«بورسعيد».. نشيد وطني مصري مزقته كرة القدم

أسسها الخديو سعيد وعزلها مبارك وحاصرها مرسي بالطوارئ

TT

«أمانة عليك أمانة.. يا مسافر بورسعيد.. تبوس لي كل أيد.. حاربت في بورسعيد».. لم تدر المطربة شادية أن أغنيتها الجميلة هذه والتي تحولت إلى نشيد وطني في ذاكرة المصريين، سوف تتصدر المشهد المصري الآن، وأن المدينة الباسلة التي صدت الغزاة عن مصر في حرب 1956، وعانت مرارة العزلة وعدم الرضا في سنوات حكم الرئيس المصري السابق مبارك، سوف يحاصرها الرئيس مرسي مجددا بفرض حالة الطوارئ عليها، عقابا على جريمة شاءت الأقدار أن تكون مسرحا لها، وامتدت الطوارئ التي بدأت من أمس لتشمل شقيقتيها الساحلتين مدينتي «السويس» و«الإسماعيلية». ويقول النائب البرلماني السابق عن بورسعيد، البدري فرغلي، إن فرض الطوارئ وحظر التجول على مدن القناة «يحولها إلى سجن كبير».

بينما تنطلق صباح اليوم من العاصمة القاهرة حملات شعبية يشارك فيها ناشطون سياسيون وفنانون ورجال إعلام ومثقفون وشباب لزيارة بورسعيد والتضامن مع شعبها وكسر حالة الحصار المفروض عليها بقوة الطوارئ، تستعيد لوحة بورسعيد من فوق أرصفة التاريخ خطوطها ومحطاتها المضيئة، فتذكر أن الخديو سعيد حاكم مصر، عندما فكر في إنشاء مدينة تخلد اسمه، اختار عام 1859 موقعا مميزا شمال شرقي القاهرة يطل على البحر المتوسط، ليبدأ من عنده حفر قناة السويس التي ربطت البحرين الأحمر بالمتوسط، وأطلق عليها اسم «بورسعيد» وهو تحريف لكلمة إنجليزية تعني «ميناء سعيد». ومنذ تأسيسها، امتازت بورسعيد بالهدوء والرخاء وعمل أغلبية سكانها بالصيد نظرا لاتساع شواطئها، والتجارة وخدمة السفن العابرة في قناة السويس التي تعد بورسعيد مدخلها الشمالي. ويظهر اسم بورسعيد لامعا في التاريخ المصري الحديث، مقرونا بالعدوان الثلاثي على مصر عام 1956، إذ لعبت بورسعيد وأبناؤها دورا رئيسيا في صد العدوان، ومثل يوم 23 ديسمبر (كانون أول) عام 1956 عيدا للنصر. ويشير النائب السابق فرغلي إلى أن ما تتعرض له بورسعيد لم تفعله قوات الاحتلال الإنجليزي التي فرضت حظر التجول لفترة محدودة. وبعد انتصار الجيش المصري في حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، كافأ الرئيس الراحل أنور السادات المدينة وأهلها بتحويلها إلى منطقة تجارية حرة، تتمتع بتخفيضات جمركية استثنائية على السلع الواردة من الخارج، لتصبح بورسعيد ثالث مدينة اقتصادية في مصر بعد القاهرة والإسكندرية. وظلت المدينة تعيش أزهى عصورها حتى جاء شهر سبتمبر (أيلول) 1999، عندما زار الرئيس السابق حسنى مبارك المدينة وتعرض لمحاولة اغتيال على يد أحد أبنائها، بحسب ما قالت أجهزة الأمن في ذلك الوقت، على الرغم من أن الأهالي قالوا إنه شخص بسيط كان يريد تقديم طلب لمبارك إلا أن الحرس أطلق عليه الرصاص ليرديه قتيلا. وبعد ذلك الحادث قرر مبارك إلغاء المنطقة الحرة فيما وصف بأنه عقاب لأهالي بورسعيد عقب الحادث، الأمر الذي أدى إلى أزمة اقتصادية كبيرة طالت الكثير من أبناء المحافظة.

وبدت ثورة 25 من يناير لأهالي المدينة الذين لا يتجاوز عددهم 650 ألف نسمة، كطوق نجاة لهم بعد معاناة 12 عاما، إلا أن ما حملته أحداث الثورة زاد من ألمهم ومعاناتهم. ففي الأول من فبراير (شباط) 2012، شهدت مباراة في كرة القدم بين فريقي المصري البورسعيدي والأهلي القاهري أقيمت في استاد بورسعيد أحداثا دامية، أطلق عليها إعلاميا «مذبحة بورسعيد»، إذ عقب إطلاق الحكم صافرة النهاية معلنا فوز المصري بنتيجة (3 – 1) اندفع المئات من مشجعي النادي المصري صوب مدرجات النادي الأهلي، لتقع أعمال عنف، لقي على إثرها 72 من مشجعي النادي الأهلي مصرعهم وسط حالة من الانفلات الأمني، لتزداد عزلة المدينة بعدها، ومعاناة أهلها. وأول من أمس قررت محكمة جنايات بورسعيد إحالة أوراق 21 متهما في القضية إلى مفتي الديار، لاستطلاع الرأي الشرعي لإعدامهم، بعد إدانتهم بقتل مشجعي النادي الأهلي، لتشهد بورسعيد حالة من الانفلات الأمني ومهاجمة مقار شرطية وحكومية في المدينة، ليسقط على إثر ذلك 31 قتيلا، ومئات المصابين. وخلال تشييع جنازة الضحايا أمس لقي شخص مصرعه وأصيب أكثر من 400 آخرين في اشتباكات بين الشرطة ومشيعي الجنازة التي شارك فيها عشرات الآلاف من أبناء بورسعيد. وهو ما يعمق جراح المدينة.

وأصاب قرار فرض الحظر والتجول على مدن القناة قطاعا من أبناء تلك المدن بالصدمة. ويقول البدري فرغلي: مصدوم من القرار.. هذا يجعلنا عبيدا للطوارئ وحظر التجول لمدة شهر كامل، وهو أمر غير مسبوق.