مبعوث الأمم المتحدة لدى ليبيا: دورنا استشاري في تشكيل الجيش

طارق متري في حوار مع «الشرق الأوسط»: الوضع الأمني مضطرب لكنه ليس سيئا.. ونسعى لتوفيق الآراء في قانون عزل أنصار القذافي

طارق متري
TT

وصف طارق متري، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس بعثتها لدى ليبيا الوضع الأمني هناك بأنه «مضطرب»، لكنه أكد في المقابل على أنه «ليس بالسوء الذي يوصف به خارج ليبيا». وقال متري في حوار عبر الهاتف أمس من طرابلس، إن هناك 7 آلاف محتجز في سجون بعضها غير رسمي ولا يتبع الدولة الليبية، مشيرا إلى أن هناك حاجة لتفعيل القضاء الليبي للإسراع في حل مشاكل هؤلاء المحتجزين.

وأوضح متري أن استمرار وقوع بعض الجرائم ضد الليبيين وغيرهم يرجع إلى كون الرادع من جانب الدولة الليبي ما زال «طري العود»، على حد تعبيره. وأكد متري، الذي تسلم مهام عمله في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي خلفا لسلفه البريطاني إيان مارتن، أن الأمم المتحدة تقوم بدور استشاري في مناقشة تشكيل الجيش الليبي الجديد، لافتا إلى أن هناك آراء متفاوتة حول عدد عناصر الجيش ومستوى تسليحه. وفيما يلي أهم ما جاء في الحوار:

* ماذا عن الورقة البيضاء المتعلقة بوزارة الدفاع، وتشكيل الجيش الليبي الذي تحدث عنه مسؤولون ليبيون باعتبار أن الأمم المتحدة مشاركة في هذا الإطار؟

- باختصار شديد الأمم المتحدة تقوم بمهمة استشارية لدى السلطات الليبية في هذا الشأن بناء على طلبها، وهناك أفكار كثيرة تناقش مع هذه السلطات، والورقة لم ينته إعدادها بعد، فالورقة هي نص طويل من 100 صفحة. وكان هناك حرص شديد على مناقشة كل كلمة فيها مع المسؤولين الليبيين السياسيين أولا، والوزراء المعنيين والعسكريين أيضا، ولا سيما «رئيس الأركان وكبار الضباط»، والفكرة الناظمة للورقة هي أن نجاح الثورة الليبية يقتضي تحديدا جديدا لعقيدة القوات المسلحة لدورها إذا كان جيشا أم شرطة، وتحديدا جديدا لدورها، ومن ثم هناك حاجات لا تخفى على أحد، وهي أن تكون الأجهزة العسكرية والأمنية الشديدة التي يتم بناؤها قادرة على استيعاب الشباب الذي صنع الثورة، وقاتل من أجلها والذي يمضي الآن تحت كتائب بعضها مستقل وبعضها يعمل في كنف أجهزة مؤقتة أنشئت خلال الثورة أو بعدها، فالفكرة الرئيسية هي أن بناء الأجهزة الأمنية والعسكرية الجديدة يجب أن يتيح لها قدرة استيعابية لهؤلاء الشباب.

* ما هو التصور المتعلق بتشكيل الجيش الليبي، فهناك مسؤولون ليبيون يتحدثون عن جيش صغير العدد ولكن قوي التسليح والتكنولوجيا، فهل تشاركون هذه الرؤية؟ وهل هناك عدد معين مقترح؟

- كما قلت نحن لا نملك رؤية خاصة بنا، فنحن نصوغ هذا النص بناء على مناقشات مع الليبيين، وهو يظهر الأولويات الليبية والخيارات الليبية، لكن فكرة جيش صغير، ولكن قوي وشديد الفاعلية، هي فكرة جرى البحث فيها أكثر من مرة، ونظم مؤتمر كبير هنا في طرابلس حول هذا الموضوع ساعدنا الإخوة الليبيين في تنظيمه، لكن عبارات صغير وكبير وقوي أو مرن هذه عبارات حمالة أوجه، فإذا كان صغيرا يكون بالمقارنة مع جيش كبير، فلم تحسم قضية الحجم والعدد، ولا سيما أن هذا الجيش وهذه الأجهزة الأمنية مرشحة لاستيعاب عدد كبير من الثوار بعد أن يجري تدريبهم وإعادة تأهيلهم، فالحسم في مسألة العدد متعذر حيث لم ينته العمل ولم يعرف عدد الثوار الذين سوف ينضمون إلى التشكيلات المسلحة الرسمية الجيش أو الشرطة.

