انهيار بنك يهدد الموروف الثقافي لمدينة سويسرية

«ويغلين» أغلق بسبب تهرب ضريبي بعدما اعتاد رعاية معالم وآثار سان غالين

سان غالين السويسرية
TT

بالنظر إلى الحجم المتواضع لمقره المتمثل في مبنى أنيق على الطراز النيوكلاسيكي ومطل على السوق، يسهل التقليل من قدر بصمة بنك كان يعرف من قبل باسم «ويغلين» في هذه المدينة السويسرية الصغيرة.

ليس الأمر متعلقا فقط بكونه أقدم بنك في سويسرا، أنشأه تجار نسيج محليون في عام 1741. كان مديره المشارك، كونراد هاملر، ابن عمدة سابق، ورئيس مجلس إدارة صحيفة «نيو زورخر زايتونغ» التي تصدر يوميا في زيوريخ بسويسرا، والتي تعتبر الصحيفة الرئيسية في الدولة، وكاتب عدد هائل من الأعمدة التي عادة ما يدين فيها ممارسات العمل التي تنتهجها بنوك سويسرا الأكبر، مثل «يو بي إس».

لكن الأمر الأهم هو أن بنك «ويغلين»، الذي أغلق أبوابه هذا الشهر، كان راعيا بارزا للمؤسسات الثقافية في المنطقة. ومن بين مشروعاته، في عام 2006. قام هاملر، المولع بالموسيقى وعازف الكمان الهاوي، بإنشاء مؤسسة «يوهان سيباتيان باخ»، بهدف تمويل تقديم وتسجيل الأعمال الموسيقية الكاملة للفنان الألماني، أكثر من 200 مقطوعة موسيقية، وهي مهمة يتوقع أن تستمر لأكثر من 20 عاما.

وعلاوة على ذلك، فإن البنك قد أخذ على عاتقه مهمة الحفاظ على الثروة المعمارية للمدينة. وفي عام 2007. دفع بنك «ويغلين» قرابة مليوني دولار مقابل ترميم جزء هام من دير سانت كاترين القوطي القديم، دير سابق له مذبح مرتفع ورواق مقوس كان في حالة مزرية جدا. بعدها، تولى مهمة ترميم المذبح الذي يعود للقرن التاسع العشر، وأجزاء أخرى من المباني. كانت الفكرة تتمثل في استخدامها في تقديم أعمال باخ وغيرها من المؤلفات الموسيقية الأخرى.

وعلاوة على ذلك، ربط البنك وهاملر علاقات وثيقة بكلية إدارة الأعمال المحلية، وفي أي فترة، ربما يتم توظيف عشرات الطلاب في برامجه التدريبية.

الآن، كل هذا بات معرضا للخطر. ففي العام الماضي، أدين بنك «ويغلين» في الولايات المتحدة بتهمة مساعدة المواطنين الأميركيين بشكل غير مشروع في التهرب من دفع الضرائب. وفي ظل الصدمة من هذه الاتهامات الموجهة له، تم تقسيم بنك «ويغلين» وتم إيداع أصوله القيمة لدى بنك محلي آخر، هو «رايفايزن». ظلت أصوله المعدومة لدى «ويغلين»، مع أنه تم تغيير اسمه إلى «نوتنشتاين برايفت بنك»، نسبة إلى اسم نقابة تنتمي للعصور الوسطى في سان غالين.

في النهاية ثبت أن مسؤولي «ويغلين» مذنبون أمام محكمة في نيويورك بتهمة مساعدة أميركيين في التهرب من دفع ضرائب على أصول قيمتها 1.2 مليار دولار في الفترة ما بين عامي 2002 و2010. وتم الاتفاق على دفع تعويض وغرامات قيمتها نحو 60 مليون دولار.

وفي إطار الدعوى المنظورة، أخبر أحد الزملاء المقربين من هاملر، يدعى أوتو برودرر، المحكمة بأن بنك «ويغلين» دائما ما أعتقد أن هذا يتوافق والقانون السويسري، مضيفا أن «مثل هذا السلوك كان شائعا في القطاع المصرفي السويسري».

جاءت الأخبار كصدمة لسان غالين، حسبما قالت ليوني شوينديمان، التي تدير مكتبة صغيرة مواجهة لكنيسة سانت لورينشيوس البروتستانتية التي كانت تقام فيها حفلات باخ من حين لآخر تحت رعاية البنك. وأعربت شوينديمان، التي عادة ما كانت تواظب على حضور الحفلات وكانت صديقة لرودولف لوتز، المتخصص في الفن الباروكي الذي أدار سلسلة الحفلات، عن خوفها على مستقبلها. وقالت: «ستكون خسارة فادحة». وعن اختفاء البنك، أضافت: «عليك أن تهتم بعملك».

