«هيومان رايتس» لحكومات «الربيع العربي»: هل جلبتم الديمقراطية أم أنكم وجه جديد للاستبداد؟

قالت إن صعوبة بناء «الحريات» لا تبرر العودة للأنظمة القديمة

TT

قالت منظمة «هيومان رايتس ووتش» أمس مع إصدارها التقرير العالمي لعام 2013، إن الحالة التي أفرزها «الربيع العربي» أفسحت المجال لتحديات الواقع المتمثلة في بناء نظم ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان، مؤكدة أن قابلية الحكومات الجديدة لاحترام حقوق الإنسان سوف تؤكد ما إذا كانت هذه الانتفاضات قد جلبت معها ديمقراطية حقيقية أم مجرد المزيد من الاستبداد في أشكال جديدة.

وفي مؤتمر صحافي في لندن أمس، صاحب إطلاق تقريرها السنوي الثالث والعشرين، أوضحت المنظمة، في ما يخص أحداث الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن «تأسيس دولة احترام الحقوق قد يكون مهمة شاقة للغاية؛ تتطلب بناء مؤسسات حُكم رشيد فعالة، وإنشاء محاكم مستقلة، وتنظيم شرطة احترافية، ومقاومة إغراء تجاهل الأغلبية في شتى دول المنطقة لحقوق الإنسان وسيادة القانون»، مؤكدة أن «صعوبة بناء النظام الديمقراطي لا تبرر السعي للعودة للنظم القديمة».

وأشار التقرير في مقدمته إلى أن «الصراع على الدستور المصري - الذي يرجح أن يكون الأكثر تأثيرا بين دول المنطقة التي تمر بمراحل التغيير - يُظهر صعوبة حماية حقوق الإنسان»، موضحا أنه يحتوي على بعض العناصر الإيجابية، بما في ذلك الحظر الواضح على التعذيب والاحتجاز القسري. إلا أن المنظمة أشارت إلى «بنود أخرى فضفاضة ومبهمة، عن حرية التعبير والمعتقد الديني والأسرة، ولها تداعيات خطيرة على حقوق المرأة وممارسة الحريات الاجتماعية التي يحميها القانون الدولي. كما يعكس الدستور على ما يبدو التخلي عن أي جهود لفرض السيطرة المدنية على الجيش».

وفي سوريا، أشار التقرير إلى «ارتكاب القوات الحكومية جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، بينما ارتكبت بعض قوى المعارضة بدورها انتهاكات جسيمة، بما في ذلك أعمال تعذيب وإعدام خارج نطاق القضاء». وعن رؤيته لإمكانيات التعايش المشترك مستقبلا بين أبناء سوريا بعد كل ما شهدته الأزمة من إراقة للدماء، حمل نديم حوري، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة، مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع لـ«العنف الذي استخدم ضد الشعب السوري». وأوضح خوري لـ«الشرق الأوسط» أن تحقيق العدالة في مواجهة الجرائم التي ارتكبت، ومحاسبة المسؤولين، وتوزيع المساعدات الإنسانية لـ«الكل»، هو ما يكفل مستقبلا مشتركا في سوريا، ويمنع ردود الفعل الانتقامية، مشددا على ضرورة أن تكون للمعارضة تحديدا «نظرة تحتوي الجميع؛ بعيدا عن المجرمين»، مشيرا إلى أنه ما زال يرى أن هناك فرصا للتعايش، رغم أنه «للأسف اليوم أعلى صوت هو صوت البندقية»، ولذلك تأتي أهمية «دق ناقوس الخطر؛ وهو ما نحاول أن نفعله الآن».

وردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول دور المنظمات الحقوقية في مواجهة حق النقض (الفيتو) للدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، والذي يرى كثير من الحقوقيون حول العالم أنه قد يكون «حقا ضد حقوق الإنسان في حد ذاته»، قال كينيث روث، المدير التنفيذي لـ«هيومان رايتس» إن «أحد العيوب الرئيسية بمجلس الأمن هو حق الدول الخمس في إيقاف اتخاذ قرار دولي ضدها أو ضد حلفائها المفضلين، مثل ما تفعله أميركا دائما لحماية إسرائيل، والآن نرى ذلك مع روسيا لحماية سوريا». وأضاف روث آسفا «إننا لا نملك شيئا فوريا حيال هذا الأمر، بأكثر من محاولة رفع ثمن هذه الاعتراضات (الفيتو).. وفي حالة روسيا، فإن (روس أبورون إكسبورت) التي تدير الصادرات العسكرية الروسية، وما زالت تمد (الرئيس السوري بشار) الأسد بالسلاح، ما كان ينبغي لها أن تظل قادرة على الاستمرار في معاملاتها بحرية خارج لندن أو باريس.. ويجب أن يكون هناك ثمن لمثل تلك الأفعال، إذا استمر التعامل بلا مبالاة مع الدماء المهدرة في سوريا».

كما أشار روث خلال إجابته عن أحد الأسئلة، إلى أن عام 2012 شهد أسوأ حملات القمع التي شنتها السلطات الروسية على المجتمع المدني في البلاد منذ سقوط الاتحاد السوفياتي قبل 21 عاما، مرجحا أن يكون أحد الأسباب القوية لذلك هو قلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من استيراد روسيا لـ«فورة الربيع العربي» محليا، مما أسفر عن إصداره لعدد من القوانين التي تسعى لغلق الباب أمام مثل هذا التطور، ومزيد من استهداف منظمات المجتمع المدني.

وقال التقرير إنه «بإمكان الحكومات تبرير بعض القيود على حرية التعبير، بما في ذلك الخطاب المستخدم في التحريض على العنف». فيما أوضح روث، ردا على تساؤل لـ«الشرق الأوسط» حول تقييمه لمدى التقدم (أو التأخر) الذي شهدته دول الربيع العربي في مجال حقوق الإنسان، أن «المنظمة لا تفضل أبدا مقارنة الدول بعضها ببعض، نظرا لاختلاف الظروف بين كل حالة على حدة. إلا أن المقارنة مثلا بين عملية صناعة الدستور في كل من مصر وتونس قد تظهر أن الأخيرة نجحت في تفادي بعض المعوقات، مثل المنهج السريع غير الجامع للشمل الذي استخدمه (الإخوان المسلمون) بمصر. فيما الوضع في ليبيا مختلف، حيث المشكلة الغالبة أن الحكومة هناك تتحدث عن العديد من الأشياء الجيدة، لكنها لا تمتلك قوة كافية على الأرض للتطبيق».

لكن روث أكد في المجمل على إيمانه بقدرة شعوب الشرق الأوسط على الوصول بالنهاية إلى مزيد من الحريات، مشددا على «احترام الحكومات التي وصلت إلى الحكم عبر صناديق الاقتراع، إلا أنه ينبغي على هؤلاء - رغم شرعيتهم - الالتزام الكامل بحقوق الإنسان».

كما أعرب روث عن القلق إثر تلقي شهادات حول «أعمال قتل وإخفاء انتقامية» نسبت إلى القوات المسلحة المالية أثناء الهجوم على المتمردين الإسلاميين، وطالبت بإرسال مراقبين دوليين إلى البلاد. وقال إن «خبراء في شؤون حقوق الإنسان في الميدان أفادوا بضلوع تلك القوات في سلسلة من أعمال القتل والإخفاء الانتقامية، ونخشى أن يكون حصل غيرها». وطالبت المنظمة «بانضمام مراقبين دوليين مكلفين بحقوق الإنسان إلى القوات الدولية» التي من المنتظر انتشارها في مالي.