تأهب في شمال إسرائيل تحسبا لرد من حزب الله على «قصف قافلة الأسلحة» السورية

دمشق: نمتلك قرار «المفاجأة».. طهران: عواقب الغارة ستكون وخيمة على تل أبيب

جنود إسرائيليون يتجولون على الحدود اللبنانية أمس (أ.ف.ب)
TT

أعلنت إسرائيل حالة التأهب على حدودها الشمالية، إثر غارة جوية قالت مصادر مختلفة إن تل أبيب شنتها على قافلة أسلحة داخل الأراضي السورية. وبينما شوهدت حالة استنفار في جنوب لبنان إثر الغارة، توعدت إيران وكذا دمشق برد مفاجئ، وعواقب وخيمة على إسرائيل. واستدعت الخارجية السورية ممثل الأمم المتحدة لديها للاحتجاج.

وعلى الرغم من انخفاض سقف التوقعات بنشوب حرب انتقامية من جانب حزب الله أو سوريا ردا على قصف في الأراضي السورية، فإن قيادة الجيش الإسرائيلي دخلت في حالة تأهب، ونقلت عدة بطاريات من «القبة الحديدية» إلى الشمال وعززت آلياتها المدرعة وكثفت الطيران فوق الحدود السورية واللبنانية. ومع أن الجيش طلب من المواطنين أن يواصلوا حياتهم الاعتيادية، لوحظ هلع في صفوفهم، فتدفقوا بالمئات على المخازن العسكرية للحصول على الكمامات الواقية من الغاز، خوفا من استخدام الأسلحة الكيماوية في القصف على إسرائيل.

وحسب داني ياتوم، فإن «على إسرائيل أن تتصرف كما لو أنهم سيردون بقصف صاروخي. ولكن احتمالات أن يرد حزب الله أو سوريا أو حتى إيران هو احتمال ضعيف للغاية». وأضاف: «لا توجد لدى أي منهم مصلحة اشتباك مع إسرائيل، خصوصا في الحالة البائسة التي يعيشونها. فالأسد غارق في أزمته الداخلية ولن يفتح على نفسه باب مجابهة جديدة، وحزب الله يريد أن يساعد الأسد، لا أن يزيد من أعبائه». وتقدمت دمشق أمس باحتجاج رسمي إلى الأمم المتحدة على الغارة الإسرائيلية، وبحسب ما أعلنته وزارة الخارجية فإن لسوريا الحق في «الدفاع عن نفسها وأرضها وسيادتها». وفي هذا الصدد قالت وكالة الأنباء الرسمية السورية (سانا) إن «وزارة الخارجية استدعت قائد قوات الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك في الجولان السوري المحتل اللواء إقبال سنغا، وبلغته احتجاجها الرسمي على الانتهاك الإسرائيلي لاتفاق فصل القوات لعام 1974 والالتزامات التي يرتبها ذلك الاتفاق». وطالبت الوزارة سنغا «باتخاذ ما يلزم لوضع الأطراف المعنية في الأمم المتحدة بصورة هذا الانتهاك الإسرائيلي الخطير والعمل لضمان عدم تكراره». واعتبرت الخارجية السورية في رسالة بعثت بها إلى رئيس مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة، بحسب ما أوردته «سانا»، أن «فشل مجلس الأمن بالاضطلاع بمسؤولياته في ردع هذه الاعتداءات الإسرائيلية الخطيرة سيكون له مخاطر جمة على الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وعلى الأمن والسلم الدوليين».

في هذه الأثناء قال السفير السوري لدى لبنان علي عبد الكريم إن دمشق تملك قرار ما وصفه بـ«المفاجأة» للرد على الغارة الجوية الإسرائيلية، مضيفا أن «الإسرائيلي وخلفه الأميركي والمتواطئون معه من الأنظمة العربية والإقليمية يعلمون أن سوريا التي تخوض دفاعا عن سيادتها وأرضها تملك قرارها وتملك المفاجأة في الرد على العدوان».

بدورها سارعت إيران بإدانة الغارة، وقالت على لسان وزير خارجيتها علي أكبر صالحي إن الغارة الإسرائيلية تعد «عدوانا عنيفا». وقال في بيان نقلته وسائل الإعلام الإيرانية: «لا شك أن هذا العدوان يتماشى مع سياسة الغرب والصهاينة الرامية إلى حجب نجاحات شعب وحكومة سوريا في استعادة الاستقرار والأمن في البلاد»، مضيفا أن هذه العملية تبرز «تطابق أهداف المجموعات الإرهابية مع أهداف الصهاينة».

