الحكومة السورية تطلع المجتمع الدولي على خطواتها لتنفيذ برنامج الأسد السياسي لحل الأزمة

مراقبون: القطار والوقت فاتا الرئيس السوري وطروحاته متأخرة

TT

أعلنت وزارة الخارجية والمغتربين السورية في رسالتين متطابقتين وجهتهما إلى رئيس مجلس الأمن الدولي، والأمين العام للأمم المتحدة، حول الخطوات التي تقوم بها الحكومة السورية لتنفيذ البرنامج السياسي الذي أطلقه الرئيس السوري بشار الأسد، أن الخطاب الذي ألقاه الأخير بتاريخ 6 يناير (كانون الثاني) 2013 في دار الأوبرا حول الأزمة التي تمر بها سوريا «فتح الباب واسعا أمام حل سياسي لهذه الأزمة»، واعتبرت أن الخطاب «يقدم أرضية واقعية للحل ويعكس العناصر الأساسية التي يجب أن يستند إليها أي حل لما يجري في سوريا».

وأكدت الخارجية السورية في رسالتيها، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الرسمية (سانا)، أن «الدولة السورية أصبحت الآن خلية للعمل على تحقيق البرنامج السياسي على أرض الواقع وستوافي مجلس الأمن خلال الأيام المقبلة بمعلومات عن الإجراءات الأخرى التي سيتم اتخاذها»، موضحة أن «سوريا تتوقع من المجتمع الدولي والأمم المتحدة المساعدة على تفهم هذا البرنامج أولا والجهود التي تقوم بها الحكومة لتنفيذه والمساعدة على ذلك دونما أحكام مسبقة، لما فيه مصلحة الاستقرار في سوريا والحفاظ على الأمن والسلم في منطقة الشرق الأوسط والعالم».

وذكرت الخارجية السورية في رسالتيها أن الأسد «كلف الحكومة السورية وضع الآليات والخطوات التنفيذية للبرنامج السياسي لحل هذه الأزمة، حيث تم تشكيل فريق عمل وزاري برئاسة رئيس مجلس الوزراء وعضوية ثمانية وزراء معنيين بالحوار الوطني والمصالحة الوطنية والجوانب الإنسانية، كما كلف رئيس مجلس الوزراء الجهات الحكومية المتخصصة عقد اجتماعات مكثفة لتسريع إنجاز الخطط الإسعافية اللازمة لمعالجة الآثار الناجمة عن الأحداث، ولا سيما تلك الناجمة عن عمليات التخريب الإرهابية للمرافق وإعادة تأهيل البنى التحتية في قطاعي الطاقة والمياه، وتوفير المواد الاستهلاكية، وضبط الوضع الاقتصادي، واتخاذ القرارات المناسبة لمساعدة المتضررين من الأحداث والتعويض عليهم، ومعالجة أوضاع المهجرين في الداخل والخارج».

وفي تعليق على مضمون برنامج الأسد الإصلاحي، قال أستاذ العلاقات الدولية في جامعة «باريس الجنوب» الدكتور خطار أبو دياب لـ«الشرق الأوسط»، إنه «لو تم تطبيق الكلام عن الإصلاح مع بداية التحركات الاحتجاجية في دمشق ودرعا تحديدا، وإن جزئيا، ولو طرح الأسد هذا الانفتاح الوهمي خلال الأشهر الأولى، لكان من الممكن التجاوب معه»، مذكرا بأن «النظام السوري منذ بداية الأزمة تعمق في الإنكار، ووصل به الأمر إلى إعطاء رواية حاول تطبيقها ووصل لبعض أهدافه لناحية تحويل سوريا ساحة للعبة أمم معقدة».

