لافروف: موسكو لم تكن يوما معجبة بنظام الأسد

أوباما يدرس عواقب التدخل العسكري رغم منع إسرائيل من القيام بعملية محدودة في سوريا

عنصر من الجيش السوري الحر يصوب سلاحه نحو القوات النظامية خلال الاشتباكات الجارية حول مطار منغ العسكري بريف حلب (رويترز)
TT

عادت موسكو إلى المناورات الدبلوماسية والتلاعب بالتعبيرات التي تحاول من خلالها إقناع المجتمع الدولي بأنها لم تكن يوما داعمة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد أو مؤيدة لتوجهاته، في الوقت الذي تدرس فيه الإدارة الأميركية بميزان حساس مكاسب أو خسائر التدخل عسكريا في سوريا؛ رغم ما كشفته مصادر إسرائيلية أمس أن الولايات المتحدة منعت تل أبيب من «القيام بعملية عسكرية محدودة»، تهدف إلى منع تسرب الأسلحة الكيماوية إلى تنظيمات «متطرفة».

وقال سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسية في ختام مباحثاته مع نظيره البلجيكي ديديه ريندرس أمس في موسكو: «نحن لم نكن معجبين يوما بهذا النظام (السوري).. ولم نسانده أبدا». وذلك بعد يوم من تصريحات لرئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف قال فيها أيضا إن بلاده «لا تؤيد الأسد ومعارضيه»، مشيرا كذلك إلى أنه «يبدو أن فرص الأسد في البقاء تتضاءل يوما بعد يوم».

ومن اللافت أن كل هذه التصريحات جاءت مواكبة لأخرى مماثلة صدرت عن ديمتري بيسكوف الناطق الرسمي باسم الكرملين في حديثه إلى صحيفة «ناشيونال إنترست» الأميركية قال فيها إن «القيادة الروسية ترى أنه من الضروري أن يقوم جميع المتنازعين بمن فيهم الرئيس الأسد والمعارضون، بتقرير مصير سوريا»، لكنه في ذات الوقت أشار إلى ارتياح بلاده لما طرحه الأسد من أفكار للخروج من الأزمة: «نعتقد أن الخطة التي اقترحها الرئيس الأسد تمثل امتدادا لاتفاقات جنيف وتستطيع أن تشكل أساسا جيدا للمحاولات اللاحقة لحل هذه المشكلة». فيما قال لافروف إن بلاده «تعارض بصورة قطعية أن يمد هذا الطرف أو ذاك المعارضة أو أي طرف سوري آخر بالسلاح.. ويجب التوقف».

وعلى الجانب الآخر، ظهر الرئيس الأميركي في مقابلتين صحافيتين بعد زيادة الانتقادات لصمت الولايات المتحدة حول ما يحدث في سوريا، وقال في مقابلة مع مجلة «نيو ريبيبليك»: «في وضع كسوريا.. علي أن أسأل هل يمكن أن يؤدي (التدخل الأميركي) إلى أعمال عنف أكثر أو إلى استخدام أسلحة كيماوية؟ ما الشيء الذي يوفر أفضل احتمال لنظام مستقر بعد الأسد؟ كيف سيؤثر ذلك على قدرتنا على دعم قواتنا التي لا تزال منتشرة في أفغانستان؟ كيف أقارن بين عشرات الآلاف الذين قتلوا في سوريا وعشرات الآلاف الذين يقتلون الآن في الكونغو؟»، وأضاف: «هذه ليست أسئلة بسيطة».

وأوضح أوباما أن عليه أن يوازن بين فائدة التدخل العسكري وقدرة وزارة الدفاع الأميركية على دعم القوات التي ما زالت موجودة في أفغانستان، حيث بدأت الولايات المتحدة سحب القوات المقاتلة بعد 12 عاما من الحرب، مشيرا إلى أن عليه اتخاذ قرارات عادلة، وأن يتمكن في نهاية ولايته الثانية من النظر إلى الوراء والقول: إنه اتخذ قرارات صائبة أكثر من قرارات خاطئة.