من جانبه هدد نائب وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان من أن الغارة ستكون لها عواقب وخيمة على تل أبيب، حسب تصريح أدلى به لشبكة «بريس تي في» الإيرانية.

من جانبها أعربت موسكو عن قلقها تجاه الغارة، وقالت وزارة الخارجية الروسية في بيان إنها تتقصى الحقائق حول المعلومات حول وقوع غارة ضد مواقع سورية على مقربة من العاصمة دمشق. وأشار بيان الخارجية الروسية إلى أنه «في حال ثبوت صحة ما توارد من معلومات حول هذا الشأن فإن موسكو ستكون أمام هجمات غير مبررة على أراضي دولة ذات سيادة، ما يعد انتهاكا غير مقبول لميثاق الأمم المتحدة، مهما كانت المبررات».

وأضاف البيان أن موسكو «ستعمل من أجل اتخاذ الإجراءات السريعة لتوضيح الوضع بمجمل تفاصيله». وأشار البيان إلى أن موسكو «تدعو مجددا إلى وقف أي شكل من أشكال العنف في سوريا وعدم التدخل الخارجي وبدء الحوار الوطني السوري على أساس اتفاقات جنيف الموقعة في 30 يونيو (حزيران) من العام الماضي».

أوروبيا، رفض وزراء خارجية دول في الاتحاد الأوروبي التعليق على إعلان الجيش السوري استهداف إسرائيل لموقع بحثي في ريف دمشق. وقال وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ للصحافيين في بروكسل حيث انعقاد اجتماع لوزراء خارجية دول الاتحاد: «ليس لدي أي معلومات إضافية.. وبالطبع ستكون هناك مخاطر كبرى من الصراع الدائر في سوريا». وصرح وزير الخارجية الألماني جيدو فسترفيلي: «ما دامت لا تتوافر لدينا معلومات خاصة بنا، وما دامت لا تتوافر لدينا معلومات موثوقة عما حدث هناك، فأنا لا أرغب في الإدلاء بأي تصريحات».

عربيا، أدانت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية العدوان الإسرائيلي على منطقة جمرايا في ريف دمشق، حيث وصف الأمين العام للجامعة في بيان صادر عنه الاعتداء الإسرائيلي بالسافر، معتبرا إياه «انتهاكا واضحا لأراضي دولة عربية وسيادتها ومخالفة لميثاق الأمم المتحدة ولقواعد القانون الدولي وخرقا للاتفاقيات والمواثيق الدولية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة». وطالب العربي المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته ووضع حد لتمادي إسرائيل في اعتداءاتها على الدول العربية، مؤكدا أن صمت المجتمع الدولي عن قصف إسرائيل لمواقع سورية في الماضي شجعها على المضي في العدوان الجديد.

وفي الجانب الإسرائيلي قال العميد في الاحتياط، شيمعون شبيرا، الذي يعمل باحثا في مركز القدس لشؤون المواطن والدولة، تعليقا على الأحداث الحالية، إن «حزب الله لا يبحث عن سلاح كيماوي، فهذا سلاح معقد يحتاج إلى خبرات وآليات تركيب، وهي ليست متوفرة لدى حزب الله». وأضاف شبيرا أن حزب الله يمتلك عدة أنواع من الأسلحة المتطورة، التي تسميها إسرائيل «أسلحة تكسر التوازن». فقد أعطته إيران كل أنواع الأسلحة التي تمتلكها، باستثناء الأسلحة البالستية. ولكن حزب الله لا يسرع في المبادرة إلى إطلاق الصواريخ، كما يفعل رفاقه في قطاع غزة، بل ينتظر بصبر طويل الفرصة السانحة والأفضل. وهذا هو ما طلبته إيران منه، لأنها تريده سندا ومعينا في حال نشبت حرب كبرى مع إسرائيل أو دول الغرب.

وانضم إلى هذا التقدير الخبير بن يشاي قائلا إن آخر ما تريده سوريا وحزب الله الآن هو مواجهة مع إسرائيل. فسوريا تعرف أن مواجهة كهذه ستؤدي إلى تورطه وستقرب لحظة سقوطه، مع أنه كان بدأ يسترد أنفاسه ويحقق مكاسب ضد المعارضة، وحزب الله تلقى أمرا من إيران بأن لا يتورط في حرب مع إسرائيل لكي تستخدم قوته في حال إقدام إسرائيل على ضرب إيران.

