جيانغ زيمين يريد الحد من نفوذه وراء كواليس السلطة

تغيير بروتوكولي يمس المكانة الاعتبارية للرئيس السابق ويثير جدلا في الصين

جيانغ زيمين
TT

بعد عشر سنوات على تنحيه من منصبه كرئيس للصين، استغل الزعيم المسن ذو النفوذ بالحزب الشيوعي، جيانغ زيمين، وفاة منافس سابق، للتلويح باحتمال أن يسمح لظله السياسي بالتراجع ومنح الزعيم الجديد للبلاد فسحة أكبر لتوطيد أركان سلطته.

أتت تلك الإشارة خلال مناسبات رسمية لرثاء يانغ بايبينغ، الجنرال الذي أُقيل من منصبه بعد إدانته بمحاولات تحدي جيانغ. ووضع تقرير صادر من قبل وكالة الأنباء «شينخوا» حول جنازة الجنرال يانغ، يوم الاثنين جيانغ في المرتبة الأخيرة وسط عشرات من نجوم الحزب الذين قد تقدموا بكلمات تعزية ومواساة.

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حل جيانغ، 86 عاما، في المرتبة الثالثة من خلال بيان تأبين مماثل بعد هو جينتاو، الذي استقال في وقت سابق من ذلك الشهر من منصبه كرئيس للحزب الشيوعي وسيتقاعد من منصبه كرئيس للدولة في مارس (آذار) وشي جينبينغ، خليفة هو في المنصبين.

بالنسبة لبعض المحللين السياسيين الذين يسعون لسبر أغوار الاتجاهات الخفية للسلطة داخل النخبة السرية في الصين، أشار التصنيف البروتوكولي المنخفض لجيانغ إلى أمر أكبر من ذلك، وهو احتمال أن يقوض في نهاية المطاف أي دوافع لفرض السلطة وراء الجدران الحمراء لمبنى تشونغنانهاي، مجمع قيادة الحزب في وسط بكين.

يقول ياو جيانفو، المسؤول الحزبي المتقاعد والباحث في بكين: «في الصين، جرت العادة على أن عليك أن ترقى إلى مستوى منصبك لتعطي كلماتك ثقلا، ومن ثم، إذا توسط جيانغ زيمين في السياسات مجددا بعد اتخاذ هذه الخطوة، ستتأثر سمعته سلبا». وأضاف ياو: «إنه تغيير في البروتوكول، لكن سيكون متوقعا منه الآن أن يرقى إلى مستواه وأن يكف عن الظهور بمظهر السياسي الفضولي».

ربما لا يكون هذا هينا بالنسبة لجيانغ، الذي ميزت مسيرة حياته المهنية الأخيرة إيماءات صارخة دالة على سياسي نما لينعم بجذب الانتباه. وقد تقاعد من منصبه كسكرتير عام للحزب الشيوعي في نوفمبر 2002 واستقال من منصبه البارز الأخير، كرئيس للجنة العسكرية المركزية، بعد قرابة عامين. ومنذ ذلك الحين، وظف تفاعله مع الجمهور والكتب والقصائد والمقالات والنقوش بالخط الفني كوسائل تذكرة بأنه لا يزال متمتعا بصحة جيدة ومطلعا بالدرجة الكافية لممارسة سلطة.

لعب جيانغ دورا كبيرا وراء الكواليس في اختيار فريق القيادة الجديد تحت قيادة شي الذي عُين بالمؤتمر الثامن عشر للحزب الشيوعي في نوفمبر الماضي. ويهيمن الآن على اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب المؤلفة من سبعة أعضاء، والتي تقبع في قلب سلطة الحزب، أوصياء وحلفاء لجيانغ، ولا تضم كثيرا من المسؤولين المقربين من هو، القيادي الراحل الذي خلف جيانغ.

