ملثمون يثيرون الذعر في محيط الفنادق الكبرى والسفارات ومقار الحكومة وسط القاهرة

نهب فندق «سميراميس» وتحطيم محتوياته وإشعال النار في عدة طوابق

TT

«أين هي الدولة؟ لا توجد دولة ولا يوجد مسؤولون». هكذا صرخ كمال عيد، مدير إدارة وممثل ملاك فندق «سميراميس إنتركونتيننتال»، أكبر فنادق العاصمة المصرية القاهرة. وقال في لهجة يملؤها الحزن والغضب: «نحن نبحث عن هذه الدولة حتى الآن، دون مجيب».

وتعرض فندق سميراميس، المطل على ضفاف نهر النيل مباشرة، لهجوم منظم لثلاث ليال متواصلة، منذ فجر يوم الاثنين الماضي وحتى فجر أمس، من جانب بلطجية وشباب مجهولين، قاموا بسرقة محتوياته وتخريب وإتلاف مدخله بالكامل.

وتوجد على بعد خطوات من هذا الفندق مقرات لفنادق أخرى كبيرة ومواقع لسفارات أجنبية إضافة لمبان حكومية، لكن من النادر أن تجد دوريات أمنية أو حراسة ذات شأن. وتقع المنطقة كلها بالقرب من ميدان التحرير الذي يشهد اشتباكات بين متظاهرين مناوئين لحكم الرئيس محمد مرسي، وقوات الشرطة، وعمليات من الكر والفر تحت سحب من الأدخنة.

ويضيف كمال عيد قائلا: «قمنا بالاستغاثة بالقيادات الأمنية وبالشرطة بالإضافة للقوات المسلحة لإنقاذ الفندق والعاملين به من هذه الكارثة، دون أي استجابة حقيقية». ويتابع: «فشلت قوات الشرطة البسيطة الموجودة هنا في تأمين الفندق ضد الهجمات التي يتعرض لها منذ ثلاثة أيام، بسبب ضعف عددها وعديدها، فهي لا تملك سوى قنابل غاز في مواجهة بلطجية يحملون جميع أنواع الأسلحة».

ويجاور الفندق العملاق، الذي يرجع بناؤه الأول لعام 1906، فيما أسس الفندق الجديد عام 1974 في نفس الموقع، ويتكون من 28 طابقا ويضم 750 غرفة فارهة للنزلاء، كبرى المنشآت الحيوية للدولة في حي غاردن سيتي الراقي.

ويروي جمال عبد العال، أحد مسؤولي الأمن في الفندق، واقعة الهجوم، التي بدأت فجر يوم الاثنين الماضي، قائلا: «بعد حالات الكر والفر بين قوات الأمن والمتظاهرين في محيط ميدان التحرير وفي منطقة كوبري قصر النيل، فوجئنا بهجوم شرس لأكثر من ألف شاب وطفل تتراوح أعمارهم ما بين 10 و30 عاما فقط، يحملون جميع أنواع الأسلحة النارية والبيضاء، وقنابل المولوتوف، على الفندق وقاموا بتحطيم أبوابه الرئيسية بعد انسحاب مسؤولي الأمن بالفندق خوفا على حياتهم، لأنهم غير مسلحين، وينحصر دورهم في تفتيش الزائرين، كما صعد العاملون بالفندق إلى الأدوار العليا هربا من تعرضهم للقتل من جانب هؤلاء البلطجية».

ويتابع عبد العال: «أصيب رواد الفندق بحالة من الهلع والفزع الشديدين، وكل صعد غرفته وأغلق الباب عليه خوفا على حياته.. وبمجرد دخول هؤلاء البلطجية الفندق سرقوا كل محتوياته وزخارفه ومحتويات المحال التجارية به وماكينات الأموال، وأشعلوا النيران في الواجهة الخلفية للفندق، وقاموا بتحطيم مدخل الاستقبال بالكامل، بالإضافة إلى سرقة وتحطيم فرع البنك التجاري الدولي (CiB) الذي تحطم بالكامل، الذي يوجد أسفل الفندق».