السلطتان السياسية والعسكرية في تل أبيب ما زالتا تواصلان سياسة الصمت إزاء عملية القصف وهدفها، لكن مصادر إسرائيلية كثيرة تكلمت في الموضوع من دون الإفصاح عن هوياتها، كما أن قنوات التلفزة الإسرائيلية عرضت ما قيل إنه خرائط تفصيلية عن العملية، مفندين الرواية السورية التي تقول إن إسرائيل قصفت مركز أبحاث عسكرية، ومؤكدين أن القصف تناول قافلة تنقل صواريخ «سام – 17» بعيدة المدى. مصادر أخرى تضيف بأن القصف شمل أيضا محطة رادار للتشويش على أجهزة الرقابة، وهذا ما ضمن للطائرات الإسرائيلية التحليق في سماء لبنان والوصول إلى سوريا والعودة إلى القواعد في إسرائيل بسلام.

ونقل الخبير العسكري، رون بن يشاي، الناطق السابق بلسان الجيش الإسرائيلي، عن «مصادر ضالعة بالمعلومات»، أن «القيادة السورية التي نفت في البداية وجود عملية قصف في الأصل، عادت وبثت رواية كاذبة حول قصف مركز أبحاث، وذلك لأنها تخشى من رد فعل روسيا». وأوضح بن يشاي أن روسيا كانت قد طمأنت إسرائيل بأن الصواريخ المتطورة التي باعتها لسوريا هي سلاح دفاعي لاستخدام الجيش السوري وحده، وبأن شروط اتفاقية البيع تتضمن بندا واضحا يمنع سوريا من نقل هذه الأسلحة إلى أية جهة أخرى. والآن باتت روسيا في حالة حرج شديد مع إسرائيل ومع الغرب، خصوصا أن يعقوب عاميدرور، رئيس مجلس الأمن القومي في الحكومة الإسرائيلية، قدم في موسكو، أول من أمس، تقارير موثقة عن محاولة نقل هذه الأسلحة إلى حزب الله. وقال بن يشاي إن المعلومات في حوزته تؤكد بما لا يقبل أي شك أن القصف وجه إلى قافلة أسلحة، انطلقت من الجهة الشمالية الشرقية من دمشق باتجاه الحدود مع لبنان، وأن الطائرات التي قصفتها تابعت مسارها بدقة، ودمرتها فقط عندما اقتربت من الحدود اللبنانية.

عدد من المسؤولين الإسرائيليين تحدث عن أهداف القصف ورسائله لكل من سوريا ولبنان. وفي هذا الصدد قال الجنرال داني ياتوم، الرئيس الأسبق لجهاز المخابرات الخارجية (الموساد)، إن «القصف في سوريا يعني أن هناك من تجاوز الخطوط الحمراء التي رسمتها إسرائيل، خصوصا حزب الله. فمنذ عدة سنوات ونحن نعلن أننا لن نقبل بوجود أسلحة كيماوية وغيرها من الأسلحة المتطورة مع تنظيم حزب الله. وحذرنا من الإخلال بالتوازن القائم، خصوصا حصول حزب الله على صواريخ مضادة للطائرات أو صواريخ نوعية ذات مدى طويل. وكنا نعرف أن حزب الله يريد هذه الأسلحة ويبذل جهدا خارقا لكي يحصل عليها. ولكن يبدو أنهم أرادوا أن يجربوا مدى جديتنا في التحذير». وقال قائد سلاح الطيران، الجنرال أمير ايشل، إن «سوريا ابتاعت في السنوات الأخيرة أسلحة متطورة للغاية بقيمة 3 مليارات دولار، بينها أجهزة رادار متطورة وصواريخ حديثة يبحث عنها حزب الله، لكي يشوش حركة الطيران الإسرائيلي في الشمال. ونحن لن نسمح له بالحصول عليها، لأنها تعتبر كسرا للتوازن القائم». وقال الخبير العسكري، يوسي ميلمان، إن إسرائيل وجهت رسالة تحذير إلى الرئيس السوري، بشار الأسد، عبر طرف ثالث منذ سنة 2008، تحذر فيها من مغبة تسلم حزب الله هذه الأسلحة المتطورة. وتهدد برد قاسٍ ومؤلم. وفي حينه امتثل الأسد وتعهد بأن لا يفعل. ولكن نظام الأسد اليوم يقف في حالة عزلة شديدة ولا يجد معه معينا سوى إيران. ويبدو أن الإيرانيين يدفعونه اليوم إلى خرق تعهده وتسليم حزب الله أسلحة متطورة تقليدية وغير تقليدية. وهو بات أسيرا بأيديهم ولا يقوى على الرفض.