قيادات شباب ميدان التحرير: لم نحقق الأهداف وما زلنا في خندق النضال

غابوا عن الأضواء بعد عامين من الثورة ويستعدون لجولة جديدة مع النظام

القيادي الشاب إسلام لطفي في أحد اجتماعات حزب التيار المصري (تحت التأسيس)
TT

أطلق القيادي البارز في ائتلاف شباب ثورة 25 يناير 2011 بمصر، خالد عبد الحميد، وصفا ساخرا على زملائه، عقب نجاحهم في الإطاحة بنظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك قبل عامين، إذ سماهم «ائتلاف شباب الكاميرا». الوصف الذي أزعج القادة الشباب عكس قدر الاهتمام الإعلامي الذي حظي به قادة الائتلاف الذي خطط ونفذ وقاد مظاهرات يناير، لكن وبعد مرور عامين لم يعد لأحد من هؤلاء الشباب وجود على الساحة؛ سواء السياسية أو الإعلامية أو دوائر صنع القرار.

تشكل ائتلاف شباب الثورة من الفصائل الشبابية الرئيسية التي خططت وقادت المظاهرات المصرية، واكتسبوا ثقة الجماهير بحسب المراقبين، حين قاطعوا جلسات الحوار التي دعا لها وأجراها اللواء عمر سليمان نائب الرئيس حينذاك، مع أقطاب من قوى المعارضة ومن بينهم جماعة الإخوان المسلمين التي باتت في مواقع الحكم مع مرور الذكرى الثانية للثورة.

يقول القيادي الشاب شادي الغزالي حرب أحد قادة الائتلاف: «في الذكرى الثانية للثورة نستطيع أن نقول إن الثورة لم تنجح.. لقد سرقت وأجهضت على أيدي الإخوان، لذلك نحن لا نزال في مواقعنا القديمة في خندق النضال، نواصل نضالنا من أجل التخلص من النظام.. (نظام مبارك)؛ هذه ليست زلة لسان، فنحن نعتقد أن النظام القديم لا يزال في السلطة وكل ما تغير هو أنه ارتدى عباءة دينية».

وأوضح حرب الذي بدأ في تأسيس حزب جديد بعد انفصاله عن حزب الجبهة الديمقراطية: «ربما نكون في وضع أسوأ مما كان في السابق بعد وضع دستور جديد أكثر سوءا من دستور 1971 الذي حكم به مبارك البلاد طوال العقود الثلاثة الماضية».

وأثار تمرير دستور جديد وضعته جمعية تأسيسية هيمنت عليها أغلبية إسلامية، وانسحبت منها القوى المدنية وممثلو الكنائس الثلاث في البلاد، غضب شباب الثورة والقوى المدنية، ومنحت الحراك الشعبي زخما جديدا بحسب مراقبين.

لكن وضع دستور جديد بدا بالنسبة لـ«إسلام لطفي»، وهو أحد أبرز قادة شباب الثورة، خطوة ضمن خطوات كثيرة تحققت بفضل الثورة، رغم رفضه للدستور، وهو ما يوضحه بقوله: «لكي يمر الدستور كان على جماعة الإخوان أن تبذل جهدا كبيرا لتمريره، ويكفي أن الشعب خرج في استفتاء على الدستور وبات يدرك أن هناك قيمة لمشاركته وأنه قادر على أن يُنجح أو يُسقط.. حالة التكلس التي هيمنت على المصريين انتهت بفضل الثورة وما كنا نسمعه من قبل على لسان رجل الشارع العادي من ترديد لعبارات محفوظة مثل «أصل دي بلدهم (أي بلد النظام الحاكم أيا كان)» لم يعد لها وجود».

وإسلام لطفي هو أحد شباب الإخوان المسلمين المفصولين من الجماعة بسبب إصراره على مخالفة قراراتها بعدم التظاهر ضد المجلس العسكري أثناء الفترة الانتقالية بعد سقوط نظام مبارك. وكان لطفي منسقا لتحرك شباب من جماعة الإخوان في مظاهرات 25 يناير رغم رفض الجماعة المشاركة فيها في البداية.

ويضيف لطفي قائلا: «نحن لا نعتقد أن الثورة حققت أيا من أهدافها، لكن على الأقل يمكن الحديث عن خطوات على الطريق، منها خروج مبارك نفسه من السلطة، ثم إقصاء المجلس العسكري، وانتخاب برلمان حتى وإن تم حله، وهناك أهداف أخرى بالتأكيد لم يتحقق منها شيء كصون الكرامة الإنسانية، وإرساء قيم العدالة الاجتماعية، وإقامة حرية حقيقية».

ويشدد لطفي على أن الخطوات التي قطعت على درب التحول الديمقراطي لم تكن بمعزل عن الشباب.. «بل يمكن القول إنها ما كانت لتتم إلا بجهد الشباب، فكل المعارك التي بدأت ضد مبارك في 25 يناير ثم ضد المجلس العسكري لاحقا وطوال العام ونصف العام الذي سبق انتخابات الرئاسة وتولي الرئيس محمد مرسي السلطة كان بفضل صمود ونضال شباب الثورة الذي أدار باقتدار وبامتياز تلك المرحلة.. لكن نحمد الله أن كل ما تلا ذلك من ارتباك وتخبط خلال الشهور الماضية تم بعيدا عن أي دور للشباب».

