محادثات إيران والقوى العالمية بين توقع الفشل والرغبة في إحراز نتائج

طهران تقترح القاهرة مكانا للاجتماعات وروسيا تريد إسطنبول

TT

أبدى مسؤولون بالاتحاد الأوروبي - على اتصال مع المفاوضين الإيرانيين - قلقا من مماطلة إيران في تحديد موعد ومكان لعقد جولة جديدة من المحادثات بشأن برنامجها النووي وانتقدوا قيام طهران بتغيير الأماكن لعقد الاجتماع ووضع شروط مسبقة حول الكيفية التي ينبغي أن تجري بها المفاوضات.

وبعد مرور أكثر من شهرين على إعادة انتخاب الرئيس الأميركي باراك أوباما لولاية ثانية مما أفسح المجال أمام استئناف مفاوضات مجموعة الست مع إيران حول ملفها النووي، لم يحدد بعد موعد أو مكان للقاء الأول منذ يونيو (حزيران).

وبالإضافة إلى الإشكالات حول تحديد جدول زمني أثارت تعليقات أدلى بها مؤخرا مسؤول إيراني القلق بأن الضغوط غير المسبوقة على إيران حول برنامجها النووي فشلت في حملها على التعاون لا بل إنها أتت بنتيجة معاكسة. وكان المراقبون يأملون بأنه وبمجرد أن يصبح أوباما أقل تقيدا بحملة إعادة انتخابه، فإن الظروف ستكون مواتية لتحقيق تقدم في الأزمة المستمرة حول النوايا النووية لإيران.

وكان الأمل في البدء بأن توافق إيران على التفاوض مع مجموعة 5+1 التي تضم بريطانيا والصين وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة وألمانيا في ديسمبر (كانون الأول) للتباحث حول برنامجها النووي المثير للجدل والذي يشتبه الغرب في أن الهدف منه هو تطوير قنبلة ذرية إلا أن الموعد أرجئ إلى يناير (كانون الثاني) الذي لم يتبق منه سوى أسبوع.

كان وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي صرح أن بلاده تقترح العاصمة المصرية القاهرة لتكون المدينة المضيفة للاجتماع لكنه لم يحدد موعدا لذلك. وقال مسؤول روسي رفيع المستوى إنه من الممكن إجراء المفاوضات في إسطنبول قبل نهاية فبراير (شباط).

وجاء رد فعل أوروبي غاضب وتسبب في إحباط وتشاؤم لدى القوى الغربية من أن إيران تقوم بتكتيكات مماطلة وتقديم مقترحات والرجوع فيها دون أن تلتزم بأي واحد منها.

فيما أبدى دبلوماسيون غربيون بعض الأمل أن يحدث انفراجه ويتم التوصل إلى اتفاق حول زمان ومكان الجولة الجديدة من المحادثات ورحبوا بمقترح طهران بأن يكون مكان الاجتماعات في القاهرة بما يشير إلى تحسن العلاقات بين القاهرة وطهران باعتبارهما من بلدان الشرق الأوسط الأكثر نفوذا.

وقال مايكل مان المتحدث باسم كاثرين أشتون التي تشرف على الاتصالات مع إيران نيابة عن الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا (مجموعة 5+1) «لقد اقترحنا على الإيرانيين عدة مواعيد وأماكن ولكن حتى الآن يعودون لنا مرة أخرى بشروط ومقترحات حول نهج المحادثات وتغيير المكان، وإيران تفرض علينا مرارا شروطا مسبقة للتفاوض من خلال تغيير المكان مثلا أو التأخير في الرد».

وأضاف: «إننا مرنون معهم للغاية وعلى اتصال مستمر معهم كجزء من عملية مستمرة، ولا نزال نأمل في التوصل إلى اتفاق مع إيران بشأن نهج المحادثات بما في ذلك المكان، بهدف استئناف المحادثات قريبا حتى نتمكن من إحراز تقدم ملموس نحو التعامل مع مخاوف المجتمع الأوروبي بشأن البرنامج النووي الإيراني».

وقال دبلوماسي غربي «لا نستبعد أي مقترحات لكن إيران تقترح أماكن مختلفة في كل وقت نقترب فيه من الاتفاق والمكان ليس القضية الجوهرية الآن ويبدو أن إيران تحاول تأخير الوقت». وأوضح الدبلوماسي في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن قادة إيران يعرفون أن الطريق الوحيد لتخفيف الضغوط الاقتصادية وربما تقويض التهديدات بعمل عسكري على مواقعها النووية من قبل إسرائيل - هو من خلال صفقة محتملة مع القوي العالمية الست.

ويثير فشل 3 جولات سابقة من المفاوضات خلال العام الماضي المخاوف من أن تسفر الاجتماعات المقبلة عن نفس النتيجة مما يدفع إلى مواجهة عسكرية من جانب إسرائيل ضد المنشآت النووية الإيرانية.