وفي مقابلة مع برنامج 60 دقيقة على قناة «سي بي إس» رد أوباما بغضب عندما طلب منه التعليق على انتقادات بأن الولايات المتحدة أحجمت عن المشاركة في قضايا تتعلق بالسياسة الخارجية مثل الأزمة السورية. وقال: إن «سوريا مثال كلاسيكي عندما نقيم مشاركتنا، ونحن نريد أن نتأكد من أن ذلك (التدخل) لا يعزز فقط أمن الولايات المتحدة، لكن أيضا أننا نقوم بالشيء الصحيح للسوريين ولجيران سوريا، مثل إسرائيل التي سوف تتأثر بعمق». وأضاف: «لن يستفيد أحد عندما نتعجل في خطواتنا ونقدم على شيء دون أن ندرس بشكل كامل كل عواقبه». وأضاف: «في بعض الأحيان، كما تعلمون، سيكون هناك عواقب غير مقصودة». وقد شاركت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في برنامج 60 دقيقة مع الرئيس أوباما، ووصفت الوضع في سوريا بأنه «مشكلة فظيعة». وأوضحت أنه لا يوجد مخطط واضح لتدخل الولايات المتحدة في سوريا.

وتأتي تصريحات أوباما بالتزامن مع ما كشفته مصادر إسرائيلية أمس أن الولايات المتحدة منعت إسرائيل من القيام بعملية عسكرية محدودة في سوريا في الآونة الأخيرة، هدفها المعلن هو «منع تسرب الأسلحة الكيماوية وأسلحة متطورة أخرى مثل الصواريخ بعيدة المدى والصواريخ المضادة للطائرات، تمتلكها بكميات كبيرة إلى تنظيمات إسلامية متطرفة مثل حزب الله وجبهة النصرة».

وقال موقع «واللا»، التابع لصحيفة «هآرتس» أمس إن الأميركيين أوضحوا لإسرائيل أنهم يشاطرونها القلق نفسه إزاء تسرب الأسلحة الكيماوية لتلك القوى الخطيرة، فضلا عن أنهم قلقون من أن يستخدم نظام بشار الأسد هذه الأسلحة ضد شعبه. وأنهم وضعوا خطة عسكرية متكاملة بالاشتراك مع قوى إقليمية لمعالجة هذا الموضوع بشكل جذري، ولا حاجة لأن تتدخل إسرائيل في الموضوع.

وجاء هذا النشر في وقت ظهر فيه حراك إسرائيلي واسع في إسرائيل حول الموضوع السوري. فقد شوهدت، أمس، حركة نشطة جدا للطائرات الحربية الإسرائيلية المقاتلة فوق سماء هضبة الجولان والحدود مع لبنان، يوازيها حراك لسلاح البحرية الإسرائيلي في البحر الأبيض المتوسط، وحراك للآليات العسكرية البرية على طول الحدود مع سوريا ولبنان. ومنذ يوم الأربعاء الماضي، تشهد أروقة الحكومة الإسرائيلية سلسلة اجتماعات يومية بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يشارك فيها قادة الجيش والمخابرات وعدد من الوزراء، بينهم موشيه يعلون وزير الشؤون الاستراتيجية، وآفي ديختر وزير الجبهة الداخلية، الذي حل محل إيهود باراك في وزارة الدفاع بسبب مشاركته في مؤتمر دافوس الاقتصادي في سويسرا. وفي يوم الجمعة طلب نتنياهو من باراك أن يقطع زيارته؛ فعاد فورا إلى تل أبيب ويدير إلى جانب نتنياهو هذا الملف.

وبطلب من نتنياهو، حضر السفير الأميركي في تل أبيب، دان شبيرو، إلى مقر رئاسة الحكومة لجلسة تباحث مطولة. فأخبره فيها عن «القلق الإسرائيلي الشديد إزاء التطورات في سوريا». ومما تسرب أن نتنياهو قال: إن هناك تقديرات عالية تفيد بأن نظام الأسد على شفا الانهيار، وقد يلجأ إلى خطوات مغامرة أو يائسة.. وإسرائيل تلاحظ أن قوات مسلحة من المعارضة السورية تقترب من مخازن الأسلحة الكيماوية في حلب، وأن لديه معلومات عن «معارك قاسية تدور بين الجيش السوري النظامي والجيش السوري الحر على مقربة من مستودعات الأسلحة الكيماوية في جوار مدينة حلب ومدينة دمشق». وبعد الاجتماع قال شبيرو إن هناك تنسيقا تاما بين إسرائيل والولايات المتحدة في الموضوع السوري.