ويتفق لطفي وشادي حرب في أن الأزمة الحقيقية بدأت منذ الاستفتاء على التعديلات الدستورية في مارس (آذار) من العام قبل الماضي. يقول لطفي: «انتكاسة جاءت قبل أقل من شهرين من تنحي مبارك، وما تسبب في هذه الانتكاسة الانقسام الذي حدث في استفتاء مارس ومن بعده أخذت كرة الثلج تكبر وهوة الخلاف تتسع حتى وصلنا لحالة الاستقطاب الحاد التي نمر بها الآن».

وكان المجلس العسكري الذي أدار شؤون البلاد منذ 11 فبراير (شباط) 2011، قد كلف لجنة برئاسة المستشار طارق البشري لتعديل دستور 1971، ووضع خارطة للانتقال الديمقراطي وتسليم السلطة للمدنيين، ويعتقد معظم المراقبين أن خارطة الطريق تلك تسببت في تعقيد المشهد السياسي في البلاد.

لا تعفي إسراء عبد الفتاح، وهي أحد أبرز القيادات الشابة، شباب الثورة من المسؤولية، وتقول: «الخلافات التي ظهرت بيننا كانت جزءا من أسباب فشل الثورة وانحرافها عن مسارها، لكن هناك مبررات لتلك الخلافات.. يمكن أن تقول إنها كانت خلافات طبيعية».

ولا تنسى عبد الفتاح التي كانت من أول الداعين إلى العصيان المدني في 6 أبريل عام 2008، أن تصب غضبها على المجلس العسكري، إذ ترى أن أبرز أسباب فشل الثورة سوء إدارة المجلس العسكري للبلاد، وتضع ذلك في خانة الرغبة في الحفاظ على مكتسبات العسكر، بالإضافة لقلة الخبرة أيضا.

تتابع إسراء، وهي عضو مؤسس في حزب الدستور الذي يتزعمه الدكتور محمد البرادعي الأب الروحي لعدد كبير من شباب الثورة: «علينا أن نلاحظ أننا كشباب قاد التغيير لم نكن نرغب في أن نبني بأنفسنا نظاما جديدا؛ فنحن كنا مدركين لقلة خبرتنا، وكنا نأمل في أن تأخذ النخبة المصرية المعارضة لنظام مبارك بأيدينا على هذا الطريق».

في المقابل، يرى لطفي أن النخب المعارضة هي جزء من نظام مبارك، ويقول: «هؤلاء (قادة المعارضة التقليدية) كانوا يعملون معارضة.. هذه كانت وظيفتهم، ورتبوا على أساسها مصالحهم.. لهذا نعتقد أن الجميع استخدم تعبير شباب الثورة وتمكين الشباب لكن لا أحد منهم صادق فيما يقول، ومسألة تمكين الشباب هذه وهم كبير يروجون له من أجل مصالحهم، فالشباب كانوا هدية السماء بالنسبة لهم ومنحوهم قبلة حياة جديدة».

يدلل لطفي على رأيه بالفرص التي أتاحتها الأحزاب للشباب في الانتخابات البرلمانية الماضية، يقول: «لا أحد من هؤلاء منح فرصة للشباب في تصدر القوائم الحزبية باستثناء شاب أو اثنين من شباب الثورة وسوف يتكرر هذا بالضرورة في الانتخابات المقبلة».

لا يعول شادي حرب على المسار الديمقراطي الذي يصفه بـ«الزائف»، يقول: «أعتقد أن قطاعا واسعا من شباب الثورة يرى أنه لا مجال للرهان على الانتخابات.. فالأولية في اللحظة الراهنة هي لإكمال الفعل الثوري حتى تحقيق أهداف الثورة».

يتابع: «إن كان هناك مكسب حقيقي لهذه الثورة فهو أننا كسرنا حاجز الخوف للأبد، ورهاننا هو امتلاك جماهير الشعب للوعي الذي يمكنها من انتزاع حقوقها والحفاظ على هذه المكتسبات.. وهو أمر ليس بعيد المنال خصوصا بعد الزخم الجماهيري الذي شهدناه خلال الشهور الماضية».

يشير حرب إلى المظاهرات التي خرجت في أعقاب إصدار الرئيس مرسي إعلانا دستوريا قبل أكثر من شهرين منح فيه لنفسه سلطات مطلقة، لكنه يتحفظ على أمر واحد، إذ يقول: «هذا الإعلان لم يصدره الرئيس مرسي إنما أصدرته جماعة الإخوان عبر مؤسسة الرئاسة».

ورغم يقينه بأن فرص الشباب في الوصول للبرلمان ضعيفة، يدعو لطفي إلى الحفاظ على مسارين رئيسيين، الحراك الشعبي دون أن يغفل شباب الثورة المسار الديمقراطي عبر آلية صناديق الانتخابات، هذه الآلية تتيح لنا الآن الوصول إلى السلطة وتشكيل الحكومة، لذلك لا يجوز ترك أحد المسارين، لن يفيدنا الشارع فقط كما لن يفيدنا مسار البرلمان فقط.

يتابع: «لا نرغب في تكرار أخطاء الماضي ونسمع مرة أخرى الصراع السخيف الذي احتدم حول ما إذا كانت الشرعية للميدان أم البرلمان، فالشرعية بالنسبة لنا هي للحق وهو أمر لا بد من انتزاعه سواء عبر البرلمان أو الميادين».