بورسعيد ترفع شارات الحداد وتتحدى الحظر والطوارئ

سكانها غاضبون والجيش يتولى تأمينها

مظاهرة حاشدة في بورسعيد أمس (أ ف ب)
TT

الأمطار التي هطلت على مدينة بورسعيد الساحلية في مصر أمس أضفت مزيدا من الحزن على المدينة التجارية التي بدت شبه خاوية، في ثالث أيام فرض حالة الطوارئ على المدن المطلة على قناة السويس، وقبل نحو 6 ساعات من بدء حظر التجوال في المدينة التي شهدت أعنف اشتباكات بين متظاهرين غاضبين وقوات الشرطة في البلاد، وسقط خلالها 58 قتيلا ومئات الجرحى.

كانت المظاهرات الغاضبة قد اندلعت يوم السبت الماضي بعد أن قررت محكمة مصرية إعدام 21 من أبناء المدينة على خلفية أحداث عنف مطلع العام الماضي بين أنصار مشجعي كرة القدم في استاد بورسعيد ومشجعي النادي الأهلي المعروفين بـ«ألتراس أهلاوي»، وراح ضحيتها 72 من رابطة مشجعي الأهلي، وعلى هذه الخلفية أصدر الرئيس محمد مرسي قبل يومين قرارا بإعلان حالة الطوارئ في مدن القناة كما قرر حظر التجوال من الساعة التاسعة مساء وحتى السادسة صباحا.

لكن محمد إبراهيم (40 عاما)، وهو أحد أبناء مدينة بورسعيد، ينفي أي علاقة بين حكم الإعدام واندلاع موجة الغضب في المدينة. ويقول: «لم نحزن على صدور الأحكام فما زالت درجات التقاضي أمامنا.. كل فرد في بورسعيد خرج إلى الشارع لأنه يشعر بالظلم.. لأننا مدينة ذاقت الذل خلال العقود الماضية وهو ما لن نسمح به مجددا».

يتابع إبراهيم وهو صاحب متجر بقالة يواجه استراحة فرديناند ديليسبس (الدبلوماسي الفرنسي الذي أقنع حكام مصر بحفر قناة السويس في الماضي البعيد): «الناس خرجت في تشييع جثامين قتلانا وهي تعلق أحبال المشانق في رقابها.. فالشرطة قتلتنا ونحن نشيع 33 قتيلا ماتوا بلا أي ذنب (في إشارة إلى مقتل شباب غاضب تقول السلطات المصرية إنهم حاولوا اقتحام السجن المحتجز به المحكومين بالإعدام)».

ويتساءل إبراهيم الذي بدا غاضبا ومحبطا: «لماذا تفتح الشرطة النار علينا ونحن نحمل شهداءنا.. أقولها بصوت عال هذه المدينة لن تركع لاستبداد أحد.. نعم هناك سلاح في المدينة لكن كل من خرج بسلاحه خرج معنا ليقف إلى جانبنا في مواجهة الظلم.. يكذب كل من يتحدث عن وجود بلطجية».

وعلى مدار الأيام الثلاثة الماضية شهدت المدينة اشتباكات في محيط سجن بورسعيد العمومي وفي محيط عدد من أقسام الشرطة، في حين لا يوجد أي شرطي في المدينة التي تتولى قوات من الجيش حفظ الأمن فيها منذ يومين.

ويعتقد إبراهيم أن بورسعيد تدفع ثمن عدم تأييدها للرئيس محمد مرسي في انتخابات الرئاسة التي جرت منتصف العام الماضي. ويضف: «مرسي لا يعنيه ناس بورسعيد ولا السويس ولا الإسماعيلية، كل ما يعنيه هو قناة السويس». يقطع إبراهيم استرساله في الحديث ليجيب على الهاتف، حيث يتلقى خبر مقتل أحد الشباب أمام قسم شرطة العرب (غرب المدينة) وهو القسم الذي لا يزال يواجه محاولات اقتحام من قبل محتجين غاضبين.

يقول: «سقط شهيد جديد أمام قسم العرب برصاصة قناصة الآن (أمس)»، ويفسر سبب إصرار المتظاهرين على محاولة اقتحام القسم: «معظم من سقط من أبناء المدينة من ناحية قسم العرب».

ويرى إبراهيم أول خطوة لحل الأزمة الراهنة أن يتراجع الرئيس مرسي عن قرار إعلان حالة الطوارئ وحظر التجوال في ثالث أهم مدينة صناعية في مصر.. يقول: «نحن على استعداد تقبل عودة رجل الشرطة لكن بعدله، من دون بندقيته ورصاصه، من دون بطشه».

وقال المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الدكتور ياسر علي، أمس، إن إعلان حالة الطوارئ بمدن القناة هو إجراء قانوني «لا نتمناه ولكن اضطرتنا إليه الظروف وليس معناه منع التظاهر السلمي»، مؤكدا أن القرار ليس موجها ضد المواطنين في مدن القناة.

