جنرال فرنسي: تحقيق أهداف العمليات العسكرية في مالي لا يزال بعيدا ويتطلب مشاركة فعالة من دول المنطقة

قال إن على المغرب أن يعتمد على دعم باريس في نزاع الصحراء

TT

تحفظ الجنرال الفرنسي دوبريكاد جان موران، المشارك في منتدى الأمن في أفريقيا بمراكش، الذي انطلقت أعماله أمس، في الحديث عن سير العمليات العسكرية. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن فرنسا تدخلت لأن مالي كانت على شفير الهاوية، وكانت الجماعات الإرهابية التي أحكمت سيطرتها على الشمال تزحف على جنوب البلاد وعلى العاصمة. وأضاف موران «كان ضروريا أن نتدخل لوقف هذا الزحف طبقا لقرارات مجلس الأمن».

وأضاف موران أن تحقيق أهداف العمليات العسكرية لا يزال بعيدا، ويتطلب مجهودات كبيرة ومشاركة فعالة لدول المنطقة الاقتصادية لغرب أفريقيا التي بدأت تنشر قواتها في مالي. وقال «القوات الأفريقية مستعدة ولديها القوة اللازمة للقيام بمهمتها في مالي».

وفي حديثه خلال الجلسة الافتتاحية للمنتدى، قال الجنرال موران إن منطقة الساحل والصحراء التي تمتد من موريتانيا حتى إريتريا، منطقة غنية بالموارد المعدنية لكنها تفتقر إلى الوسائل. وأشار إلى أن هذه المنطقة تعاني عدة أزمات مزمنة، ذكر منها أزمة الحدود المغربية، وأزمة مالي وأزمة السودان والصومال. وعلى الحدود المغربية، يقول موران، امتدت مشكلة الصحراء على مدى أربعين سنة بشكل جعل تطبيع العلاقات بين المغرب والجزائر أمرا صعبا للغاية، وأثر على اندماج المنطقة المغاربية.

وأضاف موران «إذا كانت جبهة البوليساريو تستفيد من دعم الجزائر، فإن المغرب يمكنه أن يعتمد على الدعم الفرنسي، لأن فرنسا تعتبر الاقتراح الذي قدمه المغرب لحل النزاع في إطار منح حكم ذاتي للصحراء تحت السيادة المغربية الحل الأكثر واقعية».

وبخصوص مالي، يرى موران أنها تواجه مشاكل داخلية وخارجية كبيرة، وأنها غير قادرة على مواجهها لوحدها. أما السودان فلا يزال يعاني إرث الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب واستمرار أزمة دارفور، فيما عرف الصومال في وقت مبكر حجم المخاطر المرتبطة بتوسع وانتعاش الجماعات الإرهابية.

وأشار موران إلى أن حضور الجماعات المسلحة في الساحل يرتبط بظهور حركات جهادية غير عربية في السنوات الأخيرة، والتي تطورت في استقلال تام، وبدأت تفقد طابعها الآيديولوجي لتتحول إلى حركات محلية.

وفي سياق ذلك، قال مصدر عسكري مالي لـ«الشرق الأوسط» إن القوات المالية والأفريقية بدأت أول من أمس الزحف البري على مسارين منفصلين، الأول في اتجاه تمبكتو والثاني في اتجاه كاو، أهم مدينتين تحتلهما الجماعات المسلحة في شمال مالي. وقال المصدر العسكري إن الزحف البري على تمبكتو استفاد من الضربات الجوية الفرنسية التي مهدت الميدان لبداية العمليات البرية. وأضاف أن تعزيزات عسكرية قادمة من تيفاني ومركالا وكيبالي ستلتحق بالقوات المتجهة صوب تمبكتو.

وأضاف المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن قوات تشادية ونيجيرية تضم ثلاثة آلاف رجل غادرت العاصمة النيجرية نيامي، التي تبعد 350 كيلومترا عن غاو. وأشار المصدر إلى أن القوات القادمة من نيجيريا ستلتقي في مدينة غاو مع القوات القادمة من باماكو ليتم تحرير المدينة من الجماعات المسلحة التي تحتلها.

