رسومات الغرافيتي الغاضبة تحكي سنتين من الثورة في مصر

تقدم تكريما رمزيا لنشطاء قتلوا.. ومقياس مهم للمزاج العام للبلاد

جنديان أمام جدار ازدحم بالرسوم المعبرة عن ثورة يناير بالقرب من القصر الرئاسي بالقاهرة أمس (أ.ف.ب)
TT

بثلاث جمل كتبت بالأحمر والأسود على حائط كبير بالقاهرة، لخص فنان غرافيتي مسيرة الثورة المصرية في عامين «2011 يسقط حسني مبارك 2012 يسقط حكم العسكر 2013 يسقط حكم المرشد». ومنذ الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالرئيس المصري السابق حسني مبارك في فبراير (شباط)، 2011 أصبح فن الشارع صورا للإعلام البديل في توثيق الأحداث والنضال بما يقدمه من رسائل سياسية صاخبة ولاذعة وملونة أيضا.

وتحولت جدران القاهرة للوحة رسام تفصح في صمت عن كل ما دار في تلك البلاد منذ المظاهرات غير المسبوقة المناهضة لمبارك، من نشوة النصر المفرطة التي تلاها إحباط وغضب تجاه الحكام الانتقاليين من العسكر. ورسوم الغرافيتي تلك تصور معارك دموية وتقدم تكريما رمزيا لنشطاء قتلوا أو تدعو إلى محاكمة الذين يعتقد أنهم هربوا من العدالة. وفي كل الأيام، فإن جدران الشوارع المحيطة بميدان التحرير أيقونة الثورة المصرية، تمثل العناوين اليومية لأخبار الثورة ومقياسا مهما للمزاج العام للبلاد. وبين تلك التي رسمت ببخاخ أو خطت بريشة، تحمل هذه الرسومات الملونة المتقنة رسائل في كل مكان، محولة الجدران والأسوار وحتى إشارات المرور إلى لوحات مشروعة للتعبير عن الرأي. وقال محمد خالد الطالب في معهد القاهرة للفنون الجميلة، إن «الغرافيتي حلق مع الثورة. المحتوى سياسي بالأساس ويتغير وفقا للأحداث». وأضاف: «عندما يحدث شيء ما ينطلق الناس إلى الشارع ويرسمون عنه ثم يبدأ الجميع الحديث عنه». وأوضح خالد أن إصابة أخيه في مواجهة مع قوات الجيش في أكتوبر (تشرين الأول) 2011 «حولته من طالب فنون إلى محارب بالغرافيتي». واليوم، معظم الغضب في جدران القاهرة موجه إلى الرئيس الإسلامي محمد مرسي الذي يتهمه نشطاء الثورة والمعارضة بالفشل في إصلاح مصر ما بعد الثورة وتركيز السلطة في أيدي الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها.

لكن مساحات جدران القاهرة ليست حكرا فقط على المعارضة. فعليها أيضا رسومات لمرسي بشكل فرعون أو أخطبوط أو ثعبان أو بطل والأمر فقط يعتمد على الجانب السياسي الذي تقف فيه. وقال ضياء السيد الذي ترك دراسة الكومبيوتر من أجل الفن إن «الإبداع يتزايد حتى في صورة الأدوات والخامات والناس أصبحوا يعبرون عن أنفسهم بشكل أفضل»، هكذا. وصرح السيد لوكالة الصحافة الفرنسية من فوق سقالة عالية أثناء رسمه لآخر رسوماته بينما لم يكن هذا النوع من الفن السياسي بالشارع يمكن تخيله أثناء حكم مبارك. لكن حجم حرية التعبير الجديد التي انتزعتها الثورة يثير حنق السلطة التي دأبت على إزالة الرسوم الجدارية المثيرة للجدل. وعلى بعض جدران القاهرة التي تراكم عليه الغبار لعقود، تشكل مربعات الدهان الأبيض الجديد رسالة قوية مثل الغرافيتي الغاضبة التي تحاول السلطة إخفاءها. ويقول خالد «إذا تمت إزالة أحد رسومي، أدرك على الفور أنها استفزت شيئا ما». وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، صب المتظاهرون المناوئون لمرسي على جدران القصر الرئاسي جام غضبهم من توسيع مرسي لصلاحياته وإصراره على الاستفتاء على الدستور الذي صاغته جمعية تأسيسية سيطر الإسلاميون عليها. وبعدها بيومين أزال المتظاهرون المؤيدون لمرسي تلك الرسائل الهجومية. ومع اقتراب موعد الذكرى الثانية للثورة، تنقسم مصر بشدة بين معسكر مؤيدي مرسي وأغلبهم من الإسلاميين، والمعارضة وأغلبها من الليبراليين، واليساريين والأقباط والكثير من المسلمين الذين يطالبون بالحرية وفصل الدين عن الدولة. وتستدعي رسومات شوارع القاهرة الماضي وتعبر وتصرخ عن غضب اللحظة الراهنة لكنها أيضا تنظر إلى المستقبل. وفي العاصمة، رسم تاريخ 26-1 ببخاخ ترافقه رسائل تدعو المصريين للنزول للشوارع السبت المقبل عندما تصدر محكمة مصرية حكما حاسما في محاكمة 73 متهما في أكبر كارثة كروية في تاريخ البلاد قتل فيها 72 من ألتراس النادي الأهلي العام الماضي. وأثارت تلك الكارثة أحداث عنف في القاهرة خلفت 16 قتيلا آخر. ويحاكم تسعة من رجال الأمن في القضية التي تعقد جلساتها في القاهرة لدواع أمنية. ويطالب مشجعو النادي الأهلي الذين يطلق عليهم «الالتراس» ولعبوا دورا بارزا في الثورة، المصريين بالنزول للشارع من أجل عقاب شديد للمسؤولين عن سقوط قتلى بورسعيد. وعلى جدران ناديهم في قلب القاهرة، كتب باللون الأسود رسالة تبدو مشؤومة «القصاص أو الفوضى».