* لكن ما مدى قدرة السلطات الليبية على دمج كتائب الثوار في ظل وجود كتائب غير شرعية؟

- الحكومة الليبية أعلنت بصريح العبارة، بما لا يحتمل أي التباس، أن التشكيلات المسلحة الحالية التي تتمتع بشرعية ثورية، وبعضها يتمتع بشرعية رسمية لأنه يعمل في ظل الإدارات الرسمية مثل قوات درع ليبيا أو اللجنة الأمنية العليا، أما هذه التشكيلات فكانت ذات شرعية ثورية صرفة أو ذات الشرعيتين الثورية والحكومية، فهذه الكتائب مرشحة كلها للانضواء تحت جناح السلطة الشرعية بحيث يكون هناك جيش واحد وشرطة واحدة في ليبيا، فهذا من حيث المبدأ، أما على صعيد التنفيذ الأمر يتطلب مرونة كبيرة، ويتطلب أيضا حوارا مع المعنيين من قادة هذه الكتائب، وربما يؤول هذا الحوار إلى ابتداع صيغ مؤقتة لحل هذه القضية وفقا لمبدأ مفاده أن يكون كل السلاح في عهدة الشرعية الحكومية، أو شرعية الدولة.

* الثوار حملوا السلاح مضطرين لإسقاط نظام القذافي، الآن وبعد سقوطه لماذا لا يتخلون ببساطة عن أسلحتهم؟

- أعتقد أن المسألة ليست بهذه البساطة لأن بعض الثوار يقومون بوظائف أمنية بغياب أجهزة أمنية قوية وغياب أجهزة عسكرية قوية فيقوم بمهام عسكرية وأمنية، وكذلك هناك من الثوار مما زال يعتقد أن الثورة لا تزال تحتاج إلى من يحميها ويدافع عن قضيتها وإن كانت نجحت في إسقاط حكم الطاغية القذافي إلا أنها لم تستكمل كل مهامها، وهناك الصعوبات العملية، وهي أعداد الثوار المنضمين في الكتائب، فأعدادهم كبيرة ولا يمكن في الوقت الحاضر استيعابهم جميعا دفعة واحدة في الأجهزة العسكرية والأمنية الرسمية التي هي قيد الإنشاء.

* وأنت كيف تقيم هذه المواقف بالنسبة للثوار؟ هل تعتقد أنه ينبغي الآن التخلي عن السلاح لصالح شرعية الدولة؟

- من حيث المبدأ أعتقد أنه لا خلاف على هذا الأمر في ليبيا، فالنقاش يدور حول كيفية الوصول إلى ذلك، والوصول إلى الوضع الذي لا يكون فيه سلاح غير خاضع لشرعية الدولة.

* وكيف تقيم الوضع الأمني الآن في ليبيا؟

- الوضع الأمني يعاني من بعض الاضطراب في بعض الأنحاء الليبية فهناك اغتيالات وهناك جرائم أيضا لأن هناك عددا من المجرمين الذين يتصرفون على نحو وكأنهم قادرون على الإفلات من العقاب، لأن الرادع من جهة الدولة ما زال طري العود، ولكن الوضع الأمني في ليبيا ليس بالسوء الذي يوصف به خارج ليبيا، أنا لا أقلل من الصعوبات الأمنية التي تواجهها ولكن لا أريد التهويل والتضخيم لهذه المخاطر الأمنية.