من جهته، اعتبر الماجور جنرال شارل هوبر، من قيادة القوات الأميركية لأفريقيا (أفريكوم)، أن مشاكل مالي تضرب بجذورها في القرن الثالث عشر، زمن وتجارة القوافل والنزاعات القبلية للسيطرة عليها. وأشار إلى أن المنطقة اليوم تعرف تجارة من نوع آخر، تشمل المخدرات القادمة من أميركا الجنوبية، وتجارة البشر، والأسلحة. ويرى هوبر أن الجماعات الإرهابية تستغل هذه الأوضاع لاستقطاب المقاتلين والسيطرة على الطرق التجارية الجديدة.

وأضاف هوبر أن منطقة الساحل التي تعاني من الفقر والتصحر ما ينتج عنها من هجرات وتنقل السكان، ساهمت في الفوضى وانعدام الاستقرار. وقال: «ما يطلبه الناس في شمال مالي هو الأمن، ومورد لكسب المال من أجل إعالة أسرهم، والخدمات التي يفترض أن توفرها لهم السلطات. وعندما تعجز السلطات عن توفير ذلك فإن السكان يبحثون عنه بأي طريقة، ولا يهم إن كانت تلك الطريقة متلائمة مع القيم أو مخالفة لها».

ويرى هوبر أن الخروج من الأزمة يتطلب الاستجابة لاحتياجات السكان وبناء المؤسسات الديمقراطية وتوفير شروط التنمية والاستقرار. وقال: إن الجماعات الإرهابية وعصابات تهريب المخدرات والأسلحة والبشر استفادت من الفراغ الأمني في شمال مالي لتبسط نفوذها، غير أن الحل العسكري لن يكون حاسما.

ودعا مولاي الزيني، الوزير السابق والمنسق الوطني لبرنامج الحكامة المشتركة للأمن والسلام في مالي، دول الاتحاد الاقتصادي لمنطقة غرب أفريقيا إلى توحيد جيوشها في جيش واحد من أجل حماية الحدود، مع ترك إدارة وتدبير الأمن من اختصاص سلطات كل دولة.

وقال الزيني، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن مالي تمكنت من تجاوز أزمتها السياسية، وتم استرجاع مؤسسات الدولة، خاصة رئاسة الجمهورية والحكومة والبرلمان والمجلس الأعلى للجماعات المحلية (البلديات) والمحكمة العليا، التي تمارس مهامها بشكل عادي. وقال: «نحن عازمون على تنظيم انتخابات في أقرب وقت، لكن علينا أولا أن ننتهي من استرجاع الأراضي المغتصبة من طرف الجماعات الإرهابية، وحل المعضلة الأمنية».

وردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول ما إذا كانت لا تزال هناك فرص للحوار والتفاوض بعد انطلاق العمليات العسكرية، أجاب الزيني: «إن العمليات العسكرية الحالية تم إطلاقها على أساس قرارات مجلس الأمن، وتؤكد على بعدين للحل المطلوب للأزمة، أحدهما سياسي والثاني عسكري. فقبل تهديد باماكو كنا منخرطين في مسلسل حوار بوساطة الرئيس بليز كامباوري، رئيس بوركينا فاسو. وهذا الحوار سيتواصل حتما بعد انطلاق العمليات العسكرية. فالتاريخ يعلمنا أن كل النزاعات بما فيها الحرب العالمية انتهت حول طاولة مفاوضات. لكن الحوار مع من؟ فبالتأكيد لن يكون هناك أي حوار مع الجماعات الأجنبية الغازية. فهؤلاء لا مجال لإشراكهم في أي مفاوضات أو أي خطط لبناء الدولة المالية. هؤلاء سنحاربهم. أما السكان المحليون فالحوار معهم سيكون بقدر ابتعادهم عن الجماعات الإرهابية».