د. عبد الرحمن البر: حرق مقار لـ«الإخوان» «عدوان همجي» يهدف إلى عرقلة التحول الديمقراطي في مصر

عضو مكتب الإرشاد الملقب بـ«مفتي الجماعة»: لا نقبل بالفصل بين الدين والسياسة

د. عبد الرحمن البر عضو مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين
TT

قال عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين في مصر، الدكتور عبد الرحمن البر، الملقب بـ«مفتي الجماعة»، إن استهداف مقرات للجماعة وحزبها «الحرية والعدالة» من البعض ما هو إلا «عدوان همجي» يهدف إلى عرقلة التحول الديمقراطي من بعض الذين فقدوا مصالحهم بعد تغير النظام السابق، ووصول رئيس منتخب إلى الحكم. وأضاف أنه من الطبيعي أن يشعر كل وطني مخلص بغاية الاستياء من العدوان على مقرات الجماعة وحزبها، وبالاستياء من تأخر الأجهزة الأمنية في ملاحقة المعتدين وعدم القبض عليهم وتقديمهم للعدالة. وعن رؤيته لموقف «جبهة الإنقاذ الوطني» المعارضة والرافضة للحوار الذي دعا إليه الرئيس محمد مرسي أكثر من مرة، قال الدكتور البر إن القوى الوطنية يجب عليها الجلوس إلى مائدة الحوار وطرح ما لديها بعيدا عن الاشتراطات المسبقة والمواقف الحادة.

وشدد الدكتور البر على عدم القبول بمبدأ الفصل بين الدين والسياسة «بأي حال من الأحوال»، مشيرا إلى أنه لا يوجد منصب اسمه «مفتي الإخوان»، لكنه أوضح أن بعض الإعلاميين يصرون على وصفه بذلك، قائلا إنه يجيب فقط عن الأسئلة في المسائل الشرعية متى كان عالما بها، ويحيلها إلى غيره من أهل العلم «فيما لا علم لي به». وإلى أهم ما جاء في الحوار..

* كيف تشعر وأنت تتابع أخبارا عن حرق مقرات لـ«الإخوان» والاعتداء عليها؟ ومن في رأيك صاحب المصلحة في هذا العمل؟

- تعرضت مقرات الجماعة والحزب في مختلف أنحاء الجمهورية للاعتداء في أيام مختلفة، ومن الطبيعي أن يشعر كل منصف وكل وطني مخلص بغاية الاستياء من هذا العدوان الهمجي، وكذلك بالاستياء من تأخر الأجهزة الأمنية في ملاحقة المعتدين وعدم القبض عليهم وتقديمهم للعدالة. أما صاحب المصلحة، فهو بكل تأكيد من ساءته هذه الثورة المباركة وأفقدته نفوذه ومصالحه في داخل مصر وخارجها، ولذلك رغب في توتير الأجواء وجر القوى الوطنية للتناحر، واستفزاز «الإخوان» لدفعهم إلى تصرف انفعالي يترتب عليه إعاقة مسيرة استكمال التحول الديمقراطي في مصر، وهو ما لم يتحقق بفضل الله ثم بفضل وعي «الإخوان» وصدق وطنيتهم ومؤازرة الشعب لهم ولمشروعهم النهضوي، وأتصور أن من حرض على هذه الجريمة ومن قام بها أدركوا أنهم رموا بسهم طائش وأن «الإخوان» ومعهم الشعب المصري العظيم قد أفشلوا خطتهم، ولهذا لا أتوقع أن يتكرر هذا العمل الطائش الأحمق، إن شاء الله.