وقال عبد العال إن «إدارة الفندق أبلغت قوات الأمن المركزي الموجودة في المنطقة من أجل صد الهجوم، لكنها ردت بأنها مسؤولة فقط عن تأمين السفارة الأميركية ولم تتلق أوامر بعد للتحرك، وبعد شد وجذب انتشرت بعض القوات الأمنية التي اتضح للجميع أنها بلا حيلة حيث اقتصر تسليحها على أدوات فض الشغب فقط (قنابل غاز وعصي)، ولم يستطيعوا مواجهة المسلحين».

ويؤكد «محمود جمال»، أحد العاملين في الفندق: «نحن نضطر للمبيت في الفندق للحفاظ على ما تبقى منه، متوقعين الهجمات في كل لحظة، وليس معنا سوى خراطيم المياه التي نواجه بها البلطجية». ويتابع: «لم أكن أتصور أن يحدث ذلك لهذا الفندق، ولا تستطيع الدولة ولا شرطة السياحة تأمينه، كنا نعتقد أن أهميته تستوجب اهتماما أكثر من ذلك».

ويعد الفندق مقرا لكبرى الشخصيات العربية والدولية التي تزور مصر، بالإضافة لكونه مقرا للعديد من الاجتماعات لكبار الشخصيات في الدولة المصرية.

وحاليا توجد بعض قوات الأمن المركزي المحيطة بالفندق. وقال مسؤول أمني لـ«الشرق الأوسط»: «نفعل قدر استطاعتنا لمواجهة هذا الانفلات الرهيب، لكن في الحقيقة أصبحت منطقة وسط القاهرة كلها، مقرا للشغب من جانب هؤلاء الصبية والملثمين، الذين يحملون أسلحة نارية في مواجهة أجهزة الأمن». وتابع القول: «عندما نحمل السلاح ونواجه البلطجية يتهموننا بقتل المتظاهرين السلميين، وعندما تصدر الأوامر بعدم قتل أي متظاهر وعدم حمل السلاح، نتحمل نحن أيضا حالات الشغب وما ينتج عنها فكيف يكون ذلك؟».

وأعلن مصدر أمني اعتقال أكثر من 20 متهما في أحداث اقتحام الفندق، وعثر بحوزة أحدهم على خزانة حديدية بها كمية من المجوهرات والمشغولات الذهبية، مسروقة من أحد المحال التجارية الموجودة بالفندق.

وتفقد الدكتور هشام قنديل رئيس الوزراء المصري أمس المنطقة المحيطة بالفندق. وقال بيان للحكومة إن «قنديل تابع الحالة الأمنية على الأرض، وحث ضباط وجنود الشرطة على التعامل مع الخارجين على القانون واتخاذ اللازم لردع المهاجمين على المنشآت وتفعيل القانون في التعامل معهم».

وحاليا تم إغلاق جميع أبواب فندق سميراميس، ودعمت بأبواب حديدية تم تثبيتها بماكينات اللحام الكهربائي. وأكد كمال عيد، مدير الفندق أن شركة إنتركونتيننتال العالمية قررت تعليق العمل في الفندق وإغلاقه بسبب الأحداث، كما تم إجلاء جميع النزلاء به إلى فنادق أخرى بعيدة عن الاشتباكات، وتم إلغاء كل الحجوزات القادمة».

ووجه عيد استغاثة إلى الرئيس مرسي ووزير الداخلية للتدخل السريع ووقف هذا التدهور الأمني، الذي أكد أنه سيؤثر على السياحة المصرية بشكل كبير عالميا». وقال إن الخسائر الناتجة عن الهجوم تصل إلى ملايين الدولارات، إلا أنه أكد أنه يتم حصرها بشكل دقيق الآن، من قبل النيابة العامة، حيث تشمل الخسائر ثلاثة طوابق كاملة وعشرات المحال التجارية». وأضاف أن إدارة الفندق تحملت صرف رواتب العاملين البالغ عددهم نحو 1300 عامل دون أي نقصان خلال الفترة الماضية، رغم الخسائر الكبيرة التي يتعرض لها الفندق منذ اندلاع ثورة 25 يناير، إذ لم تتعد نسبة الإشغال في الفندق 30 في المائة.