باريس تقرر إرسال وحدات خاصة لحماية مناجم اليورانيوم في النيجر

القوات الفرنسية والمالية تتقدم شمالا.. ولا معارك «جدية» حتى الآن مع مقاتلي الشمال

محمد قمامة
TT

عد 15 يوما من بدء العمليات العسكرية الفرنسية في مالي، تتأهب القوات الفرنسية والمالية لاستعادة مدينة غاو الشمالية التي تقع على بعد 1200 كلم من العاصمة باماكو، وذلك بعد سيطرتها قبل ظهر أمس على مطار المدينة الواقع على مسافة 6 كلم منها، وعلى جسر واباري الاستراتيجي جنوب المدينة.

وجاء في بيان صادر عن وزير الدفاع الفرنسي أن «القوات الفرنسية سيطرت على منطقة المطار وعلى جسر غاو شمال شرقي مالي».

ويضيف البيان أن «الإرهابيين الجهاديين (أي مقاتلي الشمال وفق التسمية الفرنسية) الذين واجهوا القوات الفرنسية والمالية دمرت الكثير من مركباتهم ومواقعهم اللوجيستية».. في إشارة إلى عمليات القصف الجوي التي تقوم بها الطائرات المقاتلة الفرنسية من طراز «ميراج 2000» و«رافال» انطلاقا من قواعدها في جامينا (تشاد) وباماكو.

ووفق المصادر الدفاعية الفرنسية، فإن القوات الخاصة الفرنسية التي ترابط عادة في بوركينا فاسو تقوم بعمليات الاستطلاع لتسهيل ضربات الطيران.

وحتى الآن، لم تلاق القوات الفرنسية مقاومة تذكر من قبل الحركات الثلاث التي تسيطر على شمال مالي منذ أقل من عام، وهي «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، وأنصار الدين (الطوارق)، وحركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا. وكانت الحركة الأخيرة هي المسيطرة على غاو التي تعد إحدى مدن الشمال الرئيسية إلى جانب تومبوكتو وكيدال.

وترى المصادر العسكرية الفرنسية أن طلعات الطيران الحربي أو الطوافات القتالية «تايغر وغازيل» تلعب دورا حاسما، حتى الآن، في إضعاف المقاتلين ودفعهم إلى التفرق والتخلي عن مواقعهم الثابتة والخروج من المدن التي كانوا يتسلطون عليها حتى بدء العملية العسكرية.

وبحسب هذه المصادر، فإن مخيمات التدريب والبنى التحتية ومخابئ الأسلحة والمحروقات ومراكز التجمع تشكل الأهداف التي تغير عليها الطائرات الفرنسية.

وتهدف باريس من الاستمرار في تعبئة قواتها وتوجيهها إلى مالي، إلى «توفير ماكينة عسكرية قادرة على الحسم في أي مواجهة راهنة» بانتظار أن تصبح القوة الأفريقية التي يفترض أن يصل عددها إلى 5000 رجل، جاهزة للعمل الميداني الأمر الذي يحتاج إلى عدة أسابيع.

وبحسب بيان وزير الدفاع الفرنسي أمس، فإن 2500 جندي فرنسي موجودون اليوم في مالي، يضاف إليهم 1200 آخرون معبأون للعملية العسكرية المسماة «سيرفال».

أما لجهة الأسلحة الرئيسية، فإن باريس تعتمد جويا على 10 طائرات قتالية وعلى مروحة واسعة من الطوافات. وأرضيا، فإن القوات الفرنسية ستتلقى في الأيام المقبلة دعما إضافيا قوامه نحو 120 مدرعة خفيفة مجهزة بمدافع وعشرات ناقلات الجنود. ولم يعرف بعد إذا كانت قيادة الأركان الفرنسية سترسل دباباتها الثقيلة من طراز «لوكلير» إلى مالي. وتبدو القيادة الفرنسية «واثقة» مما تقوم به قواتها ميدانيا.. الأمر الذي يبرر قول رئيس الحكومة أول من أمس في بيونس آيرس، بمناسبة زيارته الرسمية للأرجنتين، إن «أهداف الحملة العسكرية تتحقق». ومن بين هذه الأهداف «توجيه ضربة قاضية» لحركة القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي التي تعتبرها باريس الأخطر بالنسبة لأمن فرنسا وأفريقيا، فضلا عن مصالحها.

