القوات الفرنسية تسيطر على تمبكتو.. والمقاتلون الإسلاميون يحرقون مكتبة مخطوطات لا تقدر بثمن

مسؤول في «تحرير أزواد» لـ «الشرق الأوسط»: سيطرنا على كيدال وتنزواتن * قيادي في «العربية الأزوادية» : الحريق «مفبرك» من طرف الحكومة المالية

جنود ماليون لدى توقفهم في مدخل مدينة غاو امس (أ.ب)
TT

فيما يواصل الجيش المالي مدعوما من طرف القوات الخاصة الفرنسية، التقدم نحو المدن في شمال مالي، أعلنت الحركة الوطنية لتحرير أزواد أنها تمكنت من «طرد المقاتلين الإسلاميين من المدن المحاذية للحدود مع الجزائر في أقصى الشمال والشمال الشرقي المالي».

وقال أتاي أغ محمد، مسؤول العلاقات الخارجية في الحركة الوطنية لتحرير أزواد، في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»: «لقد سيطرنا على مدينتي كيدال وتنزواتن، حيث طلبنا صباح أمس ممن بقي من المقاتلين الإسلاميين مغادرة هاتين المدينتين، وبسطنا السيطرة عليهما بعد معارك خفيفة مع بعض المقاتلين الذين رفضوا الاستجابة للطلب».

وأضاف أغ محمد أن «مقاتلي تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي كانوا قد اختفوا منذ مدة من مدينة كيدال وضواحيها»، مشيرا إلى أنهم لجأوا إلى «جبال تغرغرت» الواقعة في منطقة كيدال، غير بعيد من الحدود مع الجزائر.

وأكد أغ محمد أن «معارك أمس الاثنين وقعت مع قلة من المقاتلين لم تكن ترفع رايات، ونعتقد أنها تابعة لجماعة أنصار الدين» التي كانت تتمركز في كيدال، مسقط رأس إياد أغ غالي، زعيم الجماعة؛ ومركز نفوذ قبائل الطوارق وخاصة قبيلة الإيفوغاس، التي يتحدر منها زعماء «أنصار الدين».

وقال أغ محمد: «إننا نرفع إلى علم المجموعة الدولية أننا نسيطر على هاتين المدينتين، وسوف نتوسع في اتجاه بلدة ميناكا، التابعة لمدينة غاو حيث تتمركز قوات فرنسية ومالية وأفريقية منذ عدة أيام، بعد أن خرجت منها جماعة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا».

وفي رده على سؤال لـ«الشرق الأوسط» عن إمكانية التقدم باتجاه مدينة غاو، قال أغ محمد: «في غاو يوجد الفرنسيون والأفارقة ولو كان هناك الجيش المالي لوحده لواجهناه، نحن نريد فقط محاربة الإرهاب، وطرد الإرهابيين من أزواد، ونسعى للتنسيق مع المجموعة الدولية وفرنسا في ذلك».

وسبق للحركة الوطنية لتحرير أزواد، التي تطالب باستقلال إقليم أزواد عن الحكومة المركزية في باماكو، أن أعلنت منذ بداية العملية العسكرية الفرنسية، استعدادها للتنسيق مع القوات الفرنسية لمحاربة الجماعات الإسلامية المسلحة التي كانت تسيطر على شمال مالي منذ قرابة عشرة أشهر.

وفي سياق متصل، أعلن الناطق باسم أركان الجيوش الفرنسية في باريس، أن القوات الفرنسية نفذت أمس (الاثنين) عملية مزدوجة، برية وجوية أنزل خلالها مظليون سيطروا على منافذ مدينة تمبكتو التاريخية، حيث أشار الكولونيل تييري بوركار، في تصريح لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إلى أن القوات الفرنسية والأفريقية أصبحت تسيطر على «حلقة النيجر»، وهي منطقة تقع بين أكبر مدينتين في شمال مالي هما تمبكتو وغاو، وذلك في اليوم الثامن عشر من التدخل العسكري الفرنسي.

وكانت قوات خاصة فرنسية قد مهدت الطريق منذ ثلاثة أيام أمام قوات مالية وأفريقية من أجل السيطرة على غاو، أكبر مدينة في شمال مالي، التي تحولت في الأشهر الماضية إلى أحد معاقل حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا، وكتيبة الملثمين، التي يقودها مختار بلمختار الملقب «بلعور». وأغلقت قوات فرنسية ومالية أمس الاثنين منطقة تمبكتو أحد مواقع التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «يونيسكو» بعدما أحرق مقاتلون إسلاميون فارون عدة مبان في البلدة ومن بينها مكتبة للمخطوطات التي لا تقدر بثمن.

ودون إطلاق رصاصة واحدة لإيقافهم سيطر ألف جندي فرنسي بينهم جنود مظلات و200 جندي مالي على المطار وأحاطوا بالبلدة التاريخية التي تقع عند نهر النيجر سعيا لمنع فرار المقاتلين المتحالفين مع تنظيم القاعدة. وأكد الرئيس المالي ديونكوندا تراوري أمس استعادة القوات المالية والفرنسية السيطرة على مدينة تمبكتو.

وجاء في بيان نشرته الرئاسة المالية على حسابها على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» أن القوات الفرنسية - المالية موجودة الآن في تمبكتو وتقوم بتمشيط المدينة منذ مساء أول من أمس (الأحد).

وقال متحدث باسم الجيش الفرنسي إن القوات الهجومية في تمبكتو حرصت على تجنب القتال داخل البلدة حتى لا تلحق أضرارا بالكنوز الثقافية والمساجد والأضرحة الدينية التي تقام فيها الدروس الدينية.

لكن رئيس بلدية تمبكتو، هال عثمان قال: إن المقاتلين الإسلاميين الفارين أحرقوا مكتبة أقامتها جنوب أفريقيا بالمدينة وتحتوي على آلاف المخطوطات القيمة.

