مآسي طالبان تربط بين فتيات من شطري العالم

مولانا فضل الله يلاحقه الجواسيس على الأرض والطائرات من دون طيار في الجو

الناشطة الباكستانية ملالا يوسف إحدى ضحايا الملا فضل الله قائد طالبان («الشرق الأوسط»)
TT

كانت ديسمبر ستيتس قد بلغت لتوها سن الثامنة عشرة عندما وصل عدد من الجنود إلى منزل عائلتها في ولاية كارولينا الشمالية قبل ثماني سنوات برسالة قلبت حياتها رأسا على عقب، تقول إن والدها الرقيب في الجيش، مارك ستيتس جونيور، 39 عاما، قتل في انفجار سيارة خارج مدرسة للفتيات شمال غربي باكستان.

وتقول ديسمبر ستيتس، التي تذكر ضمها لوالدتها التي بكت بين ذراعيها «أردت أن أبكي، لكني كنت مصدومة».

وخلال الفوضى التي تلي أغلب هذه الهجمات، يصعب في العادة تحديد الشخص أو الجماعة المسؤولة عن هذه العملية. لكن ضباط الاستخبارات الأميركية تأكدوا من ذلك مؤخرا، عندما ألقوا بمسؤولية تفجير المدرسة في عام 2010 والذي راح ضحيته ستيتس وعنصران آخران في القوات الخاصة على القائد الإقليمي لطالبان باكستان، ذي اللحية الكثة، مولانا فضل الله.

عُرف فضل الله بقتل وتشويه فتيات المدارس في إطار حملة شرسة لفرض حكم طالبان على باكستان. كما يقف أيضا خلف محاولة اغتيال ملالا يوسف زاي ابنة الخامسة عشرة، التي كانت تدافع عن تعليم الفتيات الباكستانيات والتي عاشت في نفس المنطقة الحدودية حيث وقع انفجار المدرسة التي قتل خلالها جنود أميركيون وثلاث فتيات باكستانيات.

الرابط بين أحداث العنف يلقي الضوء على الحزن الذي يمكن أن يسببه إرهابي واحد لأفراد في عدة دول. فقد انقلبت حياة ديسمبر ستيتس وأربع فتيات أخريات، تعيش غالبيتهن بالقرب من قاعدة براغ بولاية كارولينا الشمالية، حيث كان يعمل آباؤهن.

وفي الشطر الآخر من العالم تعرضت ملالا لإطلاق النار في الرأس وتركت لتصارع الموت هي واثنتان من زميلاتها. أما الناجيات من حادث تفجير المدرسة مثل سارا علي، 14 عاما، التي أصيبت بإصابات خطيرة في الظهر، فيسيطر عليها الخوف من احتمالية وقوع حادث آخر.

وكان مسؤولون باكستانيون قد شكوا لسنوات، تكررت في أعقاب الهجوم على ملالا، من ضعف الجهود الأميركية في وقف فضل الله. لكن ذلك تغير، حيث أكد مسؤول بارز في قيادة عمليات القوات الخاصة مؤخرا أن فضل الله يمثل أولوية - فتلاحقه الجواسيس على الأرض والطائرات من دون طيار في الجو.

وقع الحادث في الثالث من فبراير (شباط) 2010 والذي كان المفترض أن يكون يوم احتفال في قرية شاهي كوتو في مقاطعة لوير دير شمال غربي باكستان، حيث أعيد بناء مدرسة القرية بهبات أميركية ودولية بعد تفجيرها على يد متطرفين يعارضون تعليم الفتيات. كانت شخصيات أميركية وباكستانية بارزة في طريقها لافتتاح المدرسة، وكانت أروقتها وفصولها تمتلئ بالنشاط.

قبل الحادية عشرة مساء، وأثناء اقتراب المركبة المدرعة التي تحمل والد ديسمبر ستيتس وأربعة من رجال القوات الخاصة، في قافلة من شاحنات الأمن الباكستانية انفجرت القنبلة، وراح ضحية الانفجار ثلاث طالبات وإصابة 100 طالبة ومعلمة، بعضهن ظللن تحت الركام والصلب لساعات. فجرت القنبلة حوائط ساحة المدرسة، وحولت الفصول التي تم تجديدها إلى حصي وسيارات مهشمة وأكوام من الحطام.

