أرفع جنرال أميركي في أفغانستان يحذر من المستقبل

جون ألن قبيل رحيله: الأفغان يتوقون إلى نظام القانون.. وأداء حكومتهم قد يعيد طالبان

الجنرال جون ألن
TT

أثناء مغادرته للمرة الأخيرة إقليم هلنمد بجنوب أفغانستان، كانت طائرة الجنرال جون ألن حلقت عاليا فوق البقعة الصحراوية التي شهدت الحملة العسكرية الأميركية الدامية، ثم انسحابا غير مسبوق للقوات الأميركية.

وصل ألن إلى هنا قبل ثمانية عشر شهرا، مكلفا مهمتين متناقضتين على ما يبدو، الأولى هي نزع فتيل التمرد، والثانية إعادة 30 ألف جندي أميركي إلى بلادهم. الآن، وبعد رحيل ثلث القوات الأميركية، حان الدور على ألن ليترك أفغانستان، حيث يقول إن المكاسب الأمنية التي تم تحقيقها بشق الأنفس فشلت في كثير من الأحيان في إقامة إدارة فاعلة تضمن الاستقرار طويل المدى. وقال، وهو ينظر إلى تلك المنطقة الشاسعة من جنوب أفغانستان الأسبوع الماضي: «أشعر كأنني أترك عائلة خلفي لتواجه مستقبلا مجهولا».

تعاقب على قيادة القوات الأميركية في أفغانستان منذ عام 2001، 11 قائدا، قاد خمسة منهم، كما هو الحال بالنسبة لألن، قوات حلف الأطلسي (الناتو) أيضا. لكن، لم يجبر جنرال آخر على التركيز بشكل متساو على خوض حرب والانسحاب منها كما فعل هو. ويعني ذلك اضطلاع الجنود الأفغان بالعمليات القتالية رغم تأكيدات الكثير من المراقبين أنهم غير مؤهلين لذلك، وهو ما يعني الثقة برئيس أفغاني معروف بمكابرته، وقتال طالبان في وقت يتراجع الدعم له في واشنطن. وتلك تحديات متوقعة.

واجهت ألن اختبارات غير متوقعة، بدءا من الهجمات الداخلية وحرق نسخ من القرآن الكريم في قاعدة أميركية، إلى تحقيق البنتاغون بشأن رسائل ألن الإلكترونية التي تشير إلى علاقات جنسية خارج إطار الزواج، تمت تبرئته منها الأسبوع الماضي.

ومع انتهاء قيادته، أثار ألن إعجاب القادة المعاونين له بقدرته على التوفيق بين مطالب واشنطن بإنهاء العمليات العسكرية والمطالب الأفغانية بضمانات طويلة المدى. لكنه يقول إنه أدرك أن الانسحاب الأميركي لن يواكبه انتصار حاسم.

ومع بقاء 11 يوما فقط في قيادته، يقول ألن إنه فخور بما آلت إليه القوات الأمنية الأفغانية ونجاح زيادة قوات «الأطلسي» في أماكن مثل جنوب هلمند، حيث كانت طالبان تعمل بحرية قبل أربع سنوات.

لكن، إذا لم تكن قوات الأمن مصحوبة بإدارة فاعلة، ستتمكن طالبان من العودة، وقد تتمكن الشبكات الإجرامية من تقويض المكاسب التي تم تحقيقها. وقال ألن عن المدنيين في المناطق التي شهدت مكاسب استراتيجية: «ما يواجهونه الآن هو غياب الإدارة، ورغبة في فرض القانون والاستقرار القضائي».

كان ألن يحث المسؤولين الأفغان بمن فيهم الرئيس حميد كرزاي، على تعزيز دور الحكومة في المناطق التي تشهد مكاسب عسكرية. لكن، لا تزال شبكات المحسوبية أو القادة الفاسدين سائدة في كثير من الحالات، وهو ما تسبب في تقوض الثقة الشعبية. ويقول عبد الكريم خورام، كبير موظفي كرزاي، عن ألن وآراء كرزاي المتباينة في بعض الأحيان: «الجنرال ألن يعمل لصالح بلده. نحن نعمل من أجل المصالح الوطنية لبلدنا».

وفي الوقت ذاته، كانت هناك ضغوط من حكومة ألن، فالمرحلة التالية من الانسحاب، والتساؤل بشأن شهية واشنطن للوجود العسكري في أفغانستان بعد عام 2014 - يلازمان قيادته.