وأضاف لـ«رويترز» عبر الهاتف من باماكو «أشعل المتمردون النيران في معهد أحمد بابا الذي أقامته جنوب أفريقيا حديثا. هذا وقع قبل أربعة أيام».

وأضاف أنه علم بهذا من مسؤول الاتصالات التابع للبلدية، والذي كان قد تحرك صوب الجنوب قبل يوم. ولم يتمكن عثمان على الفور من تحديد مدى الضرر الذي لحق بالمبنى. وذكر رئيس البلدية أن المتمردين الإسلاميين أشعلوا النار أيضا في مكتبه ومنزل أحد أعضاء البرلمان.

من جهته، قال محمد المولود رمضان، مسؤول العلاقات الخارجية في الحركة العربية الأزوادية، في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»، إن «مركز أحمد بابا مليء بالكتب التاريخية والمخطوطات الإسلامية التي كتب أغلبها من طرف علماء عرب، وبالتالي فهي تثبت الوجود التاريخي للعرب في تامبكتو، ونحن نعتبر أن الحريق استهداف واضح لعرب تامبكتو».

وأضاف رمضان، الذي ينحدر من مدينة تامبكتو: «نحن نعتقد أن الحريق واتهام المقاتلين الإسلاميين به عملية مفبركة من طرف الحكومة المالية ومن يوالونها من سكان المنطقة، وذلك من أجل التغطية على جرائم الجيش المالي ضد السكان المحليين»، مؤكدا أن «الإسلاميين لا يمكن أن يحرقوا المركز لأن به مصاحف وكتبا في الشريعة الإسلامية، ولو كانوا يريدون حرقه لفعلوا ذلك عندما هدموا الأضرحة وفتحوا باب القيامة خلال الأشهر التي سيطروا فيها على المدينة».

وأكد محمد المولود رمضان أن «الحريق كان ضخما حيث أتى على جميع أنحاء المركز، وراح معه تاريخ إسلامي وعربي كبير، من ضمنه كتب ألفها الرحالة العربي ابن بطوطة»، قبل أن يضيف قائلا: «نحن ندين هذا العمل بشدة ونطلب من الأمم المتحدة واليونيسكو تشكيل لجنة حرة ومستقلة للتحقيق في أسباب الحريق ومعاقبة المسؤولين عنه».

وتمت تسمية مركز أحمد بابا على أحد أكبر الشخصيات العلمية شهرة في مدينة تامبكتو، حيث ولد أحمد بابا التامبكتي سنة 1556 ميلادية.

ولم تواجه القوات الفرنسية والمالية مقاومة في تمبكتو لكنها واجهت صعوبة في الخوض في متاهة من المساجد القديمة والآثار والمنازل المصنوعة من الطوب اللبن بين الحارات لطرد أي إسلاميين مختبئين.

وقال اللفتاننت تيري بيركار، المتحدث باسم الجيش الفرنسي في باريس «علينا أن نتوخى أقصى درجات الحذر. ولكن بشكل عام فإن العناصر الضرورية في مواقعها لتولي السيطرة».

وقال الحاج بابا حيدرة، وهو عضو برلمان عن تمبكتو لـ«رويترز» في باماكو أن المتمردين الإسلاميين تركوا المدينة. وأضاف «هربوا جميعا. وقبل رحيلهم دمروا بعض المباني من بينها منازل».

واشتهرت تمبكتو التي كانت عاصمة إسلامية ثقافية في أفريقيا في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، بعشرات آلاف المخطوطات التي يعود بعضها إلى ما قبل الإسلام. وكانت في السابق مقصدا للسائحين والدارسين بسبب كنوزها الثقافية.

وفي سياق آخر، من المنتظر أن يصل عدد القوات الأفريقية في مالي إلى ستة آلاف جندي من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا والتشاد، ولكن هذه القوة تتحرك ببطء كبير ويتعطل انتشارها لأسباب تمويل ولوجستية.

وفي هذه الأثناء كان مصدر أمني مالي قد أكد لـ«الصحافة الفرنسية» أن أكبر قياديي الحركات الإسلامية المسلحة وفي مقدمتهم إياد أغ غالي، زعيم أنصار الدين، والجزائري عبد الحميد أبو زيد، أمير كتيبة طارق بن زياد التابعة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي؛ لجأوا إلى جبال كيدال، على مسافة 1500 كلم شمال شرقي العاصمة باماكو.

إلى ذلك، قال متحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أمس أن لندن عرضت على فرنسا تقديم المزيد من المساعدات لعملياتها العسكرية ضد المتمردين الإسلاميين في مالي لكنها لن تقوم بدور قتالي.

وتحدث كاميرون إلى الرئيس الفرنسي مساء أول من أمس بشأن الصراع في مالي. وقدمت بريطانيا بالفعل طائرتي نقل عسكريتين من طراز سي - 17 وطائرة استطلاع من طراز «سنتينل» للعملية.

وقال المتحدث باسم كاميرون «نحن حريصون على مواصلة تقديم مزيد من المساعدات في المجالات التي يمكننا المساعدة فيها وحسب متطلبات فرنسا هناك». وأضاف: «الموقف المتعلق بعدم القيام بدور قتالي لم يتغير على الإطلاق».

وزار مستشار الأمن القومي البريطاني، كيم داروتش باريس أمس لتقييم الاحتياجات العسكرية الفرنسية لكن أي مساعدة بريطانية ستقتصر على الإمداد والتموين والنقل ومعلومات المخابرات والاستطلاع. وترسل بريطانيا أيضا عشرات من جنودها إلى مالي للمشاركة في مهمة الاتحاد الأوروبي لتدريب القوات هناك.