إجماع في باريس على دعم الائتلاف السوري المعارض

ليكون بديلا عن النظام والفوضى على السواء

TT

اهتم «الاجتماع الدولي لدعم التحالف الوطني السوري» أمس بتقييم وضع المعارضة السورية، وذلك في حضور ما يزيد على خمسين دولة ومنظمة، وشارك فيه الائتلاف ممثلا بثلاثة من نواب رئيسه، هم رياض سيف وجورج صبرا وتيسير الأتاسي.

الخلاصة التي أفضت إليها أشغال المؤتمر - الذي افتتحه وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس - تحظى بتوافق وتفاهم واسعين بين المجتمعين، بمن فيهم ممثلو المعارضة الحاضرون، وهي كالتالي: ما بين بقاء نظام الأسد الدموي وشمول الفوضى وسيطرة الجهاديين والمتطرفين.. فإن الخلاص يكمن في دعم الائتلاف وتمكينه من الحضور والتأثير في الداخل ومساعدته على اكتساب شرعيته ميدانيا. ووفر الاجتماع الفرصة لمناقشة جميع القضايا المرتبطة بالوضع السوري، بما فيها تشكيل حكومة مؤقتة وشروط ذلك وحقيقة حضور الكتائب الجهادية.

وقرع فابيوس منذ بدء الاجتماع ناقوس الخطر محذرا من «تفكك الدولة والمجتمع في سوريا»، والخوف هو أن تفرض المجموعات المتطرفة هيمنتها ميدانيا، ولذا يتعين علينا ألا ندع الثورة التي بدأت احتجاجات سلمية وديمقراطية أن تتحول إلى منازعات بين ميليشيات، إذ في ذلك مصلحة السوريين ومصلحتنا جميعا. ودعا فابيوس إلى تنفيذ الوعود التي أغدقت على المعارضة في اجتماع مراكش في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، والتي بلغت 145 مليون دولار. وبنتيجة ذلك، يرى فابيوس أن «الأمر الحاسم» هو أن يبين الائتلاف «كل يوم أنه يقف إلى جانب الشعب للاستجابة لحاجاته الأساسية، وأنه يجسد وعد قيام سوريا متصالحة مع ذاتها».

وذكرت مصادر فرنسية واكبت اجتماع أمس أن العمل انصب أمس على «تحضير البديل عن النظام، وعن خطر انتشار الفوضى والتطرف عبر إقامة معارضة منظمة وقادرة على القيام بعدد من الوظائف الأساسية».

ولأن المؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين، فإن ممثلي المعارضة كانوا واضحين - إن داخل الاجتماع أو خارجه - لجهة التعبير عن «الخيبة» من الوعود التي لا تنفذ. وقال رياض سيف إن «أبناء سوريا غاضبون من هذا الصمت الدولي» ويعتقدون أن هناك مؤامرة تحاك ضدهم. وسرد سيف مجموعة أرقام تبين حقيقة القمع الأعمى إذ سقط 64 ألف شهيد «بينهم 1400 تحت التعذيب» و140 ألف جريح بينما هناك 60 ألف مفقود و140 ألف معتقل و720 ألف لاجئ مسجل ومليوني مشرد و4 ملايين بحاجة لمساعدة. وبرأيه أن استمرار الوضع على حاله «سيجلب الكوارث على العالم»، ولذا «فلا بديل عن التخلص من الرئيس المجرم وقيام سلطة أخرى مكانه.. ولكن هذا الأمر يفترض أن تكون لدينا الإمكانات للإغاثة والدعم السياسي».

ويضيف جورج صبرا أن ما تحتاجه المعارضة هو «السلاح والسلاح والسلاح»، وشدد سيف على المطالبة «بما يمكننا من الدفاع عن أنفسنا إذ على الرغم من أن موازين القوى اليوم لصالح المعارضة إلا أنها غير قادرة على الحسم عسكريا»، إلا إذا حصلت على الأسلحة المضادة للطيران وضد الدروع.. وهذا حقنا الشرعي وعندها سيكون النصر قريبا. وطالب سيف بوضع حد للحظر «الظالم» على تصدير السلاح للمعارضة.

