فرنسا تدعو إلى الحوار بين حكومة باماكو والجماعات الرافضة للإرهاب

إنقاذ أكثر من 90% من مخطوطات مكتبة تمبكتو * فابيوس: قواتنا ستغادر مالي سريعا

قادة عشائر في غاو شمال مالي يلتقون حاكم المدينة أمس لتهدئة الأوضاع فيها (أ.ب)
TT

بينما انتشرت عناصر من الجيش الفرنسي أمس في كيدال آخر المدن الكبرى الثلاث التي كانت تسيطر عليها حركات إسلامية مسلحة في شمال مالي، دعت باريس باماكو إلى الحوار مع سكان الشمال والجماعات التي ترفض «الإرهاب» لإيجاد حل سياسي للنزاع.

وأعلن الناطق باسم قيادة أركان الجيوش الفرنسية الكولونيل تيري بوركار صباح أمس في باريس أن «عناصر من الجيش الفرنسي انتشرت الليلة قبل الماضية في كيدال» على بعد 1500 كلم شمال باماكو في أقصى شمال شرقي مالي. وأكد بذلك شهادات أفادت عن هبوط طائرة فرنسية على مدرج مطار كيدال.

وقال مسؤول في الإدارة المحلية بمالي إن «طائرة فرنسية حطت في مطار كيدال وتموضع (الجنود) في المطار» مؤكدا تصريحات زعماء طوارق في المنطقة ومصدر أمني إقليمي.

ويأتي وصول الجنود الفرنسيين بعد استعادتهم مع الجيش المالي ومن دون مواجهة مقاومة كبيرة مدينتين كبريتين أخريين هما غاو وتمبكتو، بعد أن احتلتها جماعات إسلامية ارتكبت فيها تجاوزات كثيرة منذ أكثر من تسعة أشهر.

وكانت كيدال في أقصى شمال شرقي مالي قرب الحدود الجزائرية معقل جماعة أنصار الدين الإسلامية المسلحة الموالية لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.

غير أن مجموعة منشقة عن أنصار الدين تدعى حركة أزواد الإسلامية، أعلنت مؤخرا أنها تسيطر على كيدال مع المتمردين الطوارق في الحركة الوطنية لتحرير أزواد. وأعلنت حركة أزواد الإسلامية رفضها الإرهاب وقالت: إنها تدعو إلى «حل سلمي» للأزمة.

وأعلن عضو في الإدارة المحلية أن «الفرنسيين التقوا عناصر من الحركة الوطنية لتحرير أزواد والأمين العام لحركة أزواد الإسلامية القباس أي انتالا وزعماء محليين آخرين».

وأفاد مصدر أمني مالي أن كبار قادة الحركات الإسلامية بمن فيهم إياد آغ غالي والجزائري أبو زيد، أحد قيادي تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي لجأوا إلى جبال ايفوقاس شمال كيدال قرب الحدود الجزائرية.

وأكدت المفوضية العليا للاجئين للأمم المتحدة أن مئات الأشخاص فروا من كيدال إلى قرى بشمال مالي قرب الحدود الجزائرية، وأن نقص الأغذية والمواد الأولية أصبحت خطيرة بسبب النزاع وإغلاق الحدود.

ودعت فرنسا أمس باماكو إلى «بدء محادثات من دون انتظار مع الممثلين الشرعيين لسكان الشمال (نواب محليون والمجتمع المدني) والجماعات المسلحة غير الإرهابية التي تعترف بوحدة مالي.

ورحب المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية، فيليب لاليو، بتبني البرلمان المالي لـ«خارطة طريق» سياسية لمرحلة ما بعد الحرب، و«يجب التقدم الآن بشكل ملموس» في العملية السياسية. وتنص هذه الوثيقة خصوصا على إجراء محادثات مع بعض الجماعات المسلحة في إطار «المصالحة الوطنية». وعبر الرئيس المالي ديونكوندا تراوري عن أمله في إجراء انتخابات قبل 31 يوليو (تموز) المقبل.

وتحسبا من وقوع «تجاوزات»، وعمليات انتقام دعا رئيس الوزراء الفرنسي جان مارك ايرولت إلى «نشر مراقبين دوليين بسرعة» للسهر على «احترام حقوق الإنسان».