وأبدت الرئاسة مرونة أكبر تجاه إمكانية مراجعة قرار إعلان حالة الطوارئ، وقال علي إن الرئيس وعد بعرض تقرير عن الحالة الأمنية العامة على جلسة الحوار الوطني القادمة في الأسبوع المقبل وسيتم اتخاذ القرار المناسب حول حالة الطوارئ، سواء تقليل مدة الطوارئ لتقتصر على أيام قليلة أو يتم إلغاؤها بشكل كامل.

وتحدى سكان بورسعيد أول من أمس حظر التجوال. ويقول محمد شطا وهو موظف على المعاش: «البورسعيدية خرجوا في الشوارع طول الليل.. أصل الناس ممكن تعمل إيه؟ العيشة غليت ولا يوجد أي رقابة على الأسعار.. النهارده ما كنا نشتريه بجنيه أصبح بتلاتة وأربعة جنيهات».

ورغم التحدي الذي تظهره المدينة التي تضم ثاني أهم موانئ البلاد بدا القلق على وجه المارة في شوارع غسلها المطر وأغلقت معظم محالها، بينما بدت زاهية تلك المقاعد الخشبية المهجورة في الحدائق الصغيرة المنتشرة في أرجاء المدينة.

ويعود تاريخ إنشاء المدينة إلى أبريل (نيسان) عام 1859 وهو اليوم نفسه الذي دشن فيه فرديناند ديليسبس بداية العمل في مشروع قناة السويس. ومنحت بورسعيد حق الامتياز في المعاملة الجمركية على السلع الواردة، حيث أعلنت كمنطقة حرة منذ عام 1976.

وأغلق عدد كبير من مطاعم بورسعيد ورفعت معظمها شارت الحداد جراء الأحداث. ويقول سعيد وهو أحد العاملين في أحد مطاعم الوجبات السريعة الشهيرة: «ليس للأمر (أي لتوقف العمل) علاقة بخوف من الانفلات الأمني.. دبابات الجيش أمامك في كل مكان. نحن نشعر بالحزن والغضب».

لكن ضابطا في القوات المسلحة برتبة رائد قال وهو يقف وسط أربعة من جنوده قرب دبابة للجيش: «الحركة في الشارع محدودة طبعا.. فلا تزال الأحوال غير مستقرة نرجو أن تعود الأمور إلى سابق حالها بسرعة».

ويشعر سكان المدينة التي تعد بوابة مصر الشرقية، بما يصفونه بـ«الظلم»، وهو شعور فاقمه إحساسهم بالفخار نظرا لما أبدته المدينة من صمود خلال حروب مصر منذ عام 1956 وحتى حرب 1973.

وفي شارع 23 يوليو (تموز) حيث منطقة تركز البنوك التي أغلقت أبوابها، اصطفت عدة طوابير أمام ماكينات الصرافة، كما اصطفت طوابير أخرى أمام منافذ توزيع الخبز. وجلس محمود المليجي وهو مهندس في الخمسينات من عمره على مقعد على رصيف الشارع بجوار متجر يمتلكه. يقول: «لا بديل عن رحيل مرسي، فهذا الرجل وجماعته (جماعة الإخوان المسلمين) أثبتوا عدم قدرتهم على إدارة البلاد.. هناك فشل كامل، وبورسعيد أصبحت لا تعترف بشرعية هذا الرئيس». ويتابع: «لا شك أن هناك بلطجية في المدينة وهناك مجهولون يجوبون الشوارع على موتوسيكلات وهم يحملون السلاح لكن هل دوري أنا أن أمنعهم؟ هذه مسؤولية الدولة.. من هو المسؤول عن دخول هذا القدر من السلاح إلى بورسعيد؟ لا يوجد أمن في البلد».

ويضيف المليجي: «بورسعيد بحكم طبيعتها بلد مفتوح للجميع.. يأتي الناس ليبحثوا عن الرزق.. هنا بعضهم من الخارجين على القانون.. نحن كنا نضبط لصوصا هنا في هذا الشارع ونسلمهم لأقسام الشرطة ثم نراهم يسيرون في اليوم التالي في الشوارع. ماذا نفعل أكثر من ذلك؟ هذا حصاد فشل الدولة».

ويشير المليجي إلى كلمة تلفزيونية للرئيس مرسي أعلن خلالها إعلان حالة الطوارئ قائلا: «كنا نرى محمد مرسي مبارك (في إشارة لاستمرار سياسات الرئيس السابق حسني مبارك)، رأيناه ورأينا إصبعه الذي رفعه ليهددنا.. انتهى الأمر، ولا بد من انتخابات رئاسية مبكرة فنحن لا نثق في مرسي ولا جماعته. هؤلاء الناس لا يصلحون لإدارة دولة مثل مصر».