* تعرضت مصالح غربية في بنغازي لهجمات مختلفة وربما أن الأمم المتحدة مستهدفة.. فهل هناك تهديدات ومخاوف في هذا الإطار؟

- الأمم المتحدة موجودة في ليبيا بناء على طلب الليبيين ولها تاريخ طويل في ليبيا منذ الاستقلال عام 1951. ونحن الآن موجودون لمساعدة السلطات الليبية ولا نمثل مصالح أحد ولا ندافع عن مصالح أحد، نعمل لدعم الشعب الليبي، فافتراضنا الأول، وأنا واثق أنه افتراض مصيب، أنه مرحب بنا وأننا لسنا هدفا لأحد، وأنه ليس هناك وجود مشاعر من الشعب الليبي ضدنا، ولكن هذا لا يمنع من حدوث جرائم وسرقة سيارات أو إطلاق نار ضد أي كان سواء الليبيين وغيرهم، ونحن أصابنا من هذه الاعتداءات الصغيرة ما يصيب الكثير من الليبيين، إلا أن السلطة الشرعية الليبية عملت بكل قواها من أجل وضع حد لهذه الانتهاكات وحماية العاملين في الأمم المتحدة، فالكل يعرف أنه في بنغازي تم اغتيال السفير الأميركي وهو أمر يجري التحقيق فيه، وحتى الآن لم يعلن عن هوية الذين قاموا بهذه العملية أو دبروها، وهناك محاولة اغتيال تعرض لها القنصل الإيطالي في بنغازي منذ فترة وجيزة والتحقيقات جارية ولم نعرف بعد شيئا عن الخلاصات التي تم الوصول إليها، فهناك إجراءات احترازية اتخذها قناصل الدول في بنغازي، إذ أقفلوا مكاتبهم هناك، ونرجو أن يكون هذا الإقفال مؤقتا فالوضع في بنغازي يبدو أكثر اضطرابا من الناحية الأمنية مما هو في أماكن أخرى من ليبيا. هناك اغتيالات تعرض لها مسؤولون أمنيون ليبيون في تلك المدينة، ولكن في المقابل هناك دعم حقيقي من قبل وزير الداخلية عاشور شوايل من أجل تنفيذ خطة أمنية في مدينة بنغازي تطمئن المواطنين أولا، وبالتالي تطمئن أيضا ممثلي الدول، ونرجو أن يستتب الأمر ويستطيع كل من اضطر إلى مغادرة مدينة بنغازي أن يعود إليها.

* ما رأي الأمم المتحدة فيما يتعلق بقانون العزل السياسي الذي يناقشه المؤتمر الوطني الآن؟ وهل أنتم مع عزل كل المحسوبين على نظام القذافي تماما عن العمل السياسي في هذه المرحلة؟

- لقد ناقشنا هذا الأمر، ولم نعلن موقفا خاصا بنا في هذه القضية، فنحن نجري حوارا مع السلطات الليبية في هذا الأمر وخاصة مع اللجنة في المؤتمر الوطني التي كلفت بإعداد هذا المشروع، وعندنا هم واحد هو لفت أنظار المعنيين إلى ضرورة التوفيق بين حقين وهما حق ليبيا ما بعد انتصار الثورة بأن تنهي ذيول الحكم الاستبدادي السابق وألا يكون في السلطة الليبية الجديدة على معظم المستويات الرفيعة منها الإدارية والعسكرية والسياسية، أشخاص ممن كانوا في خدمة نظام القذافي وجرى اضطهاد الليبيين على أيديهم، وجرى اختلاس المال العام والعبث بالمصالح العامة لخدمة مصالح أخرى، فمن حق الليبيين أن لا يجدوا أناسا أساءوا إليهم وإلى مصالحهم الوطنية في موقع السلطة الآن. لكن هناك حق آخر وهو من حقوق الإنسان وهو أن من حق كل مواطن ليبي أن يعبر عن رأيه بحرية، وأن يعامل بمبدأ المساواة مع سائر المواطنين أيا كانت قناعاته السياسية، فيجب على أي قانون بما فيه العزل السياسي أن يوفق بين الحقين، وأن يتجنب كل من كان شأنه السماح لقانون العزل السياسي أن يكون أداة قابلة للاستثمار السياسي والتمييز بين الناس، ليس على أساس ما فعلوه ولكن على أساس ما يفترض انتماؤه لهم، أي التمييز بين الدور والممارسة من جهة، والتي يحاسب عليها كل إنسان، والانتماء. فإذا كان موظف في خدمة الدولة الليبية أيام حكم القذافي ولم يقم بأي ممارسة ضد مصالح الشعب الليبي ولم يؤذ أحدا وإنما خدم الدولة فهذا لا يساوى بمن كان يعمل في خدمة النظام السابق وعاث في البلاد فسادا وأساء إلى كرامات الناس. فيجب التمييز بين المنصب الذي كان يحتله الشخص في الماضي والممارسة التي كان يقوم بها هذا الشخص، مما يتطلب تحقيقا وتدقيقا، وأن لا تزر وزرة وزر أخرى، أي أن يؤخذ مواطن فرد بجريمة سواه.