وتراهن المعارضة على عودة الاتحاد الأوروبي عن الحظر المفروض على السلاح إلى سوريا كمنطقة جغرافية. وسيعاد النظر به نهاية شهر فبراير (شباط) المقبل. غير أن مصادر واسعة الإطلاع قالت لـ«الشرق الأوسط» أمس إنه «من غير المؤكد أن يرفع الأوروبيون الحظر» على الرغم من مطالبة فرنسا وبريطانيا وبلدان أخرى بهذا الأمر الذي يفترض إقراره بالإجماع.

وفي موضوع الحكومة المؤقتة التي يطالب الكثير من الدول وعلى رأسهم فرنسا بتشكيلها، وضع سيف شرطين للقيام بذلك. وهما ضرورة أن تقوم داخل الأراضي السورية المحررة وتوفير مناطق آمنة لحمايتها من طيران الأسد من جهة، وتوافر «ميزانية بالمليارات» من جهة أخرى. والحال أن هذين الشرطين غير متوافرين اليوم. غير أن مصادر شاركت في اجتماع الأمس أفادت وجود «توترات» داخل صفوف الائتلاف بخصوص موضوع الحكومة، وعن الحاجة إلى «إعادة ترتيب الأوضاع الداخلية» للمحافظة على صدقيته وعلى قدرته أن يكون بديلا عن الأسد. وكشفت هذه المصادر عن «جهود» تبذلها البلدان المشاركة لمساعدة المعارضة على إعادة تنظيم صفوفها بما في ذلك البحث في مشروع تشكيل الحكومة العتيدة.

وأشادت هذه المصادر بـ«الأجواء الممتازة» التي سادت الاجتماع، ورغبة المجتمعين في «مواكبة» عملية تنظيم الائتلاف. وأعلنت مجموعة من الدول عن «مساهمات مالية جدية» أو «التزامات حقيقية»، مع التشديد على أنها «لا يجب أن تكون مقصورة على منطقة بنفسها»، في إشارة إلى البلدان العربية خصوصا الخليجية. غير أن أرقاما محددة لم تصدر عن الاجتماع. ونقل عن أحد قادة الائتلاف أن للمعارضة الموارد التشغيلية الكافية «لعدة أشهر». وعرضت بلدان أخرى تسهيلات ومساعدات لتشغيل مكاتب الائتلاف في الخارج فضلا عن توفير «الخبرات».

وحول موضوع «الجهاديين» المتهمين بأنهم خطفوا الثورة في سوريا لصالحهم، ردت المصادر الفرنسية بالقول إنهم «لا يشكلون سوى 10 في المائة من مجموع المقاتلين.. لكنهم يعرفون أن يثيروا الضجيج حولهم». وبحسب ما أفادت به، فإن 150 ألف سوري حملوا السلاح ضد النظام.

وردا على تصريحات رئيس الوزراء الروسي الذي اعتبر أن حظوظ الأسد في البقاء في السلطة ضعيفة وأنه ارتكب مجموعة من الأخطاء المميتة، قال فابيوس إن هذه التصريحات «تذهب في الاتجاه الصحيح»، معربا عن الأمل بأن تتبعها «الأفعال». وقال رياض سيف، بشأن الموضوع نفسه، إن المعارضة التي كانت في موسكو قبل أسبوعين «لا تقبل أن تقف روسيا في الجانب الخطأ»، وتتمنى بعد تصريحات ميدفيديف أن تنتقل إلى «الجانب الصحيح». ولطمأنة موسكو، أعلن سيف أن الهواجس الروسية لجهة الفوضى والتطرف والإرهاب هي أيضا هواجس المعارضة؛ التي تعمل بكل طاقتها لتفاديها.