فرنسا تسعى إلى دعم الائتلاف الوطني وتحذيرات من مخاطر انفراطه

لأنها ترى أن «استطالة الحرب تخدم الأسد وإيران والجهاديين»

TT

تستضيف باريس يوم الاثنين المقبل اجتماع عمل لدعم الائتلاف الوطني السوري المعارض، ينتظر أن يحضره قادة الائتلاف وممثلو نحو 50 دولة ومنظمة إقليمية ودولية، منها (الأمم المتحدة، الجامعة العربية، الاتحاد الأوروبي..». وتتشكل الدول المشاركة، إلى جانب بلدان الاتحاد الأوروبي الـ27، من بلدان الخليج الستة وعدد من البلدان العربية منها مصر والأردن وتونس والمغرب، إضافة إلى الولايات المتحدة الأميركية وكندا وتركيا واليابان وغيرها.

وتريد باريس أن تدرج اجتماع الاثنين كتتمة لمؤتمر مراكش لأصداقاء الشعب السوري الذي عقد في 12 ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وشهد الاجتماع المذكور اعتراف ما لا يقل عن 100 دولة بالائتلاف «ممثلا شرعيا» للشعب السوري، كما أن مراكش أفرزت «التزامات» سياسية ومادية إزاء الائتلاف. وغرض فرنسا، وفق ما أعلنته وزارة الخارجية، هو «وضع التزامات مراكش موضع التنفيذ».

وقالت مصادر فرنسية إن اجتماع باريس الذي يفتتحه وزير الخارجية لوران فابيوس يأتي، من جهة، على خلفية «الفشل» الذي منيت به مهمة المبعوث العربي - الدولي الأخضر الإبراهيمي في بلورة تحرك سياسي مقبول من الجهات المتصارعة ومن القوى التي تدعمها إقليميا ودوليا، ومن جهة أخرى وسط «مراوحة» الوضع الميداني مكانه بين كر وفر وعدم تمكن أي طرف حتى الآن من تسجيل «نقاط حاسمة». ولذا، وإضافة إلى المساعدات التي يتعين تقديمها للمعارضة السورية فإن السؤال الذي يواجه المؤتمرين يمكن اختصاره كالتالي: ما هي «المفاتيح» التي يمكن تشغيلها لإحداث تغير حقيقي وجدي في «صيرورة» النزاع كما تتبدى اليوم؟

تعتبر فرنسا أنه يتعين العمل «على أكثر من جبهة». وبداية ترى أن ثمة حاجة إلى «تدعيم» الائتلاف المعارض الذي بدأت أصوات في الداخل والخارج تشكك في قدرته على أن يكون أداؤه مختلفا عن أداء المجلس الوطني السوري، وبقدرته أن يشكل بديلا «جديا» عن نظام الرئيس الأسد. أما نقطة الضعف الأخرى التي تلاحظها القوى التي واكبت الائتلاف وقبلة المجلس السورية السري اليوم الأول فهي غياب الحضور الميداني فهو أن دعم القوى التي تقاتل على الأرض بالمال والسلاح أو النجاح في إقامة مجلس حقيقي ينسق الأعمال العسكرية وتكون له استراتيجية متكاملة. وفي السياق عينه، فإن استقواء المجموعات الجهادية كجبهة النصرة وغيرها ونجاحها في التحرك والحضور الميداني و«استقلالية» الكتائب المقاتلة، كل ذلك هدم من مصداقية الائتلاف رغم الاعتراف الدولي بشرعيته.

ولأن باريس «لا تنتظر شيئا» من الطرف الروسي رغم «مؤشرات» التغيير التي تلحظها في موقف موسكو من نظام الأسد هنا وهناك، فإنها تحاول بالتنسيق مع أطراف عربية ودولية «تشغيل مفاتيح» متعددة ليس من بينها التدخل العسكري الغربي الذي تستبعده مصادرها نهائيا وقطعيا.

وتستشعر باريس الخطر الذي يهدد القوى المعارضة للنظام السوري وتحديدا الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة الذي عجز حتى الآن عن تشكيل حكومة مؤقتة أعلنت فرنسا وعلى لسان أعلى سلطة فيها استعدادها للاعتراف بها ولم توفر جهدا في الدفع باتجاه تشكيلها.

وأولى «الوصفات» التي تستفيض المصادر الفرنسية في الترويج لها تكمن في توفير المصداقية الميدانية والخارجية للائتلاف. فداخليا، تريد فرنسا أن تمر من الآن وصاعدا المساعدات الموجهة للمعارضة السورية على أنواعها عبر الائتلاف، وتحديدا عبر «المكتب» الذي أنشئ مؤخرا لهذا الغرض، بدل أن تمر عبر منظمات إنسانية غير حكومية وما شابه. وفائدة إجراء كهذا نته يقوي مواقع الائتلاف ويعطيه قدرة على التأثير الميداني.

والأمر الثاني الذي تدفع إليه فرنسا فيتمثل في دعوة الائتلاف إلى المزيد من الانفتاح على القوى السورية السياسية وتلك الحاضرة ميدانيا، بحيث يكون القطب الجامع لها. ومصدر التمسك بالائتلاف أن غالبية الغربيين يرون فيه «العنصر الوحيد» القادر على تجميع المعارضة ومنع الوضع من الانفلات نهائيا.

وسيدرس المجتمعون يوم الاثنين حاجات المعارضة السورية في مختلف المجالات بما فيها الحاجات العسكرية التي من دون توفيرها لن تنجح المعارضة المسلحة في المحافظة على المكاسب التي تحققها ميدانيا ولن تقوى على إقامة منطقة محررة متواصلة. وبحسب المصادر الفرنسية، فإن استطالة الحرب تخدم ثلاثة أطراف ليس بينها الائتلاف وهي الأسد وإيران والجهاديين.

وتبدو باريس مستعجلة لقيام الائتلاف بتشكيل حكومة مؤقتة، إذ ترى في هذا التطور ورقة مهمة على الصعيدين الدبلوماسي والسياسي، ولها تبعات كبرى لجهة تشديد عزلة النظام السوري ونزع الشرعية عنه وتمكين المعارضة من احتلال مقعد سوريا في المنظمات الإقليمية وفي الأمم المتحدة والتصرف بموجودات الدولة السورية وودائعها في الخارج. وقالت المصادر الفرنسية لـ»الشرق الأوسط» إن باريس «جاهزة» لخوض هذه المعركة الدبلوماسية ولكنها تريد من العرب أن يمهدوا الطريق عبر منح مقعد سوريا في الجامعة العربية للائتلاف السوري.

يبقى موضوع توفير السلاح للمعارضة خصوصا الذي تحتاجه لحماية المناطق التي سقطت تحت سيطرتها ولمنع طيران النظام من المروحيات والطائرات المقاتلة من أن تسرح وتمرح في سماء سوريا وفق ما تريد. وينتظر أن يناقش وزراء الخارجية الأوروبيين قريبا موضوع رفع الحظر الأوروبي المفروض على تسليم السلاح للفرقاء السوريين.

لكن المصادر الفرنسية قالت لـ«الشرق الأوسط» إنه «ليس من المؤكد أن يعمد الاتحاد الأوروبي إلى تسليح المعارضة أو حتى لرفع الحظر» بسبب المخاوف من الحركات الأصولية الجهادية في سوريا، مما يعيد النقاش إلى المربع الأول وإلى حاجة الغربيين للاطمئنان للجهات التي يقبلون بتسليمها السلاح المتطور.