والتقى نتنياهو أمس وفدا من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي برئاسة النائب روب ويتمان. وقال لهم في مستهل اللقاء: «لدينا تعاون وطيد في شتى المجالات بما فيها الأوضاع المتطورة في سوريا. إن هذا هو تعاون وثيق بين حكومتينا وأنا أؤمن أن هذا مهم للاستقرار في المنطقة ولأمن إسرائيل ويحظى بتقدير كبير». وقال نائب الكونغرس ويتمان: «نقدر جدا العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل. وعلى ضوء التحديات الإقليمية التي تطرقتم إليها، إننا ملتزمون بالتواجد هنا من أجل إدراك التحديات لنرى كيف نستطيع أن نساعد إسرائيل في التعامل معها، والتأكد من أن المنطقة ستواصل العمل من أجل مصالح الجميع».

وأرسل نتنياهو كبير مستشاريه، رئيس مجلس الأمن القومي في ديوان رئيس الوزراء يعقوب عميدرور، إلى موسكو لكي يلتقي المسؤولين الروس ويبلغهم بالقلق الإسرائيلي. ومن المتوقع أن يكون التقى نظيره الروسي نيكولاي بتروشييف، ووزير الخارجية سيرغي لافروف.

وصرح وزير الشؤون الاستراتيجية، نائب رئيس الحكومة الإسرائيلية، موشي يعلون للإذاعة العسكرية صباح أمس قائلا إن «إسرائيل تراقب تطورات الوضع في سوريا عن كثب. لسنا وحيدين في هذا، الدول العظمى ودول إقليمية كذلك تتابع الوضع»، وأضاف أن «عدم الاستقرار في سوريا ينتشر يوما بعد يوم، إذ يفقد بشار الأسد سيطرته على البلاد». وتابع يعلون «قلقنا طبعا يتعلق بمصير الأسلحة الكيماوية والاستراتيجية الموجودة في سوريا». وحين سئل الوزير، الذي يعتبر أحد المرشحين الأقوياء لأن يكون وزير الدفاع القادم في إسرائيل، عن إمكانية ضربة عسكرية إسرائيلية لمواقع الأسلحة الكيماوية في سوريا أجاب أن إسرائيل «تتصرف حين تشعر أنها مهددة. لكننا غير معنيين بالتدخل في سوريا».

وذكر موقع «واللا» أن الإدارة الأميركية عقدت جولة مشاورات مع دول الجوار لسوريا، وتقوم بالتنسيق مع الأردن وإسرائيل وتركيا في هذا الشأن. وجاء أن الولايات المتحدة تملك خططا حربية لمواجهة سيناريوهات وقوع الأسلحة الكيماوية في أيد غير مسؤولة.

وعلى صعيد ذو صلة، دعا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الدبلوماسيين الأجانب إلى «التعليق بلباقة أكثر حول الموقف الروسي من الأزمة السورية»، في إشارة إلى ما قالته فيكتوريا نولاند الناطقة الرسمية باسم الخارجية الأميركية حول هذا الشأن. وقال: «عندما ساعدنا مؤخرا المواطنين الروس المقيمين في سوريا بناء على طلبهم، ومعظمهم من النساء، في السفر إلى روسيا على متن طائرات وزارة الطوارئ الروسية، سمعت مجددا تعليقات من الناطقة باسم الخارجية الأميركية التي قالت: إنها ترى في هذا الحدث دليلا على أن روسيا خاب أملها في النظام السوري بشار وتوقفت عن مساندته».. و«آمل في أن يعلق الزملاء في البلدان الأخرى بطريقة أكثر لباقة على ما يجري في سوريا من وجهة نظر أفعال روسيا».