من خلال انتخابات نيابية نظيفة وبرلمان وحكومة قويين، معتبرا أن الكرة الآن في ملعب المواطن الأردني. ورأى النسور أن نزاهة الانتخابات لا تأتي من الحكومة وأجهزتها وهيئتها المستقلة وحدها، بل تأتي من المرشح والناخب والإعلامي ومن منظمات المجتمع المدني، معترفا بأن «الأداء الانتخابي هذه المرة لم يبلغ درجة الكمال.. ولكن الحكومة والهيئة المستقلة تصدت لكل حالة فساد استطاعت أن تصل إليها وتصلح أن تقدم للقضاء، لأن الأساس ليس الانتقاء، ولكن الأساس توافر الدليل والحجة التي يقبلها القاضي».

وأضاف النسور: «إن الأردن.. هذا البلد الصغير، يمكن أن يعطي النموذج الأرقى والأحسن في العالم العربي في الانتخابات الحرة النزيهة.. والكرة الآن في معلب الأردنيين لإعطاء هذا النموذج في أن نجري انتخابات نظيفة تأتي ببرلمان وحكومة قويين بتوافق أردني وبسلام، وليس بالتدمير والاغتيال ولا بالدخان والصواريخ.. بل بورقة الاقتراع وبكلمة الشعب»، على حد تعبيره. وقال: «إن العالم العربي متعطش لرؤية نموذج ناجح في العالم العربي، ودعونا نعمل لأن يعطي الأردن نموذجا في هذا الصدد»، مؤكدا أن القيادة الأردنية منفتحة ومستنيرة ولم تمل أو تفرض أي شيء على الشعب الأردني.

من جانبه، شكك حزب «جبهة العمل الإسلامي» مسبقا في نتائج الانتخابات التي تشهدها البلاد، إذ تحدث في بيان له عن خطة بديلة تهدف لزيادة نسبة الاقتراع، مع التلميح إلى أنها خطة تتضمن السماح للعسكر بالتصويت. وقال الحزب إن غرفة العمليات التابعة لها رصدت الكثير من المخالفات الإجرائية، التي تظهر أن الانتخابات لم تكن نزيهة كما تقول السلطات، مشيرا إلى أن النسبة لم تتعد الـ17% حتى الساعة الثالثة عصرا. ووصف الحزب الانتخابات بأنها مسرحية وانتهت بعملية فشل إجرائية كاملة، معتبرا الأرقام الرسمية المعلنة عن نسبة الاقتراع غير صحيحة وأن الإقبال كان ضعيفا للغاية.

وأكد الناطق الإعلامي باسم للهيئة المشرفة على الانتخاب، حسين بني هاني، أن «نسبة الاقتراع بلغت 53% حتى الساعة 7 مساء، إذ أدلى مليون و204 آلاف ناخب تقريبا بأصواتهم من أصل 2.27 مليون يحق لهم التصويت». وقال: «إن أعلى نسبة كانت في دائرة بدو الشمال بنسبة 73%، وأقل نسبة في العاصمة عمان 40%». وأشار بني هاني إلى أن الهيئة وردها شكاوى من اكتظاظ الناخبين في جرش وعجلون الزرقاء والبلقاء والأغوار الشمالية والكرك، مضيفا: «نحن ندرك أن الناخبين يزدادون في الساعات الأخيرة للاقتراع ويبدأ الاكتظاظ». ولفت إلى أنه «لدينا الصلاحية بالتمديد وهذا عائد إلى قرار مجلس المفوضين، وإذا وردنا من اللجان أن هناك اكتظاظا من قبل الناخبين لممارسة حقهم، فسينظر في ذلك في حينه».

وأضاف: «لدينا شكاوى من المراقبين ونتابع ملاحظاتهم، ويتم تصويب ما يمكن تصويبه». وكشف بني هاني محاولة تزوير قائلا إن «هناك ناخبا ادعى أنه مصور وضبط وهو يصور ورقة الاقتراع، وتمت إحالته للمدعي العام وتوقيفه، ثم بعد ذلك تم تكفيله».

في غضون ذلك، برز موقف الاتحاد الأوروبي، الذي يراقب الانتخابات في الأردن، في الاتجاه المعاكس والمناكف للحكومة، فقد اعتبر رئيس بعثة الاتحاد، ديفيد مارتن، أن الإقبال على صناديق الاقتراع كان ضعيفا حتى ظهر أمس، خلافا لما أعلنه رئيس الحكومة من وجود إقبال كبير.