وأعرب أبو دياب عن اعتقاده بأن «الأسد عمل ما بوسعه لإخراج الحراك عن سلميته وإدخاله في العسكرة»، لافتا إلى أن «لعبة التضليل والتمويه التي مارسها تجاه المبادرات من الجامعة العربية، فالمبعوثين الأمميين كوفي أنان والأخضر الإبراهيمي والحراك الدولي الحاصل، أثبتت أن النظام يتمركز بيد شخص، يساوي الدولة والجيش والمؤسسات الأمنية، وهذا التمركز، إضافة إلى المساعدين المحيطين به والرعاية الإيرانية المباشرة، هو الخطر بعينه».

وقالت وكالة «سانا» نقلا عن وزارة الخارجية، إن «البرنامج السياسي الذي حدد وقف العنف كأولوية للعمل الجاد نحو الحوار الوطني والمصالحة وإعادة البناء، أكد على أهمية التزام كل الدول والأطراف الإقليمية والدولية بوقف تسليح وعدم تمويل المجموعات المسلحة أو إيوائها والتزام كل المجموعات المسلحة بالوقف الفوري للعنف والتزام الجيش والقوات المسلحة بوقف العمليات العسكرية»، كما أكد أيضا على «تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى مستحقيها، والبدء بتأهيل البنى التحتية ودفع التعويضات للمتضررين وتقديم الضمانات اللازمة للمواطنين السوريين الذين غادروا بسبب الأحداث وتسهيل عودتهم عبر المنافذ الحدودية وتقديم الضمانات لكل القوى السورية المعارضة بالدخول إلى البلاد والإقامة والمغادرة دون التعرض لها وذلك بغرض المشاركة في الحوار الوطني».

لكن أبو دياب، المواكب لتطورات الملف السوري، شدد على أن «الكلام عن أن برنامج الأسد صالح للحوار أو العمل عليه، ليس واقعيا؛ إذ لم يحظ إلا بموافقة إيران، ربما لكونها صانعة هذا البرنامج»، مذكرا بأنه «حتى روسيا لم تبد موافقتها، وكان كلام رئيس الحكومة الروسية ديمتري ميدفيديف قبل يومين بالغ الدلالة لناحية اعتباره أن التأخير في الإصلاح أوصل الأمور إلى ما هي عليه اليوم». وقال أبو دياب: «لو أعلن الأسد عند تعديل الدستور وإجراء الانتخابات وأن ولايته ستكون الأخيرة، لترك ربما مجالا للحوار، لكن بعد ما حصل من تدمير الدولة والبشر والحجر والمؤسسات، بات من الصعب تطبيق أي كلمة يقولها النظام»، معتبرا في الوقت عينه أن ذلك «لا يعني أنه في ظل أوضاع متوقعة ليس المطلوب ترويج الانتصار للجهات المعارضة، ولكن من الممكن إجراء تسويات مع من لم تتلطخ أيديهم بالدماء». وأشار أبو دياب إلى أن «الخارج لا يعتبر أن ثمة مصداقية لطروحات النظام، الذي أوهم الناس منذ عام 2000 ببدء ربيع دمشق، وتبين أن ذلك كله ليس إلا التفافا على الأمور، وسرعان ما ذابت المساحيق التجميلية عند أول نسمة»، مستنتجا أنه «لا يمكن الإصلاح أو الحوار منطقيا اليوم مع رأس النظام أو المتحكمين بالقرار، ولا بد من مرحلة انتقالية مع شرفاء الجيش والشخصيات الوطنية ومن لم تتلطخ أيديهم بالدماء». وأبدى خشيته من أن يكون الأسد «من خلال إنشائه (الجيش الشعبي) وتوريطه الأقليات السورية مع الأكثرية، بصدد التخطيط لسلوك درب التفتيت والانقسام في حال لم يتمكن من السيطرة الكاملة في ظل تباطؤ الحراك الإقليمي والدولي». وخلص إلى أن «طروحات الإصلاح جاءت متأخرة وبالتزامن مع حركة اتصالات دولية كبرى لإحالة النظام السوري إلى المحكمة الجنائية، وأعتقد أن الوقت والقطار فاتا الأسد».