الغارة الإسرائيلية تغير «قواعد الاشتباك» وتجر حزب الله وإيران للتدخل مباشرة في سوريا

خبير: ما رصدته تل أبيب واستدعى تحركها يوازي بأهميته ضرب المفاعل النووي عام 2007

TT

أثارت الغارة الإسرائيلية التي استهدفت منشأة عسكرية للبحوث العلمية شرق العاصمة السورية دمشق وقرب الحدود اللبنانية، أول من أمس، انتباه المراقبين والخبراء العسكريين، نظرا لدلالات توقيتها والرسائل التي وجهتها إلى أكثر من طرف، عدا عن كونها تشكل دليلا فاقعا على تغيير قواعد الاشتباك في سوريا.

صحيح أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها استحضار العنصر الإسرائيلي في الأزمة السورية، حيث اندلعت مواجهات في الخامس عشر من شهر مايو (أيار) 2011. في هضبة الجولان على الحدود السورية الإسرائيلية، إثر خروج مظاهرة في الذكرى الثالثة والستين لنكبة فلسطين. ووصفت هذه الاشتباكات بالأعنف منذ 43 عاما، وأدت لسقوط 10 قتلى، فضلا عن عشرات الجرحى برصاص الجيش الإسرائيلي.

وإذا كان يمكن حينها وضع التصرف الإسرائيلي آنذاك في إطار «رد الفعل»، على اجتياز المتظاهرين للحدود، إلا أن الغارة الإسرائيلية تبدو علنيا بمثابة «فعل» هذه المرة. ويقول الباحث اللبناني وأستاذ العلاقات الدولية الدكتور سامي نادر لـ«الشرق الأوسط» إن «الصراع السوري بعد الغارة الإسرائيلية يأخذ أبعادا جديدة، ولدى أطراف عدة، بينها حزب الله وإيران حكما، إضافة إلى النظام السوري مصلحة في استحضار العنصر الإسرائيلي، لتحويل الصراع من سوريا من صراع بين النظام والمعارضة إلى صراع عربي - إسرائيلي، علما بأن الصراع السني - الشيعي على الحدود الإسرائيلية يخفف من الضغط على إسرائيل، التي لم تقع حتى الأمس القريب في الفخ».

ويرجح نادر أن يكون الفعل الإسرائيلي علنا عبارة عن «رد فعل على تجاوز قواعد الاشتباك من الجانب السوري، وهو شبيه بما حصل خلال عام 2007 عندما ضربت إسرائيل المفاعل النووي السوري»، رابطا بين ما حصل أمس وما سبق أن نشرته صحف أجنبية، آخرها صحيفة «نيويورك تايمز» في السابع من الشهر الفائت، حيث أشارت إلى أنه في «الأيام الأخيرة من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، اتصل كبار القادة العسكريين الإسرائيليين بالبنتاغون لمناقشة معلومات استخباراتية مثيرة للقلق أظهرتها صور الأقمار الصناعية، وبدا فيها جنود سوريون داخل موقعي تخزين وهم يعملون على مزج مواد كيميائية يرجح أن تكون غاز الأعصاب القاتل (السارين)، وملء عشرات القنابل زنة 500 رطل التي يمكن تحميلها على متن الطائرات». واستدعت هذه المعطيات تحذيرا عالي النبرة وجهته الإدارة الأميركية إلى سوريا وحلفائها، حال دون الاستمرار في عمليات مزج المواد الكيميائية وتجهيز الأسلحة.

ولا يستبعد نادر في هذا السياق أن تكون الخطوة الإسرائيلية «مرتبطة بكشف محاولة استخدام أو نقل صواريخ من نوع جديد، لتزويد حزب الله بها وشكلت تهديدا مباشرا لإسرائيل، أو أنه تم تجاوز الخط الأحمر المتعلق باستخدام السلاح الكيميائي». ويضيف شارحا: «ما رصدته إسرائيل واستدعى تحركها يوازي بأهميته ضرب المفاعل النووي عام 2007. فهي إما رصدت أسلحة من نوع جديد أو تحرك ما يتعلق بالسلاح الكيميائي»، معتبرا أن الأكيد هو أن «قواعد الاشتباك تغيرت بين إسرائيل وسوريا وهو ما يفسر التدخل الإسرائيلي لوجود خطر ما يتهدد أمنها مباشرة».

ويتوقف نادر عند ردود الفعل في الشارع العربي على الضربة الإسرائيلية، ويعرب عن اعتقاده في هذا الإطار بأن «الشارع العربي بالحد الأقصى بدا كما لو أنه غير مبال بما حصل، كمل لو أن إسرائيل مقتنعة بامتلاكها هامش حرية مطلقة، وأنه لا ردود فعل عربية ستطال فعلها وتستدعي في مرحلة ثانية ردود فعل دولية مماثلة». ويذهب إلى حد القول: «لا بل على العكس، فإن أي خطوة عسكرية، سواء كانت مبررة أم غير مبررة، لن تلقى أي مواجهة نتيجة للسياسة القمعية التي ينتهجها النظام السوري».

وتعليقا على موقف روسيا، التي سارعت إلى الإعراب عن قلقها، معتبرة: «إننا أمام عملية إطلاق نار من دون مبرر على أراضي دولة ذات سيادة، في انتهاك فاضح وغير مقبول لميثاق الأمم المتحدة، أيا كان المبرر»، يرى نادر أن رد الفعل الروسي «يثير الدهشة، لأنها توافق على أن تجرها إيران، من حيث تدري أو لا تدري، إلى حلبة الصراع مع إسرائيل، علما بأن العلاقة الروسية الإسرائيلية تحسنت كثيرا خلال السنوات الفائتة، وأن الهم الوحيد لروسيا هو حماية مصالحها الاستراتيجية».

ويعرب الخبراء عن اعتقادهم بأن النظام السوري هو المستفيد الأول من دخول إسرائيل على خط أزمته الداخلية. يقول نادر: «للنظام مصلحة أكيدة في ذلك، لأن التدخل الإسرائيلي يوسع رقعة الاشتباك، ويهمه ألا يبقى الاشتباك سوريا - سوريا أو سنيا - شيعيا، وأن يأخذ بالتالي بعدا عربيا - إسرائيليا».

ويخلص نادر إلى التأكيد على أن حزب الله وللمرة الأولى «يحقق ما كان يتمناه في سوريا، إذ سارع إلى اعتبار ما حصل بأنه «يكشف خلفيات ما يجري في سوريا وأبعاده الهادفة إلى تدمير سوريا وإسقاط دورها المحوري في خط الممانعة»، معربا عن اعتقاده بأن حزب الله لن يكتفي في المرحلة المقبلة بالمراقبة أو التزام سياسة «النأي بالنفس» أو التذرع بالدفاع عن أمن قرى شيعية قرب الحدود لأنه بات يجد مبررا لتدخله، وكذلك الحال بالنسبة للنظام الإيراني الذي قد يطلق يد فيلق القدس الموجود في دمشق.