بدا تنازل جيانغ فيما يتعلق بالبروتوكول محسوبا بحيث يبرز أنه مستعد للابتعاد عن السجال السياسي، ولكن بصورة لا تمنع الجهود الجديدة لممارسة السلطة، بحسب جوزيف فيوسميث، المتخصص في السياسة الصينية بجامعة بوسطن. وقال فيوسميث: «أعتقد أن الجميع كان مندهشا من أنه في سن السادسة والثمانين، ما زالت لديه القدرة على التمتع بالسلطة مثلما كان بالمؤتمر الثامن عشر للحزب. بعد لعبه دورا في تفعيل القيادة التي رغب فيها، يبدو من المرجح أنه يسعى الآن إلى تجنب لفت الأنظار إليه».

حتى أنه بالإعلان عن التصنيف المنخفض لجيانغ، اقترحت وسائل الإعلام أن يبقى شخصية تتوقع نيل الاحترام من الآخرين. وجاء في وكالة أنباء «شينخوا» أمس: «بعد المؤتمر الثامن عشر للحزب، بعث الرفيق جيانغ زيمين بطلب إلى القيادة المركزية للحزب يعرب فيه عن رغبته في أن يوضع في المستقبل في مرتبة مماثلة للرفاق القدامى الآخرين في التصنيف البروتوكولي. ويجسد هذا كبرياء النبلاء والروح الشهمة لعضو في الحزب الشيوعي».

وتأتي خطوة جيانغ بينما يحاول الزعيم الجديد للبلاد، شي، توطيد سلطته وكسب ثقة الشعب عبر وعود متكررة باقتلاع الفساد وتطبيق القانون على المسؤولين المهملين. وكان هذا موضوع قد تطرق إليه مجددا شي أول من أمس عندما أخبر مسؤولين رئيسيين بأنه سيتعامل بحزم شديد مع المسؤولين المحليين صعبي المراس وكبار القادة الفاسدين.

وقال مسؤول بهيئة إعلامية حكومية إنه عندما تعهد شي في مطلع ديسمبر (كانون الأول) بتقليص الامتيازات وأشكال البهرجة التي تغدق على القادة، ظل يعامل جيانغ وقادة آخرين متقاعدين معاملة خاصة وأكد على أن القيود المفروضة لا تنطبق عليهم. وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم كشف هويته، مستشهدا بحظر الكشف عن تفاصيل المناقشات الداخلية للحزب: «هذه وسيلة لإظهار الاحترام للرفاق القدامى».

وأشار محرر بصحيفة أخرى تابعة للحزب إلى نشرة رسمية بعثت بالرسالة نفسها من شي. وقال المحرر إن تنازل جيانغ البروتوكولي بدا يهدف للإشارة إلى «أنه لن يشارك في الترتيبات الخاصة بالمؤتمر التاسع عشر للحزب، سواء كان حيا أو ميتا». وفي المؤتمر التاسع عشر، المقرر عقده في أواخر عام 2017. من المحتمل أن يستقيل خمسة من بين الأعضاء السبعة باللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب، إذا ظلت الأنماط السنية للتقاعد بالحزب ثابتة دون تغيير.

ينظر جيانغ إلى شي بوصفه حليفا، فيما قد فاز هو بأعلى منصب في الحزب رغم أنه لم يكن اختيار جيانغ. تقاعد هو من رئاسة أكبر كيان عسكري في الصين في نوفمبر ولم يبد أي رغبة في البقاء في بؤرة الضوء على المستوى السياسي.

منذ مؤتمر الحزب، أبقى جيانغ نفسه في محور الأخبار. فإضافة لنشر كتاب عن أفكاره حول الإصلاح الاقتصادي، كتب مقدمة لمقتطفات مختارة من القصائد عن الخيزران، والتي ضمت إحدى قصائده، ومقدمة لكتاب مصور عن أحد أتباعه المتوفين، بحسب وسائل الإعلام الحكومية. ويقول تشين زيمينغ، وهو باحث مستقل في بكين يتابع المسار السياسي عن كثب: «لا يزال بإمكان جيانغ ممارسة السلطة، وقد أعلن على الملأ أنه تطوع لتغيير البروتوكول، وأنه لم يتم إجباره على ذلك، لكنني لا أعتقد أنه سيمثل عائقا كبيرا بالنسبة لشي. فهو يدعمه بشكل عام».

* ساهم جوناثان أنسفيلد في كتابة التقرير من بكين

* خدمة «نيويورك تايمز»