* هل تتابع القنوات الفضائية التي تنتقد جماعة الإخوان؟

- من الطبيعي أن أتابع كل ما يجري في مصر، وخاصة في وسائل الإعلام، ومنها بالطبع تلك التي لا تنظر لـ«الإخوان» ولحزب الحرية والعدالة وللرئيس المنتخب إلا بعين النقد السلبي، ومنهجي في متابعة ما تطرحه تلك القنوات هو أنني إذا وجدت جدية في الطرح والنقد فإنني أكمل المتابعة، وإذا وجدت هزلا وافتراء وخروجا عن اللياقة وعن حدود الأدب والمنطق وهبوطا وإسفافا في التعبير فإنني أضن بوقتي أن يضيع في غير فائدة، ومن الطبيعي أن أستفيد، مثل غيري من «الإخوان»، من النقد البناء أيا كان مصدره، وأن نصحح في ضوئه ما نرى لزوم تصحيحه، وأن نجتهد في توضيح ما أسيء فهمه أو تم تحريفه، حتى تكون الأمة على بصيرة من أمرنا وعلى بينة من منهاجنا. أما النقد الهازل، فأنا شخصيا أضرب عنه صفحا، وأشفق على بعض أصحابه مما يبدو من أفواههم من بغضاء ومما تنطوي عليه صدورهم من حسد وشحناء تضرهم ولا تضرنا بفضل الله، وفي كثير من الأحيان أبالغ في الاجتهاد في التعرف إلى السر في تلك الافتراءات والمواقف العدائية التي يتخذها البعض فلا أقف على شيء، وأجدني أردد قول الشاعر:

«أفكر ما ذنبي إليك فلا أرى لنفسي ذنبا غير أنك حاسد».

* ما هي في رأيك ضوابط الإفتاء، في ظل انتشار فوضى الفتاوى عبر الفضائيات والإنترنت؟

- ضوابط الإفتاء مذكورة في كتب الفقه، ومن أهمها: ألا يتصدى للفتوى إلا من كان من أهل العلم، ممتلكا لأدواته، عالما بالقرآن وتفسيره وأسباب نزوله، عالما بالحديث الشريف وأسباب وروده، وقادرا على معرفه صحيحه من سقيمه، عالما باللغة العربية وفنونها، عالما بأصول الفقه وقواعد استخراج الأحكام من أدلتها، ملما بأقوال الفقهاء في المسألة التي يتصدى للإفتاء فيها، متدربا على التعامل مع المصادر العلمية المختلفة، حريصا على مراجعة المسائل قبل الإقدام على الإفتاء فيها، بصيرا بالمستجدات في موضوع الفتوى، مهيأ لتكييف المسائل تكييفا صحيحا مناسبا للواقع المعيش ولظروف المستفتين. أما التصدي لما يسمى فوضى الفتاوى عبر الفضائيات والإنترنت، فأرى أنه لا يتحقق بمجرد ذكر الضوابط، بل بإرادة القائمين على هذه الفضائيات، وحسن اختيارهم لمن يقدمونه للإفتاء. وأرى أن الأفضل عدم الإفتاء على الهواء مباشرة، بل تقدم المسألة للعالم ليدرسها جيدا ويعد برده عليها، ثم يقدم الفتوى مستوفية الدراسة. وأرى أن تقوم الهيئات ذات الصلة بتدريب المشايخ والدعاة والخطباء على الإفتاء، ولا بأس بإعطاء إجازات بالفتوى لمن يجتاز الدورات المتخصصة في ذلك، ويستعان بهم في برامج الفتوى عبر الفضائيات وغيرها، وذلك كله في ما يتعلق بفتاوى الأفراد في المسائل التي يحتاج إليها الناس في عباداتهم وأعمالهم وأحوالهم اليومية. أما القضايا الكبرى العامة والفتاوى المتعلقة بالمجال العام وبأمور الدولة والقضايا العلمية الجديدة وقضايا المعاملات المالية المستحدثة والمعاصرة، ونحو ذلك من القضايا التي يحتاج المجتمع كله لمعرفتها–فأرى أن تضطلع بها الهيئات العلمية الكبرى والمجامع العلمية المعروفة كهيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية والمجامع الفقهية المختلفة ودار الإفتاء والأقسام العلمية المتخصصة في كليات أصول الدين والشريعة، وأن تعقد حولها الندوات والمؤتمرات العلمية المتخصصة، ويدعى إلى بحثها الدارسون المتقدمون للدرجات العلمية في الماجستير والدكتوراه، ولا ينبغي مطلقا أن يتصدى لها المفتون عبر الفضائيات ما لم يحيطوا بنتائج تلك الدراسات ويقفوا على تفاصيلها.

