مصادر فرنسية رسمية: نريد من الأفارقة أن يتحملوا العبء العسكري في مالي

باريس تتخوف من عمليات الانتقام في المدن «المحررة» > الرئيس تراوري يهدف إلى إجراء الانتخابات يوم 31 يوليو

TT

ماذا بعد استعادة غاو وتمبكتو؟ وما الاستراتيجية الفرنسية في مالي في الأسبوع الثالث للعملية العسكرية التي أمر بها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند؟ أسئلة أساسية يطرحها المراقبون في العاصمة الفرنسية باريس.. وفي سياق ذلك، قالت مصادر فرنسية رسمية إن الأمور «تسير بسرعة أكبر مما كنا نتوقعه»، حيث تبدو استعادة المناطق الشمالية أقرب إلى تمرين عسكري منه إلى حرب حقيقية.

وتفيد المصادر ذاتها التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أن استعادة تمبكتو، وهي أهم مدينة في الشمال المالي، «تمت من غير إطلاق رصاصة واحدة» حيث إن مقاتلي «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» انسحبوا منها قبل وصول الوحدات العسكرية الفرنسية والمالية تماما كما فعل مقاتلو حركة التوحيد والجهاد في أفريقيا الغربية في مدينة غاو.

وثمة ظاهرة ثانية توقفت عندها هذه المصادر تكمن في غياب أية «مقاومة سلبية» بمعنى وضع الألغام والفخاخ لإعاقة تقدم القوات الفرنسية، وإيقاع الإصابات بها وما إلى ذلك من الأساليب العسكرية المعروفة.

وعزت المصادر الفرنسية تقهقر مقاتلي الشمال من غير قتال وتوجههم نحو مدينة كيدال القريبة من الحدود الجزائرية، والمعروفة بوعورة أراضيها، إلى التفوق الساحق للقوات الفرنسية المدعومة من القوات المالية والأفريقية.

وبدأت القوات الأفريقية (1900 جندي من تشاد والنيجر) بالانتشار الميداني، واستطاعت، أمس، السيطرة على مدينة أنسنغو الواقعة شمال غاو. وتقدر المصادر العسكرية الفرنسية عدد من تسميهم «إرهابيين» بأنه يتراوح بين 1500 و2000 مقاتل على أبعد تقدير يضاف إليهم عدة مئات من التابعين.

وتعتبر باريس أن «المرحلة الأولى» من التدخل حققت أهدافها المتمثلة في وقف تقدم مقاتلي الشمال باتجاه مدن الجنوب والعاصمة باماكو بالدرجة الأولى، واستعادة المدن الواقعة على مجرى نهر النيجر وأهمها غاو وتمبكتو وأنسنغو. ولذا، فإن ما تقوم به باريس اليوم هو تقوية المواقع القائمة على هذا الخط وتنظيفه من فلول مقاتلي الشمال.

أما المرحلة الثانية من الحملة العسكرية، فتروم استعادة كل المناطق الشمالية. وبهذا الخصوص، تقول المصادر الفرنسية إنها تريد أن تنقل المهمة إلى القوات المالية والأفريقية من غير أن يعني ذلك وقف الطلعات الجوية أو الاستعانة بالقوات الفرنسية الخاصة عندما تدعو الحاجة.

وتعتبر باريس اليوم أن قوة النيران التي توفرت لها في مالي تقربها من الحسم العسكري خصوصا أن الدعم الأميركي والأوروبي في ميادين جمع المعلومات والنقل اللوجستي والمساعدات الطبية أتاح لها أن تحشد قوة كافية في مالي تمكنها من تحقيق أهدافها. لكن هذه الأهداف بقيت حتى الآن «ضبابية» نوعا ما، وتأرجحت بين دحر الإرهاب، واستعادة كل مناطق الشمال والتوصل إلى مسار ديمقراطي انتخابي.

وأعلن وزير الخارجية لوران فابيوس، الذي شارك أمس في اجتماع أديس أبابا للدول المانحة لمالي، أن فرنسا «قامت بواجبها»، لكن مهمتها «ليست الاستمرار في التزام عسكري بعيد المدى»؛ إذ «يعود للأفارقة بالدرجة الأولى أن يحافظوا على أمن أفريقيا». ورسم فابيوس للسلطات في مالي خارطة طريق تقوم على الاستمرار في المسار الديمقراطي، وعملية المصالحة الوطنية، مع التشديد بوجه خاص على ضرورة تحاشي الأعمال العدوانية والانتقامية التي «لا يمكن أن تسمح بها الأسرة الدولية».

وجاءت كلمة فابيوس وكأنها رد على «دفتر الشروط» الذي وضعته الإدارة الأميركية، التي قالت على لسان الناطقة باسم خارجيتها أول من أمس إن «مشكلات مالي لا يمكن أن تحل فقط بالطرق العسكرية؛ بل يتعين وجود مسار سياسي إلى جانب المسار الأمني»، وترى واشنطن أن عودة الاستقرار في هذا البلد مرهونة بإجراء انتخابات جديدة «تضع حدا للانقلاب العسكري» الذي عرفته باماكو في الربيع الماضي. وتطالب واشنطن بـ«حل شامل» يقوم على دحر الإرهابيين وعودة المسار الديمقراطي وإطلاق عملية تنمية في المناطق المحرومة وتسوية مطالب الطوارق والمطالب بوضع خاص داخل الدولة المالية.

في غضون ذلك، أعلن الرئيس الانتقالي في مالي ديونكوندا تراوري أمس أنه يهدف إلى إجراء الانتخابات في البلاد يوم 31 يوليو (تموز) المقبل. وأصبح تراوري رئيسا انتقاليا للبلاد في أبريل( نيسان) الماضي في إطار اتفاق إقليمي لاستعادة الاستقرار في مالي عقب انقلاب عسكري ضد الرئيس السابق أمادو توماني توري.

غير أن التقدم العسكري السريع لا يزيل المخاوف من أذهان الفرنسيين الذين يرى بعضهم أن الصعوبات الحقيقية «بدأت اليوم». وقال جان ديفيد ليفيت، السفير والمستشار الدبلوماسي السابق للرئيس نيكولا ساركوزي، إن الحاجة الملحة لـ«المرحلة الثانية» من العملية العسكرية الفرنسية هي «السيطرة الفعلية على المناطق التي طرد منها الجهاديون والتأكد من أنهم لن يرجعوا إليها».

وبحسب ليفيت، فإن هذا الهدف يفترض توافر شرطين: الأول، انتشار القوات الأفريقية بكثافة على أراضي مالي، والثاني إطلاق العملية السياسية. أما الضرورة الثانية، فتقوم على التفاهم مع الطوارق في الشمال ومساعدتهم وإشعارهم بأنهم يعيشون في بلادهم. ويرى ليفيت أن المشكلة في مالي «ليست فقط في الشمال؛ بل في العاصمة نفسها»، وذلك في إشارة إلى تهلهل بنية الدولة المالية والنزاعات التي تعتمل فيها، والتي أدت في الربيع الماضي إلى انقلاب عسكري استغله الجهاديون والطوارق لاحتلال مدن الشمال، والتأهب للنزول نحو الجنوب والعاصمة، وهو ما كان السبب المباشر للتدخل العسكري الفرنسي الراهن.