رئيس الحكومة الفرنسية: لن نغرق في رمال مالي

باريس مطمئنة لتحقيق أهداف حملتها العسكرية

TT

فيما تزداد حدة الانتقادات الداخلية الموجهة للعملية العسكرية الفرنسية في مالي، سعى رئيس الحكومة جان مارك أيرولت إلى طمأنة مواطنيه وهو في الأرجنتين التي يقوم بزيارة رسمية لها.

ورغم أن القوات الفرنسية التي ارتفع عددها المنتشر في مالي إلى 2500 شخص إضافة إلى نحو 1200 آخرين يسهمون بأشكال مختلفة بالمجهود العسكري الفرنسي الأهم منذ مشاركة القوات الفرنسية في إطار القوة الدولية في أفغانستان عام 2002. فإن باريس لم تلق حتى الآن أي مساهمة أوروبية أو غربية ميدانية، وما حصلت عليه من الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وبلجيكا والدانمارك مجرد مساهمات لوجيستية. وهذا يعني عمليا أن باريس تتحمل وحدها عبء الحرب على الإرهاب.. الأمر الذي يثير انتقادات اليمين وبعض اليسار الفرنسيين.

واستند رئيس الحكومة الفرنسية في سعيه لطمأنة مواطنيه من أن فرنسا «لن تغرق في رمال مالي» إلى عدة عناصر أولها أن الأهداف التي حددتها باريس لتدخلها العسكري قد «تحققت». وقال أيرولت: «ليس هناك مخاطر من الغرق إذ إن الأهداف التي حددتها فرنسا احترمت وتحققت». ووفق ما أعلنه، فإن الهدف الأول المتمثل في منع نزول قوات مقاتلي الشمال الذين تسميهم باريس «إرهابيين» إلى العاصمة باماكو، وبسط كامل سيطرتهم على مالي وعلى قلب أفريقيا تحقق، إذ إنهم أوقفوا وهم حاليا يتراجعون «والهدف (الذي نسعى إليه) هو أن نستمر في دفعهم ومقاتلتهم». وبالفعل. ورغم ما قالته السلطات الفرنسية من أن استعادة السيطرة على شمال مالي مناط بالجيش المالي وبالقوة الدولية ـ الأفريقية، فقد استمر تقدم الفرنسيين باتجاه الشمال وتحديدا باتجاه مدينة غاو.

وتنتظر باريس وصول القوة الدولية ـ الأفريقية التي وصلت طلائعها إلى باماكو. وقال أيرولت إن مهمة هذه القوة هي «الحلول محل القوات الفرنسية». غير أن التوقعات الأكثر تفاؤلا تقدر المهلة الضرورية لوصول القوة الأفريقية وانتشارها الميداني وبدء تنفيذ المهمة التي أناطها بها مجلس الأمن في قراره رقم 2085. وتنتظر باريس من مؤتمر أديس أبابا الذي يلتئم في 29 الحالي أن يوفر التمويل اللازم للمهمة الدولية - الأفريقية، من جهة، ولمهمة تمويل عمليات إعادة تأهيل الجيش المالي على أيدي مدربين أوروبيين بقيادة جنرال فرنسي.

غير أن خارطة الطريق الفرنسية بالنسبة لمالي لا تقتصر على العملية العسكرية ومحاربة «الإرهابيين» واستعادة سيادة باماكو على مناطق الشمال، بل تشمل شقين إضافيين: الأول، سياسي ويتمثل في وصل خيوط الحوار بين الحكومة المركزية والأطراف، والثاني تنموي إذ إن باريس تعتبر أن أحد جوانب المشكلة المزمنة في مالي هو حالة الفقر والتخلف وغياب التنمية عن مساحات شاسعة من البلاد. ولاحظت القرارات الثلاثية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي هذه الجوانب.

وترى باريس في الانشقاقات الحاصلة في صفوف حركة أنصار الدين المشكلة من الطوارق وإعلان جناح منها ابتعاده عن الحركات الأصولية الإرهابية واستعداده للتفاوض، أحد المؤشرات التي تقوي حجة الذين يدفعون باتجاه الانفتاح. ومن جانبه، طالب أيرولت الاتحاد الأوروبي بالالتزام بقوة ببرامج التنمية في مالي. ميدانيا، تابعت قوات فرنسية ومالية تقدمها باتجاه الشمال بعد السيطرة على المدن التي كانت تشكل الخط الفاصل بين الجنوب والشمال. وسيطرت القوات المذكورة على مدينة هومبوري الواقعة على الطريق إلى غاو، وهي على بعد 920 كلم شمال العاصمة باماكو. غير أن قيام مقاتلي الشمال بتدمير جسر تاسيغا الاستراتيجي الذي يربط غاو بالنيجر يعني أن هؤلاء يحضرون لمعركة عنيفة في هذه المدينة الاستراتيجية، التي تواصل الطائرات الفرنسية استهدافها لتدمير مخابئ المقاتلين وقواعدهم وخزانات وقودهم.

ومن جهة أخرى، يرى مراقبون في باريس أن غرض المقاتلين هو منع القوات الأفريقية من النيجر والتشاد (500 و2000) التي تتهيأ لعبور الحدود النيجيرية ـ المالية من أجل الانقضاض على غاو، من الوصول إلى مدينة الشمال الرئيسية. وتساور الفرنسيين والماليين كذلك مخاوف من أن يعمد المقاتلون إلى تدمير جسر واباريا الموصل إلى غاو، الأمر الذي سيجعل مهمة تحرير هذه المدينة وإيصال القوات إليها أكثر صعوبة.

وفي أي حال، يتهيأ الجانب الفرنسي لمواجهة عملية عسكرية طويلة المدى. وقالت مصادر دفاعية إن استعادة السيطرة على الشمال «لا تعني بالضرورة أن الحرب قد انتهت، بل إن الأهم هو إبقاء السيطرة على هذه المناطق ومنع الإرهابيين من العودة إليها».

وحتى الآن، كانت الخسائر الفرنسية البشرية غير ذات معنى، وهو ما يساعد على إبقاء الرأي العام الفرنسي لصالح التدخل العسكري. غير أن وقوع قتلى من العسكريين أو من المدنيين الماليين بسبب عمليات قصف غير دقيقة أو قيام القوات الحكومية بعمليات تصفية لمعارضين أو من يعتبرونهم من الإرهابيين أو من أنصارهم، ستدفع إلى تغير المزاج العام وستزيد من صعوبات الحكومة الاشتراكية وخاصة من صعوبات رئيس الجمهورية.