* كيف ترى التقارير التي تتحدث عن المعتقلات غير الرسمية في مصراتة والزاوية وبنغازي، وممارسة التعذيب الممنهج؟

- في ليبيا الآن نحو 7000 معتقل محتجز وهم خليط كبير بين الذين قاتلوا في كتائب أولاد القذافي وحاربوا الدولة فمنهم مجرمون هربوا من السجون ومنهم من عليهم شبهة أنهم من أنصار القذافي، فالمعتقلون الـ7000 متنوعون ولم يجر بعد التدقيق الكافي بأوضاع كل منهم، وهم موجودون في كثير من أنحاء ليبيا، بعضها في عهدة المجالس المحلية، وبعضها في عهدة كتائب الثوار، ولكن هناك عملية تدريجية لنقل أماكن الاحتجاز من سيطرة هذه الجهات إلى سيطرة الدولة لكي تكون خاضعة للدولة، وهناك تقدم كبير على هذا الصعيد، ونحن نواكب هذا الأمر عن قرب وعن كثب، وهناك تحسن ظاهر في معاملة هؤلاء السجناء، ونحن أيضا نشهد على أننا نرسل موفدين للسجون والاطلاع على أحوال المحتجزين، ولا نقول السجناء لأنهم لم يخضعوا للمحاكمة، فهناك حالات تعذيب ولكنها انخفضت، والاتجاه العام هو تحسن أوضاع هؤلاء المحتجزين ولذلك لا بد من الإسراع في العملية القضائية لأن القضاء وحده هو الذي يحسم أمر الشبهة وبالتالي الإدانة والعقوبة.

ولا يجب أن يبقى هؤلاء الناس موقوفين من دون محاكمة عادلة، فيجب الإسراع في المحاكمة، وهذا هو الحل الوحيد، ولكن الأمر ليس بهذه البساطة لأن قدرات القضاء الليبي الآن ليست كبيرة فهو يحتاج إلى تعزيز قدراته، ونحن نقف إلى جانب الليبيين ونقدم كل ما يحتاجونه ليصبح القضاء أكثر قدرة على ذلك، فوزير العدل وضع مسألة إصلاح السجون والبت في قضية المحتجزين بسرعة في أعلى أولويات وزارة العدل، وهو رجل مشهود له بنضاله ضد النظام البائد ودفاعه عن الحريات وحقوق الإنسان، وهو قانوني محترم، ويلاحق هذا الأمر وليس بحاجة إلى تذكير. ونحن إلى جانبه دائما من أجل إيجاد حل سريع وعاجل لهذه القضية وفقا للمعايير المعروفة.

* هل أنتم مطمئنون إلى أن كبار مسؤولي النظام السابق من المعتقلين في ليبيا سيحظون بمحاكمة عادلة؟

- مبدئيا السلطات الليبية، وهذا ليس سرا، تريد أن تتم محاكمة سيف الإسلام القذافي وصهره عبد الله السنوسي في ليبيا، وأنهم كتبوا رسائل للمحكمة الجنائية الدولية والتي كانت تريد أن تحاكمهم، وقدموا مرافعة قانونية من أجل أن تتم المحاكمة في ليبيا.