وفي تمبكتو، كثرت الشهادات حول تدمير الإسلاميين المسلحين قبل فرارهم مخطوطات ثمينة تعود إلى قرون خلت في هذه المدينة التاريخية التي كانت منارة ثقافة وفكرية للإسلام في أفريقيا جنوب الصحراء في القرنين الخامس والسادس عشر.

لكن مسؤولا عن حفظ المخطوطات في جامعة الكاب في جنوب أفريقيا أكد أن القسم الأكبر من المخطوطات والكتب الثمينة القديمة المحفوظة في تمبكتو وضعت في مكان آمن قبل وصول الإسلاميين إلى المدينة.

وقال م. جيبي، مدير مشروع حفظ المخطوطات في تمبكتو «تم إنقاذ قسم كبير. أظن أنه أكثر من 90%». وأضاف لوكالة الصحافة الفرنسية «هناك مبالغة. حصلت أضرار وبعض المقتنيات أتلفت أو سرقت، ولكن الضرر أقل بكثير مما قيل في البداية».

وأوضح أن القائمين على حفظ الوثائق بدأوا بنقلها نحو باماكو لحفظها قبل وصول الإسلاميين إليها العام الماضي.

والمخطوطات التي تعد إرثا ثقافيا ثمينا تتضمن نصوصا بالعربية ولغة الطوارق والقبائل المحلية، وهي تتضمن نصوصا عن الفلك والموسيقى وعلم النبات والقانون والتاريخ والسياسة والتجارة وغيرها.

ودمر الإسلاميون المتطرفون 12 مقاما لأولياء صالحين في المدينة كما شطبوا بالأسود عبارة «333 وليا» على اللافتات التي ترحب بالقادمين إلى تمبكتو «مدينة الـ333 وليا». لكن مراسل وكالة الصحافة الفرنسية لاحظ على أرض معهد أحمد بابا للدراسات العليا والأبحاث الإسلامية في تمبكتو رمادا وأجزاء من مخطوطات نادرة مع أغلفتها الجلدية المزينة بذوق رفيع وقد اسودت بفعل النيران.

يذكر أن قائد أركان الجيوش الفرنسية الأميرال أدوار غيو وصل مساء أول من أمس إلى باماكو حيث استقبله رئيس الوزراء ديانغو سيسوكو. وصرح الأميرال عقب اللقاء أن «القوات المسلحة المالية والفرنسية قلبت مسار الأمور، أن استعادة الشرعية المالية في شمال مالي قد بدأت».

وأكد وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس أمس أن القوات الفرنسية ستغادر «سريعا» مالي، مضيفا: «ألان على الدول الأفريقية أن تحل مكانها». وأعلنت برن في بيان رسمي أمس أن سويسرا تسمح لطائرات الدول المنخرطة في التدخل العسكري في مالي بالتحليق فوق أراضيها. ويشمل ذلك الطائرات التي تنقل ذخيرة وأسلحة.

وأوضحت برن أن هذه الخطوة «تتوافق مع حياد سويسرا لأن العمليات العسكرية الجارية هي بطلب من الحكومة المالية وتندرج في إطار قرار مجلس الأمن 2085».

وفي برلين، توقعت الهيئة الاتحادية لمكافحة الجريمة في ألمانيا تزايد مخاطر تعرض البلاد لهجمات إرهابية على يد متطرفين إسلاميين بسبب مشاركة البلاد في دعم المهمة العسكرية في مالي.

وقال رئيس الهيئة، أندري شولتس، في بيان: «مثلما حدث عندما تولت القوات الألمانية قيادة قوة المساعدة الأمنية الدولية (إيساف) في أفغانستان عام 2006. ستؤدي مهمة القوات الألمانية في مالي إلى تنشيط القوى الإسلامية في ألمانيا، وزيادة احتمالية شن هجمة إسلامية متطرفة على الأراضي الألمانية أو مؤسساتها في الخارج».

وأضاف شولتس في البيان: «حان الوقت لمواجهة خطر الإرهاب باحترافية».

وذكر شولتس أنه يتعين توفير إمكانيات تقنية وقانونية فعالة للسلطات الأمنية لمواجهة هذا الخطر، بالإضافة إلى توفير المخصصات المالية اللازمة والعمالة المدربة.

يذكر أن وزارة الداخلية الألمانية أعلنت أول من أمس في المقابل أن دعم المهمة العسكرية في مالي لن يزيد خطر تعرض ألمانيا لهجمات إرهابية.