رئيس الوزراء التونسي يؤجل التعديل الوزاري

حمادي الجبالي لـ «الشرق الأوسط»: الانتخابات في الصيف المقبل

رئيس الوزراء التونسي أثناء إعلانه عن تأجيل التعديل الوزاري بقرطاج أمس (أ.ف.ب)
TT

تأجل الإعلان عن التعديل الوزاري داخل الحكومة التونسية مرة أخرى، وأرجأ حمادي الجبالي الأمر إلى الأيام المقبلة، حيث من المنتظر أن يعرض رئيس الحكومة تشكيلة حكومية أمام المجلس التأسيسي، بعد الفشل في التوافق بين الحكومة والمعارضة حول التعديل الوزاري، وتمسك كل طرف بمجموعة من الشروط، التي يراها ضرورية لإرساء أرضية حوار سياسي يفضي إلى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة في أفضل الظروف.

أكد رئيس الوزراء التونسي، حمادي الجبالي، أن التحوير الوزاري ليس هدفا في ذاته وإنما هو وسيلة لتطبيق برنامج الحكومة. وقال الجبالي في اتصال هاتفي أجرته معه «الشرق الأوسط»: «لا بد من إجراء حوار وطني مع كل الأطراف بقطع النظر عن موقفها من الدخول في الحكومة من عدمه»، وتابع: «لقد دعونا لحكومة وحدة وطنية بعد ظهور نتائج الانتخابات مباشرة، بيد أن البعض اختار البقاء في المعارضة». وشدد الجبالي على أهمية المحافظة على الأمن والاستقرار في تونس، «من دون الأمن والاستقرار لا يمكن إجراء انتخابات أو الاستمرار في الحوار الوطني، فالأمن قاعدة أساسية لكل بناء ديمقراطي».

واستبعد الجبالي فكرة حكومة تكنوقراط، «توجد كفاءات، ولكن لا يوجد غير متحزبين، فقد رأينا أعضاء حكومة التكنوقراط السابقة في أي واد يهيمون اليوم»، وجدد تأكيده أنه «لم يتم التوصل إلى تشكيلة نهائية للحكومة الجديدة، ولكن المشاورات متواصلة رغم الصعوبات الكبيرة التي تعترضها».

وبخصوص موعد الانتخابات، قال الجبالي: «أعتقد أنها ستكون في الصيف القادم، ونأمل أن تتشكل الحكومة في سبتمبر (أيلول) المقبل، ونحن أكدنا ضرورة تشريك عدد كبير من المراقبين الدوليين، مع الحرص على عدم استغلال موارد الدولة لغايات انتخابية، وأن يبقى الجهاز التنفيذي على الحياد التام خلال الانتخابات القادمة». وطلب الجبالي مهلة جديدة لأيام، وقال: «إذا لم أتوصل إلى التوافق حول التعديل الوزاري فمن واجبي خلال الأيام المقبلة أن أتقدم بتشكيلة حكومية إلى المجلس التأسيسي (البرلمان) لينظر فيها ويزكيها»، وقال إن الرجوع إلى المؤسسات الدستورية هو القرار الأسلم في مثل هذه الحالات. وصرح الجبالي بأن التوافق حول التعديل الوزاري يحظى بالأولوية، ولكن في غيابه فإن رئيس الحكومة سيقدم تشكيلة يراها مناسبة إلى ممثلي الشعب التونسي. ولم يخف الجبالي تفاؤله في هذا المجال وإرادة تحسين أداء الحكومة التي يهدف إليها الكثير من السياسيين.

ففي لقاء صحافي عقده حمادي الجبالي رئيس الحكومة التونسي، أمس، بقصر الضيافة في قرطاج (الضاحية الشمالية للعاصمة التونسية)، اعتبر أن التعديل الوزاري موجه بالخصوص نحو تلافي النقائص المسجلة على مستوى العمل الحكومي، وأن عمليات التقييم من خلال مجموعة الحوارات التي أجراها مع القيادات السياسية خلال الفترة الماضية، قد شملت المسار التأسيسي أو السياسي، ومسار العمل الحكومي.