* كيف ترى الوضع الحالي في مصر بعد مضي نحو عامين على ثورة 25 يناير؟

- الوضع الحالي في مصر آخذ في الاستقرار بعد إقرار الدستور في استفتاء حر بأغلبية تقترب من الثلثين، وسيكون الوضع–إن شاء الله–أكثر استقرارا بعد انتخابات مجلس النواب، التي رفع قانونها إلى المحكمة الدستورية، وهذا بالتأكيد سينعكس على الوضع الاقتصادي الذي تعرض في الفترة السابقة لصعوبات واضحة نتيجة الاضطرابات السياسية، وتراجع الاحتياطي النقدي من العملات الصعبة التي استنزفت الفترة السابقة على انتخابات الرئاسة معظمه، فقد بلغ عشية سقوط النظام البائد أكثر من 35 مليار دولار، وتسلم الرئيس المنتخب الحكم وهو في حدود 15 مليار دولار، وبعد مرور نحو سبعة أشهر فإنه لا يزال يتجاوز 15.5 مليار حسب ما هو معلن، لكن الجديد في الوضع الاقتصادي هو تلك المشروعات الكبيرة التي بدأ العمل فيها، وتلك المليارات التي يتم استردادها ممن أخذوها بغير حق، وتلك المليارات التي يتم توفيرها من خلال منع ومكافحة الفساد، وذلك الاستقرار في أسعار المواد الغذائية والخدمات الأساسية، والحلول الناجحة لمشكلات الطاقة والمواد البترولية والبوتاجاز مع أننا في وسط الموسم الشتوي، وهي كلها مبشرات بتحسن كبير في المستقبل القريب، إن شاء الله.

* كيف تقرأ موقف «جبهة الإنقاذ الوطني» الرافض للحوار الذي دعا إليه الرئيس أكثر من مرة. وما النقاط التي يمكن أن يلتقي حولها الفرقاء في هذه المرحلة؟

- أعتقد أن القوى الوطنية يجب أن تجلس إلى مائدة الحوار، وتطرح كل ما لديها، بعيدا عن الاشتراطات المسبقة والمواقف الحادة. وثمة أشياء كثيرة يمكن أن يلتقي حولها الفرقاء الوطنيون، منها قضايا الحريات العامة والعدالة الاجتماعية والتوافق الوطني العام والوحدة الوطنية، ومنها كيفية وآليات استرداد الثروات المصرية المهربة، ومنها كيفية وآليات الخروج من الأزمة الاقتصادية التي يمر بها الوطن، ومنها كيفية وآليات التعامل مع الثروات الطبيعية التي تزخر بها مصر وطرق تعظيمها وتنميتها، ومنها المشروعات القومية الكبرى التي تحتاجها مصر للنهوض؛ كمشروع تنمية إقليم قناة السويس، ومشروع تعمير سيناء، ومنها النهضة العلمية والتعليمية التي يجب أن تميز مصر الجديدة بدءا بمشروع جامعة الدكتور زويل، ومنها كيفية وآليات استعادة وتعظيم دور السياحة في مصر كواحدة من أهم موارد البلاد، ومنها طبيعة السياسة الخارجية الجديدة للنظام السياسي المصري الجديد حتى تكون مستقلة وبعيدة عن التبعية وعن الاستجابة لأي ضغوط خارجية، وغير ذلك من القضايا التي ترى القوى الوطنية ضرورة الاتفاق حولها.

* يعتقد البعض أن جماعة الإخوان في السنوات الأخيرة أصبحت أكثر اهتماما بالجانب السياسي على حساب الجانب الدعوي. كيف ترى هذا الأمر؟

