الحرب تمنع مزارعي سوريا من استثمار أراضيهم.. والأمم المتحدة: الزراعة تتراجع 50%

خبير اقتصادي: دعم حلفاء النظام حال دون الانهيار التام

سوري يعمل في أحد الأفرن حيث باتت هذه المادة شحيحة نتيجة تناقص المحاصيل الزراعية والأوضاع المنية
TT

حالت العمليات العسكرية في منطقة سهل حوران دون وصول المزارع سليم (من ريف درعا) إلى أراضيه. كان ينظر إلى المطر المنهمر على أرضه بحسرة، إذ «لا يمكن حراثتها تحت القصف»، وانقضى موسم الحراثة هذا العام، فيما بقي بذار الحنطة موضبا في أكياسه في المستودع.

هذا الحال، يتشارك فيه سليم مع معظم المزارعين الذين يمتلكون أراضي زراعية في سهل حوران (جنوب سوريا) الذي يوفر، بحسب التقديرات، نحو 20% من إنتاج سوريا من الحبوب. ويستثمر مزارعون من درعا وريفها ومحافظة السويداء مساحات شاسعة من أراضي السهل، غير أن العمليات العسكرية التي تصاعدت العام الماضي في المنطقة، أبقت السهل بورا، بعدما منعت المزارعين من الوصول إلى أراضيهم.

ويكشف سليم الذي نزح إلى لبنان مع عائلته، ويمتلك نحو 27 هكتارا من الأراضي المعدة لزراعة الحنطة والمزروعة بالزيتون في سهل حوران، أن حاله «تشبه حال كثيرين من المزارعين الذين غادروا البلاد باتجاه الأردن ولبنان». يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «القسم الأكبر من المزارعين والعمال الزراعيين، تركوا أرضهم وركام منازلهم، فلم يبقَ في المنطقة أيد عاملة، ولا مالكو أراض، إلا من تعذّر عليه السفر». أما «الصامدون فيما تبقى من منازلهم»، فيعجزون، بحسب سليم، عن الوصول إلى الأرياف بسبب العمليات الحربية. يقول: «لا تخلو منطقة ريفية من تواجد عسكري، سواء للنظام أم المعارضة، وبالتالي، تتعرض تلك المناطق لقصف مستمر، يومي، ما يمنع وصول المزارعين إليها». أما الزيتون: «فبقي هذا العام دون قطاف، بسبب غياب اليد العاملة وغياب الأمن في الحقول»، لافتا إلى أن «عددا من أصدقائه في القرية هذا العام، نزلوا إلى الحقل لقطاف مؤونتهم، فسقطت قذيفة إلى جانبهم، ما دفعهم للهرب». وأمام هذا الواقع، قرر سليم تغيير مهنته في لبنان، فبدأ منذ 6 أشهر يعمل في الإنتاج التلفزيوني معتمدا على «خميرة مالية» جمعها خلال السنوات الماضية قبل الأزمة.

وينسحب هذا الواقع على محافظات سوريا أخرى عُرفت بقدرتها على الإنتاج الزراعي، مثل دير الزور وسهل الغاب في حماه، فضلا عن بعض مناطق ريف حلب الزراعية، ما أثر سلبا على إنتاج سوريا الزراعي العام الماضي. وأعلنت «منظّمة الأغذية والزراعة» (فاو) التابعة للأمم المتّحدة أمس، أنّ إنتاج القطاع الزراعي السوري تراجع إلى النصف بسبب النزاع المستمر منذ 22 شهرا، داعية إلى «مساعدات عاجلة» في هذا المجال للمناطق الريفية. وأشارت المنظمة الدولية إلى أنّ تراجع الإنتاج الزراعي إلى النصف تقريبا ألحق «دمارا هائلا بنظم الري وغيرها من مرافق البنى التحتيّة».

وأشار فريق البعثة إلى هبوط إنتاج الشعير والقمح من أكثر من أربعة ملايين طن في السنوات الطبيعيّة إلى أقل من مليوني طن في السنة الماضية، مشيرا إلى أنّ «45% فقط من المزارعين تمكنوا من حصاد محاصيل الحبوب بالكامل»، بينما عجز 14% عن الحصد كليا «بسبب انعدام الأمن وشح الوقود».

وتؤكد مصادر سوريا لـ«الشرق الأوسط»، أن التراجع في الإنتاج الزراعي «تختلف أسبابه من منطقة إلى أخرى»، مشيرة إلى أن الواقع في درعا، يختلف عما هو عليه في دير الزور وسهل الغاب وريف حلب: «حيث يعاني أهالي الشمال من نقص الوقود وانعدام فرصة تصدير المنتجات وغياب الدعم الحكومي بعدما سقطت معظم المنطقة بيد المعارضة». أما منطقة دير الزور «فتعاني من الشح باليد العاملة، وتواصل العمليات العسكرية في الأرياف». وفي سهل الغاب: «يغيب الوقود، وتتعرض المنطقة لقصف مدفعي متواصل، ما يحول دون وصول العمال إلى أراضيهم»، بينما «يعاني أهالي درعا من غياب اليد العاملة، واشتعال الأرياف بالحرب».

ويعد القطن والحنطة من أهم مصادر الإنتاج الزراعي السوري، إذ «بلغ إنتاج القمح السوري في عام 2009. قبل اشتعال الأزمة، 2.7 مليون طن، بينما تشير التقديرات إلى أن الإنتاج سيقل بنسبة 40% في عام 2013».

ويأتي تقرير منظمة الفاو غداة رفع السلطات السورية أسعار مواد أساسية هي البنزين والقمح والطحين بعد أيام من زيادتها سعر المازوت في ظل أزمة معيشية خانقة تعيشها البلاد، حيث رفعت سعر الطحين والدقيق نحو 25 دولارا للطن الواحد، كما رفعت سعر البنزين ما نسبته 9%.

وتشير تلك الأرقام والإجراءات إلى أن الاقتصاد السوري «يشهد وضعا مترديا، حال حلفاؤه السياسيون دون انهياره التام»، بحسب الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان. ويوضح أبو سليمان لـ«الشرق الأوسط» أن تلك الإجراءات والأرقام «هي مؤشر على تردي الاقتصاد السوري بسبب انعدام فرصة التصدير، باستثناء التصدير إلى العراق وإيران، وتدهور العملة السورية إلى مستوى 90 إلى 100%»، مشيرا إلى أن «ودائع حلفائه في مصرفه المركزي، ودعم إيران له بقرض 200 مليار دولار، منع الانهيار الاقتصادي التام».

ويلفت أبو سليمان إلى أن «الاقتصاد السوري يتنوع بين الصناعة والزراعة والسياحة»، مشيرا إلى أن «الحرب تركت انعكاسات اقتصادية على القطاع الزراعي من خلال الضرر المباشر المرتبط بتضرر الحقول والبنى التحتية الزراعية بسبب العمليات العسكرية والاستيلاء على بعض الحقول». ويضيف: «أما الانعكاسات غير المباشرة على القطاع، فتتمثل بتدني قيمة الليرة السورية، وارتفاع الفاتورة النفطية التي تعتبر ركيزة العمل الزراعي، وتراجع حركة التصدير بسبب الحظر الاقتصادي الدولي على دمشق».