ويشير مسؤولون أميركيون إلى أن ألن يود الحفاظ على ما بين 9.000 و15.000 من القوات الأميركية في أفغانستان، في الوقت الذي تفكر فيه إدارة أوباما في الحفاظ على قوة تمثل نحو نصف هذا الحجم. وقال مسؤولون في البيت للصحافيين الشهر الحالي إن فكرة الانسحاب الكامل من أفغانستان لا تزال مطروحة. وقال مسؤول عسكري أميركي حول فريق ألن: «عندما يتحدث مسؤولو الإدارة عن الانسحاب الكامل، فإن ذلك يزيد من صعوبة الأوضاع».

قبل رحيل ألن من هلمند الأسبوع الماضي، ألقى القائد الأفغاني الأعلى هناك، سيد مالوك، كلمة وداع في غرفة مليئة بكبار قادة الجيش الأفغاني والأميركي. وقال مالوك وهو ينظر إلى ألن: «لدينا ثقة كاملة بأنك وجنرالاتكم الآخرين ستقدمون أفضل النصح للرئيس أوباما لدعم هذه المهمة بعد 2014، فالدم والقتال لنا، والأدوات والدعم منكم».

وضع ألن على شفتيه ابتسامة باهتة، في الوقت الذي ضج فيه باقي الحشد بالضحك. وقال ألن خلال عودته إلى كابل: «ربما تكون قد رأيتني وأنا مرتبك في مقعدي».

تمت ترقية ألن إلى رتبة جنرال في عام 2007 عندما استخدم الديناميكيات القبلية في غرب العراق لإقناع مشايخ السنة بمقاومة التمرد. وقد جعل منه تعاونه مع صحوة الأنبار الخيار الأول بالنسبة لأوباما ليحل محل الجنرال ديفيد بترايوس في يوليو (تموز) 2011.

لم يحصل ألن في أفغانستان على نفس الموارد التي حصل عليها القادة في العراق ومن سبقوه في كابل. فهو يفتقد شهرتهم في واشنطن، لكنه ظل يحارب تمردا قويا.

كانت حصيلة القتلى خلال قيادة مولن نحو 640 جنديا أميركيا ومن قوات «الناتو». وقال ألن في صوت واهن: «هؤلاء هم الأفراد الذين يكونون معك في منتصف الليل، ولا تستطيع أن تنام عندما تفكر في شأنهم».

وفي الوقت الذي يسلم فيه ألن وقوات المساعدة الأمنية الدولية التي يقودها «الناتو»، القيادة إلى القوات الأفغانية، أصبح قياس الوفيات مثيرا للكآبة بالنسبة لحالة الانتقال. فقد سقط أكثر من 1.000 جندي أفغاني خلال عام 2012، بزيادة قدرها 20% عن عام 2011، وذلك في إشارة إلى الجانب الذي يتحمل العبء الأكبر من القتال، بحسب مسؤولين أميركيين وأفغان. وقال مارك كريتين، المستشار السياسي لألن، الذي خدم معه في العراق: «ارتكز ألن على الجيش والشرطة الأفغانية في تولي قيادة العمليات، رغم مشاركتنا في القتال».

وقال ألن: «دفع الجنود الأفغان الثمن غاليا. الآن، ينبغي أن تكون الضربة القاضية القادمة من قبل الحكومة الأفغانية». وأضاف عن أرفع سبعة جنرالات أفغان: «في الوقت ذاته، سيواصل هؤلاء القادة الكبار النزيف». وأكد ألن أن الأداء السيئ للحكومة قد يسفر عن تمرد طالبان أو ارتفاع العمليات الجنائية. وقد دفع الضعف الجزئي للمؤسسات توصية ألن لأوباما بالوجود بشكل جزئي بعد عام 2014. كانت أولى توصياته لما بعد عام 2014 نشر عدد كبير كمستشارين في وزارتي الدفاع والداخلية الأفغانيتين. ثم، إذا ما سمح بمستويات القوات، فسيقوم بتعيين آخرين لمراكز التدريب في كابل وربما الإبقاء على بعض المستشارين في قوة الشرطة الأفغانية الإقليمية وقادة الجيش.

أثناء سفره داخل البلاد للمرة الأخيرة، كان ألن تواقا إلى إيضاح المعاناة الأفغانية، فأشار إلى وجود توترات مع باكستان وتاريخ حديث تهيمن عليه الاضطرابات. وأشار ألن في كلمات وداعه إلى ما وصفه بالديمقراطيات الناشئة، وهي الدول المبشرة الواعدة، لكنها تعد في أمس الحاجة إلى الدعم لمواجهة دروب الشك التي تجابهها. وقال: «أعتقد حقا أننا قادرون على الفوز بهذا الأمر، لكن الفوز لن يحدث الآن أو في عام 2014. سوف نهيئ الظروف للفوز خلال عقد التحول هذا».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»