- دائما ما كان البعض يدعي هذه الدعوى، الناشئة في ما أظن عن عدم فهم البعض لدعوة الإخوان المسلمين التي هي دعوة الإسلام بمفهومها الشامل الذي ينتظم أمور الحياة جميعا ويفتي في كل شأن من شؤونها. وقد قرر الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله، أن دعوة «الإخوان» دعوة سلفية، وطريقة سنية، وحقيقة صوفية، إلى جانب كونها هيئة سياسية، وشركة اقتصادية، وجمعية خيرية، وهيئة رياضية، سواء بسواء. لهذا، فـ«الإخوان» ينشطون في المجال السياسي مثلما ينشطون في المجال الدعوي والمجال الخدمي والخيري، ومثلما أنشأوا حزبا سياسيا، فلديهم قسم لنشر الدعوة الإسلامية، أشرف أنا شخصيا عليه، يهتم بممارسة الدعوة في المساجد وغيرها، ويرتب درس الثلاثاء الأسبوعي في مختلف أنحاء البلاد، ويقيم الدورات العلمية الشرعية لرفع مستوى الدعاة ولتعليم العلوم الشرعية للراغبين، ويهتم بدراسة المسائل الشرعية التي يحتاجها الناس، وغير ذلك من الأعمال والمناشط الدعوية الكثيرة للرجال والنساء، بل إننا نعتبر العمل السياسي بابا من أبواب الدعوة، ونسعى من خلاله لتقديم نموذج سياسي يحمل قيم الإسلام ومبادئه إلى معترك السياسة والحياة العامة، ويتصدى للنماذج الرديئة التي تتعامل مع السياسة باعتبارها فنون الخداع للناس والتحايل على الجماهير والتي تقدم المصالح الشخصية والحزبية على المبادئ الأخلاقية، كما يتصدى للمفاهيم الخاطئة التي تعتبر السياسة رجسا من عمل الشيطان، ويجتهد في تقديم نموذج سياسي أخلاقي راق.

وهنا، لا بد أن أشير إلى ما كتبه الإمام الشهيد حسن البنا في رسالة المؤتمر الخامس ونصه: «وأما أننا سياسيون بمعنى أننا نهتم بشؤون أمتنا، ونعتقد أن القوة التنفيذية جزء من تعاليم الإسلام تدخل في نطاقه، وتندرج تحت أحكامه، وأن الحرية السياسية والعزة القومية ركن من أركانه وفريضة من فرائضه، وأننا نعمل جاهدين لاستكمال الحرية ولإصلاح الأداة التنفيذية–فنحن كذلك، ونعتقد أننا لم نأت فيه بشيء جديد، فهذا هو المعروف عند كل مسلم درس الإسلام دراسة صحيحة، ونحن لا نعلم دعوتنا ولا نتصور معنى لوجودنا إلا تحقيق هذه الأهداف، ولم نخرج بذلك قيد شعرة عن الدعوة إلى الإسلام».

* هل توجد حدود فاصلة بين الجانب الدعوي والجانب السياسي في عمل جماعة الإخوان؟

- الجماعة تمارس الدعوة والسياسة ولا ترى أي تناقض بينهما، وتعتبر العمل السياسي بابا من أبواب الدعوة لإظهار محاسن المنهج الإسلامي وتميزه في مجال الحكم والسياسة، ورسالتنا الأساسية هي تقديم الإسلام الشامل كنموذج حضاري يهتم بالإنسان في كل مناحي حياته، ووجود أقسام وتخصصات في مجالات العمل داخل الجماعة، ليس من باب الفصل بين ما يوصف بأنه سياسي وما يوصف بأنه دعوي على الإطلاق، بل هو من باب تقسيم المهام والتجويد في كل منها، ولا نقبل بالفصل بين الدين والسياسة بأي حال من الأحوال.

* من أين جاء لقب «مفتي جماعة الإخوان»؟

- هذا لقب أطلقته بعض الصحف والفضائيات على فضيلة الأستاذ الشيخ محمد عبد الله الخطيب حفظه الله، حين كان عضوا بمكتب الإرشاد، وربما دفعهم لذلك أنه كان بوصفه أحد كبار علماء الأمة يجيب عن استفتاءات ومسائل القراء في بعض الصحف أو المجلات الإسلامية، مع العلم بأنه لا يوجد منصب في «الإخوان» يسمى (مفتي الجماعة)، ويبدو أنه أعجب بعض الصحافيين أن يطلقوا هذا اللقب على شخصي الضعيف بعد انتخابي عضوا بمكتب الإرشاد، خصوصا أن ذلك تزامن مع خروج فضيلة الأستاذ الشيخ الخطيب من المكتب، وباعتباري أستاذا بجامعة الأزهر، ومع أنني نفيت هذا الأمر فلا يزال هناك إصرار من بعض الإعلاميين على وصفي بمفتي الجماعة.