يبدو من قبيل المصادفة فقط أن تعلن الملصقات المنتشرة بمختلف أنحاء المدينة عن أحدث قطعة موسيقية بمسرح المدينة، تتضمن نقدا لاذعا لعالم المال من قبل الكاتب المسرحي السويسري، أورس فيدمر، وتحمل عنوان «نهاية المال». وتعرض صورة بالحجم الطبيعي لمصرفي بأذني حمار.

ووصفت مادلين هيرزوغ، المسؤولة عن الثقافة بحكومة المدينة، عملية ترميم البنك لدير سانت كاترين بأنها «مثالية». غير أنها أعربت عن مخاوفها من المستقبل من دون وجود بنك «ويغلين». وتقول: «كان من المخطط أن يتم استخدام المباني في تنظيم أحداث ثقافية، لكن هذه تعتبر الآن مسؤولية الملاك الجدد للبنك. وليس من المعروف ماهية خططهم الملموسة ومستقبل إحياء أعمال باخ».

لقد أخذ بنك «رايفايزن» على عاتقه مهمة القضاء على بعض الركود في الساحة الثقافية مؤخرا، مشركا الفنان السويسري، بيبيلوتيرسيت، في تصميم ميدان كامل بالمدينة وشوارع متاخمة حول مقر البنك من القماش الأحمر، ثم تشكيل أجزاء من المنطقة في صورة أرائك وطاولات ومزهريات، بل وسيارة، جميعها باللون الأحمر الصارخ. وأصبحت المنطقة، المعروفة باسم الميدان الأحمر، الآن منتجعا مفضلا للسكان المحليين في الطقس المعتدل.

غير أن مطامح ويغلين الثقافية تخطت حدود سان غالين. فعلى موقع الـ«فيس بوك»، بلغ عدد أصدقاء «باخ فاونديشن» 75 ألف صديق، مع وجود الأعداد الأكبر خارج سويسرا، في الولايات المتحدة والمكسيك والبرازيل، بحسب جاكلين نيوبرغر، سكرتيرة المؤسسة.

وبالنسبة لكثيرين في المدينة، خلف اختفاء بنك «ويغلين» حالة من خيبة الأمل. ويقول مارسيل ماير، 58 عاما، وهو مؤرخ ومدير الأرشيف بالمدينة: «لست مندهشا، لكنني محبط من درجة السذاجة التي يمكن أن يكونوا عليها، بالنسبة لمؤسسة جادة على وجه الخصوص». وقال: إن البنك تأسس من قبل عائلة: «زيلي»، وهي مؤلفة من تجار ملابس محليين في مدينة ظلت تشتهر لفترة طويلة بمنسوجاتها بدرجة تفوق الناحية المالية، رغم أن اسم ويغلين جاء من سليل لأسرة أنجبت أطباء وعلماء لاهوت، ولكن قليلا من المصرفيين هم من دخلوا عالم الصرافة في القرن التاسع عشر. ولكن فقط مع وصول هاملر في عام 1989. اكتسب البنك أهمية ثقافية. ويضيف ماير: «دائما ما كان شخصية متضاربة».

كان والد هاملر، مع نشاطه في مجال السياسة، موسيقيا بارعا أدى أغاني ألمانية لموسيقيين رومانسيين أمثال شومان وشوبرت مع عزف بيانو مصاحب.

لقد احتفظت شخصيات بارزة في مجال الأعمال في المدينة باحترامها لهاملر والبنك، الذي زاد عدد موظفيه من 320 موظفا إلى 700 تحت إشرافه. لم يكن الربح «هو الحافز الأساسي» لدعم هاملر للفنون، بحسب فريدموند مالك، 58 عاما، مستشار أعمال نمساوي عاش وعمل لمدى عقود في سان غالين. ويضيف: «كان هذا مكمن خوف أساسي عميق جدا، وعلى مستوى عال جدا».

لم تلق إشارة برودرر، زميل هاملر، أمام محكمة نيويورك، إلى أن نهج بنك «ويغلين» كان شائعا في قطاع المال السويسري، ترحيبا في سويسرا، بل أدت إلى توجيه اتهام عام بـ«الخيانة» من قائد حزب الشعب الديمقراطي المسيحي، كريستوف داربيلاي، والذي رد عليه هاملر باتهامه بالسب والقذف. وقال مالك إن رد الفعل العام في سان غالين، على الطريقة السويسرية، كان عميقا، ولكنه عاقل. وقال: «كان هادئا جدا. هناك حالة أسف عامة مما قد حدث، وحتى بين المصرفيين من القطاع الخاص، كان رد الفعل هادئا».

* خدمة «نيويورك تايمز»