قتل خلال الانفجار ستيتس والرقيب ماثيو سلوس تيلر، 35 عاما، والرقيب، ديفيد هارتمان، 27 عاما، وأصيب خلاله عنصران آخران في القوات الخاصة بإصابات بليغة.

كان الجيش الباكستاني قد عزز مؤخرا من وجوده العسكري في وادي سوات للقضاء على نفوذ فضل الله في المنطقة، والذي شن حملة وحشية استمرت سنوات قام خلال بقطع الرؤوس وإعدام المدنيين والجيش والشرطة الباكستانية. لكن القائد الطالباني تمكن من الفرار. ولم يلق فضل الله الكثير من الاهتمام الإعلامي خارج باكستان حتى أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عندما أطلق مسلح النار على حافلة تقل فتيات إلى منزلهن من المدرسة في منغورا، أكبر مدن وادي سوات. عندما صاح على ملالا التي حققت قدرا كبيرا من الشهرة عن دورها كناشطة في مجال تعليم الفتيات وفتح عليها النار. نجت ملالا بأعجوبة من الموت، وتركت مستشفى برمنغهام وستلحق بعائلتها التي انتقلت إلى بريطانيا.

محاولة اغتيال الفتاة البالغة من العمر 15 عاما جعلت عناوين الأخبار حول العالم تلفت الانتباه إلى الصعوبات التي تواجه تعليم الفتيات في أنحاء باكستان. ولم يلق تأثير فضل الله على حياة الشابات في الولايات المتحدة اللاتي تغيرت حياتهن بفقد آبائهن اهتماما يذكر.

من بين هؤلاء سلوس تيلر، ستيتس وهارتمان الأب لخمس فتيات وشاب. وككل أبناء جنود القوات الأميركية الأخرى الذين قتلوا خلال العمليات أثناء السنوات العشر الماضية، ناضل هؤلاء الأطفال وأمهاتهم للتعامل مع خسائرهم. وقد أصيب البعض باكتئاب شديد، بحسب أربعة أقارب أجريت معهم لقاءات مؤخرا.

انتقلت زوجة ستيتس من منزلها القريب من قاعدة فورت براغ إلى لاس فيغاس لبعض الوقت العام الماضي. وقالت إنها تأمل في أن يمنحها عدم رؤيتها لرجال الجيش بشكل متكرر أمام عينيها بعض الراحة.

وقالت: «لقد ساعدني الابتعاد على الشعور بالتحسن. لم أعد أجلس في غرفتي طوال اليوم لأشاهد التلفزيون».

أثناء أعياد الكريسماس انتقلت هي وديسمبر إلى كارولينا الشمالية وعاشت هي وابنتيها الأخريين اللتين كانتا تعيشان في منزل العائلة بالقرب من قاعدة الجيش. وفي الرابع من يناير (كانون الثاني) الذي يوافق ذكرى ميلاد ستيتس، احتفلت العائلة بالقيام برحلة إلى مطعمه المكسيكي المفضل. وقال نينا ستيتس: «لم يكن الأمر سهلا علينا جميعا، علينا أن نحاول العيش في وضعنا الجديد».

في نصف الكرة الآخر، كانت حياة ضحايا فضل الله أقل أملا.

أعيد بناء المدرسة المؤلفة من عشرة فصول، عدا شيء واحد فقط وهو حائطها الحدودي، التي يقول طلابها ومدرسوها إنها ستوفر نوعا من الدفاع ضد هجوم آخر. في كل يوم يخشون الحديث بشأن التفجير. والبعض يخشى من عقاب طالبان والبعض متردد في إثارة ذكريات مؤلمة.

وتقول سارة علي، الطالبة في الصف التاسع: «قد يحدث تفجير في أي وقت». وعلى الرغم من سحب أولياء أمور الفتيات الأخرى لأطفالهم من المدرسة خوفا عليهم، قالت سارة إن والديها شجعاها على استئناف الدراسة بعد شفائها.

وقالت الفتاة التي ترتدي الزي المدرسي وتغطي وجهها بالشاول الأسود إنها لا تزال تعيش في خوف: «أنا أخشى الظلام وأحيانا ما تراودني أحلام مروعة في الظلام».

* خدمة «واشنطن بوست»