وقال أمام جمع كبير من وسائل الإعلام، المحلية والعالمية: «إن الحكومة التونسية ليس لها ما تخفيه عن التونسيين، وإن التعديل الوزاري يعتبر مطلبا من مطالب الثورة، وهدفه الأساسي نقلة الأداء الجماعي من مرحلة الإطاحة بالديكتاتورية إلى مرحلة تأسيس الدولة الديمقراطية». واغتنم المناسبة لدعوة مختلف الأحزاب السياسية إلى التعجيل في كتابة الدستور والمرور سريعا إلى الانتخابات. واعترف بوجود نقائص كثيرة على مستوى تحقيق الأهداف الاجتماعية والاقتصادية للثورة على غرار التنمية في الجهات والتشغيل وتقليص نسب الفقر والخصاصة، وقال: «إن معوقات كثيرة اعترضت عمل المجلس التأسيسي (البرلمان) وأداء الحكومة».

ولئن اعترف الجبالي في نهاية اللقاء الإعلامي بأن التونسيين لم تعد لهم القدرة على الصبر أكثر حول هذا موضوع التعديل الوزاري، فقد أقر بأن الائتلاف الثلاثي قد خطا خطوات حاسمة وتجاوز كثيرا من الصعوبات أثناء جولات التفاوض دون أن يحسم الأمر بصفة نهائية.

وقال الجبالي إن الوضع السياسي في تونس يعيش «حالات تعكر وتشنج»، وهو ما جعل أحزابا سياسية تطالب بحوار وطني دون شروط حول الهيئة العليا للانتخابات والهيئة العليا للإعلام السمعي البصري وكتابة الدستور، وهي الشروط الضرورية لإجراء الانتخابات القادمة. ودعا إلى النأي بالجهاز التنفيذي للدولة عن الانتخابات، وقال: «إن عملية تشريك مراقبين دوليين لا شأن له بسيادة تونس بقدر ما يعزز من مصداقية تلك المحطات الانتخابية». واتهم أطرافا لم يسمها بوجود إرادة واضحة للتشكيك منذ الآن في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة.

ودعا أعضاء الحكومة ورئيس الجمهورية إلى تجنب الاستقطاب الحزبي وتوظيف مقدرات الدولة لخدمة مصالح شخصية، كما دعا جميع الأطياف السياسية إلى إدانة العنف بكل أشكاله سواء أكان دينيا سياسيا أو آيديولوجيا. وقال إن الصراع والاستقطاب الآيديولوجي مضر بوحدة المجتمع التونسي، وإن تقسيم التونسيين إلى كفار ومسلمين أفدح ما يمكن أن يصيب المجتمع، وأضاف: «ليس هناك صراع هوية في تونس، فهي عربية إسلامي، منفتحة ومعتدلة، ولا يمكن للتطرف بكل أشكاله أن يعمر فوق أراضيها»..

وفي تقييمه لعمل الحكومة التي يقودها منذ نحو السنة، قال الجبالي إن الحكومة جاءت بالأساس لتحقيق أهداف وأولويات، من بينها مقاومة الفساد وتحقيق الأمن والنهوض بالتنمية في الجهات ومحاربة الفقر وغلاء المعيشة وتحسين حياة التونسيين. وقال: «إن الغرض من الحوار هو تحقيق هذه الأهداف وتلافي نقائص عمل الحكومة، وإن التحوير ليس هدفا في ذاته». وذكر الجبالي بفتح الأبواب أمام كل القيادات السياسية أثناء تكوين الحكومة الأولى بهدف تكوين حكومة وحدة وطنية، إلا أن الكثير من الأحزاب خيرت البقاء في المعارضة. واغتنم المناسبة للرد على بعض وجوه المعارضة التي اتهمت الائتلاف الثلاثي الحاكم بمحاولة «خطف زعماء سياسيين» من أحزابهم، وقال: «لا نية لنا لشق أو تحطيم أحزاب»، وقال: «إن المشاورات كانت صعبة وعصية في بعض الأحيان»، واعتبر الأمر علامة صحية، ودعا التونسيين إلى القبول بمنطق التشاور ووضع الشروط للانضمام إلى التشكيلة الحكومية، وقال: «إن ذاك الأمر من صميم العمل الديمقراطي».

وانتقد اتهامات المعارضة للحكومة، باعتبارها التعديل الوزاري مجرد محاصصة حزبية أو كعكة «قاتو»، يسعى المشاركون في التعديل لاقتسامها، وقال: «إن الأمر طبيعي، ولكن المشهد السياسي التونسي لم يتعود الأمر بعد»، على حد تعبيره. وقال إن المشاورات كانت مناسبة لتقييم عمل الوزارات وإنه اتصل بالأحزاب والشخصيات السياسية، وربط بين هذه المشاورات والخطوات الضرورية لإجراء الانتخابات القادمة، وذلك بتهيئة الظروف المناسبة وتوضيح الرؤية أمام كل الأطراف خدمة لمصلحة تونس.