وتريد القوى الست من إيران وقف مستوى تخصيب اليورانيوم عن نسبة 20% وإغلاق موقع فوردو للتخصيب تحت الأرض وأن تتم العمليات النووية السلمية تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فيما تقول إيران إنها لن تتخلى عن حقها في تخصيب اليورانيوم لكنها قد تكون مستعدة لتعليق تخصيب اليورانيوم عند مستوى 20% مقابل تنازلات محددة من الغرب تتضمن رفع العقوبات.

وأشار مهدي محمدي أحد أعضاء وفد التفاوض الإيراني في «تحليل» نشر على إيران «ريفيو.أورغ» في التاسع من يناير إلى أن إيران لا تزال على طرفي نقيض مع مجموعة 5+1.

وأضاف أن على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي «رفع كل العقوبات الأحادية الجانب ضد إيران، بينما ستتخذ إيران خطوات فورية للرد على المخاوف المتبقية للوكالة الدولية للطاقة الذرية». وعندها فقط بحسب محمدي ستكون إيران «مستعدة للتفاوض حول نسبة تخصيب اليورانيوم بـ20% شرط أن يلغي مجلس الأمن الدولي كل قراراته المرفقة بعقوبات على إيران».

إلا أن مجموعة 5+1 تعتبر أن هذه ليست المقاربة الصحيحة. وتعتبر قدرة إيران المتزايدة في تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% مصدر القلق الأكبر لمجموعة الست لأنه إذا ازدادت نسبة التخصيب فعندها يمكن استخدام اليورانيوم لتصنيع قنبلة وهو ما تنفيه إيران.

ودعت مجموعة الست إيران في مايو (أيار) في بغداد إلى وقف التخصيب بنسبة 20% وإلى إغلاق منشأة فوردو النووية وإلى إرسال اليورانيوم الذي تملكه ليتم تخصيبه في الخارج. ولم يأت محمدي على ذكر أي من الطلبين الأخيرين.

ولم يصدر أي تعهد فعلي من مجموعة الست في مايو بأنها ستخفف العقوبات في المقابل مما حمل إيران إلى الانسحاب من جولة المفاوضات المقبلة في موسكو في يونيو.

وفرضت على إيران مجموعات عدة من العقوبات الدولية بسبب رفضها وقف تخصيب اليورانيوم. كما فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات إضافية عليها.

وترتبط محادثات القوي العالمية الست مع إيران ارتباطا وثيقا مع المحادثات بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، وقد فشلت جولة المحادثات الأخيرة في طهران في الخروج بنتائج تقلل المخاوف الغربية بشأن الطموح النووي الإيراني، ورفض المسؤولون الإيرانيون السماح لمفتشي الوكالة بزيارة موقع بارشين النووي الذي يشتبه بقيام إيران بإجراء تجارب تفجيرات نووية فيه، ورغم ذلك أكد مدير عام الوكالة يوكيا أمانو في مقابلة مع تلفزيون «رويترز» خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس أنه ما زال يأمل في تحقيق تقدم وقال: «أعتقد أن لدى الإيرانيين مصلحة في إجراء حوار مع القوى الغربية ومعنا ومناقشة الملف النووي وتضييق الفجوة من أجل وضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق.

وقال مارك هيبس من معهد كارنيغي اندوامنت فور إنترناشيونال بيس لوكالة الصحافة الفرنسية «في حال تم رفع العقوبات المتعددة الأطراف في وقت مبكر من المفاوضات وفشلت هذه الأخيرة، سيكون من الصعب جدا إعادة فرض العقوبات».

من جهة أخرى، يعتبر حصول تعاون أعمق بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية خصوصا لجهة السماح لطاقم الخبراء بتفتيش مواقع نووية مشتبه بها، مهما لكنه ليس مسألة تتوقف عندها مجموعة الست.

إلا أن ذكر المسألة في تقرير محمدي يحمل على الاعتقاد بأن إيران يمكن أن تستخدمها للتفاوض، بحسب خبراء. كما يمكن اعتبار فشل إيران الأسبوع الماضي في التوصل إلى اتفاق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية على أنه إشارة أخرى على تصلب الموقف الإيراني.

من جهته، اعتبر مارك فيتزباتريك مع المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية أن إيران «قد تخوض مفاوضات مسبقة قبل المفاوضات وتحاول أن تتبين ما يمكن أن تقدمه مجموعة الست لجهة تخفيف العقوبات».

وصرح فيتزباتريك لوكالة الصحافة الفرنسية «لن أتفاجأ إذ استمرت مرحلة ما قبل المفاوضات لفترة أطول.. لكنه من الخطر على إيران أن تلعب هذه اللعبة». حسب وكالة الصحافة الفرنسية.

أما كليف كابتشان من شركة «اوراجيا» للمشاورات حول المخاطر السياسية فاعتبر أن على الجانبين أن يلتقيا عاجلا أم آجلا.