وشارك في مراقبة الانتخابات نحو سبعة آلاف مراقب أجنبي ومحلي، ولم تحصل حتى الساعة الواحدة ظهرا أحداث أمنية يمكن أن تشكل خللا ظاهرا، بينما لم تعلق السلطات على ما ذكرته فضائية «اليرموك» التابعة للإخوان المسلمين من حصول حادثة إطلاق نار في مدينة معان (جنوب البلاد) على خلفية خلافات عشائرية لها علاقة بالانتخابات.

وبينت غرفة المتابعة والرصد الرئيسية، التابعة لـ«الحركة الإسلامية»، أن نسبة الاقتراع التي أعلنتها الحكومة غير حقيقية، مشيرة إلى أن نسبة الاقتراع في عمان وإربد والزرقاء حتى الساعة 3 مساء لا تتجاوز 12%، و25% باقي المحافظات، بينما تصل النسبة الإجمالية على مستوى الوطن 16.7%.

وقالت في تصريح صحافي أمس، إن معلومات وردت للحركة عن استخدام الأجهزة الأمنية وبعض الدوائر الرسمية لخطة بديلة لمعالجة الفشل الكامل للعملية الانتخابية وزيادة نسبة الاقتراع. وأوضحت أنها رصدت مخالفات بالجملة في معظم المراكز الانتخابية، يتمثل في الشراء العلني للأصوات، والتصويت العلني الواسع، وعدم توافر الحبر السري وسهولة إزالته، والدعاية الانتخابية أمام مراكز الاقتراع، وتعطل شبكة الإنترنت، وكسر أقفال بعض الصناديق، ووقوع بعض المشاجرات والتوترات، وإطلاق الأعيرة النارية وإصابة بعض المواطنين، إضافة إلى وجود بطاقات انتخابية مزورة ودون اتخاذ أي إجراء بحقهم. وأضافت أنها لاحظت إقبالا ضعيفا جدا على الانتخابات، تمثل ذلك في الضعف الواضح في التوجه إلى صناديق الاقتراع، وغياب التحرك الشعبي المرافق عادة لأي انتخابات.

وقال عضو المكتب التنفيذي في «التحالف المدني لرصد الانتخابات النيابية»، سامي المعايطة، إنه منع نحو 6.5%% من المواطنين من حقهم بالتصويت، نتيجة لعدم وجود أسمائهم في السجلات الانتخابية، أو عدم إحضارهم لبطاقة الأحوال المدنية، أو بطاقة الانتخاب. وكشف التحالف خلال المؤتمر الصحافي الذي عقد قبل قليل عن عمليات لشراء الأصوات بطريقة علنية في لواء الهاشمية بمحافظة الزرقاء، فضلا عن قيام أحد رؤساء اللجان بالتدخل لصالح أحد المرشحين في لواء بني كنانة بمحافظة إربد، إذ لم تكمل إحدى السيدات عملية اقتراعها، فعمد الرئيس إلى وضع ورقة اقتراعها في الصندوق.

من جانبه، قال مدير الأمن العام، الفريق حسين المجالي، إن الانتخابات شهدت 46 حادثا، منها 12 حالة إطلاق أعيرة نارية، و7 مشاجرات، وأربع حالات لإغلاق الطرق، وثلاث حالات أعمال تخريبية، و6 حالات اعتراض لناخبين.

وكان رئيس الدائرة الانتخابية الرابعة بالعاصمة عمان، علي الماضي، قد أحال اليوم شكوى عدد من مرشحي الدائرة وجود تداول للمال السياسي في منطقة القويسمة (جنوب عمان) إلى الأجهزة الأمنية المختصة.

ووفقا للهيئة المستقلة المشرفة على الانتخاب، فإن هناك نحو 2.27 مليون أردني من المسجلين في السجلات النهائية للدوائر الانتخابية في المملكة من أصل 3.1 مليون يحق لهم التصويت.

ويتنافس في هذه الانتخابات، 606 مرشحين للدوائر المحلية، و819 مرشحا يمثلون 61 قائمة، منها 17 قائمة حزبية للأحزاب الوسطية واليسارية، تحت إشراف الهيئة المستقلة للانتخاب للمرة الأولى في تاريخ الانتخابات الأردنية، التي تم تشكيلها لهذه الغاية بموجب تعديل الدستور الأردني، وتتمتع بشخصية اعتبارية واستقلال مالي وإداري.

وتم التصويت في 1484 مركز اقتراع، تضم 4069 صندوقا في 45 دائرة انتخابية بجميع أنحاء البلاد، ومن المقرر أن تصدر النتائج النهائية لعمليات الفرز اليوم الخميس.