وتفسر مصادر مطلعة في باريس استعجال السيطرة على جسر واباري القائم قريبا من غاو فوق نهر النيجر بالحاجة إلى المحافظة على الطريق التي ستسلكها القوات النيجيرية والتشادية للدخول مباشرة إلى مناطق الشمال، وتحديدا قريبا من غاو.

وأول من أمس، عمد مقاتلو الشمال إلى تدمير جسر آخر بالديناميت على الطريق الموصل إلى غاو لتأخير تقدم القوات الفرنسية والمالية. وتتوقع باريس أن ترسل تشاد في الأيام المقبلة 1500 جندي، بينما ترسل النيجر 500 رجل. وتريد فرنسا أن تشارك هذه القوة في تحرير مناطق الشمال إلى جانب الماليين أنفسهم؛ لأنها حريصة على عدم البقاء في المقدمة. وأخذت فرنسا تستفيد من المساعدة التي تقدمها الولايات المتحدة الأميركية. وبعد الرحلات المتلاحقة التي تقوم بها طائرات النقل العسكرية الأميركية بين قاعدة إيستر (جنوب فرنسا) وباماكو لنقل الرجال والعتاد، بدأت باريس بالحصول على المعلومات الاستخبارية والصور الميدانية التي تجمعها الطائرات الأميركية من دون طيار «درون» الموجودة في عدد من البلدان الأفريقية.

وعلم في باريس أن طائرة التجسس الأميركية من دون طيار «غلوبال هوك» ذات التحليق العالي، بدأت طلعاتها فوق مالي.. الأمر الذي سيساعد القوة الفرنسية على حيازتها معلومات دقيقة وآنية بصدد تحركات مقاتلي الشمال وأماكن تجمعهم. وتفتقر باريس عسكريا لثلاثة أمور هي النقل الاستراتيجي وتزويد مقاتلاتها بالوقود جوا وبعض وسائل التجسس الإلكتروني.

وفي تطور يحمل الكثير من المعاني، علم في باريس أن وزارة الدفاع ستقوم بإرسال وحدات من قواتها الخاصة لحماية مناجم اليورانيوم الاستراتيجية في النيجر التابعة لشركة «أريفا» الفرنسية الخاصة. ونقل موقع مجلة «لو بوان» الإلكتروني أن باريس قررت إرسال هذه الوحدات بعد عملية احتجاز الرهائن الواسعة التي نفذتها كتيبة الموقعين بالدماء التي يقودها الجزائري مختار بلمختار ضد موقع عين أمناس للغاز جنوب شرقي الجزائر، قريبا من الحدود الليبية. وينتظر أن تتولى هذه الوحدات حماية موقعين رئيسيين شمال النيجر، وهما أرليت وإيمورارين. وفي الموقع الأول، قامت «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» قبل عامين ونصف بعملية جريئة نجحت خلالها في القبض على خمسة فرنسيين كانوا يعملون في الموقع المذكور وهم رهائنها. وما زال هؤلاء محتجزين لديها. ويعمل في مناجم «أريفا» في النيجر نحو 2700 شخص لا يشكل الفرنسيون منهم سوى نسبة 2 في المائة. وحتى أمس، امتنعت وزارتا الدفاع والخارجية الفرنسيتان عن تأكيد أو نفي الخبر.

ويمثل يورانيوم النيجر ثلثي حاجات فرنسا من هذه المادة الاستراتيجية التي تغذي المفاعلات النووية الفرنسية.

وبحسب الخبراء، فإن غياب الأمن شمال النيجر وفي محيط المناجم سيعني حصول نقص جدي في اليورانيوم.. الأمر الذي سيعني ارتفاعا في أسعار اليورانيوم في السوق الدولية، وارتفاعا في كلفة إنتاج الكهرباء في فرنسا نفسها التي تعتمد بنسبة تزيد على الثلثين على مفاعلاتها النووية في توفير الكهرباء.