الجزائر: إزاحة بلخادم من قيادة «جبهة التحرير الوطني» بفارق 4 أصوات

5 أسماء مرشحة لخلافته.. ولا أحد منهم يحظى بإجماع في الحزب

بلخادم أثناء ادلائه بصوته أمس (أ.ف.ب)
TT

سحبت اللجنة المركزية لـ«جبهة التحرير الوطني» الجزائرية، حزب الأغلبية في البلاد، أمس الثقة من عبد العزيز بلخادم، أمين عام الحزب، بعدما تم الاحتكام إلى صندوق الاقتراع، وذلك خلال اجتماع للجنة، وهي بمثابة برلمان للحزب. وقال بلخادم بعد صدور نتيجة التصويت: «سأغادر الحزب الآن وهو أول قوة سياسية في البلاد».

وتأتي الإطاحة ببلخادم بعد شهر تقريبا من استقالة أحمد أويحيى، رئيس الوزراء السابق من قيادة «التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي يوصف بـ«حزب السلطة» مثل «جبهة التحرير». واعتبر المراقبون أن ما حصل لأويحيى وبلخادم يدخل ضمن الإرهاصات الأولى للتغيير المؤجل في الجزائر جراء تداعيات ما يسمى «الربيع العربي».

ودفع أويحيى إلى التنحي، بعد أن اشتد عليه ضغط المعارضين بقيادة وزير الصحة الأسبق، الطبيب يحيى قيدوم، الذي اتهمه بـ«تحويل الحزب إلى ثكنة عسكرية لا مكان فيها للرأي الحر». وبدا بلخادم متأثرا إلى حد ما بالنتيجة، التي اتسمت بفارق 4 أصوات لصالح خصومه الذين ظلوا يضغطون عليه مدة ثلاث سنوات لدفعه إلى الاستقالة. وحصل الأمين العام السابق على تأييد 156 عضوا في اللجنة المركزية، الذين طلبوا بتجديد الثقة فيه، فيما صوت لصالح سحبها منه 160 عضوا.

وشكر بلخادم التشكيلة الحالية للجنة المركزية التي عمل معها مدة ثلاث سنوات، أي منذ المؤتمر العاشر، الذي عقد مطلع 2010.

وبعد الإعلان عن نتائج التصويت، احتدم خلاف حاد بين مناصري بلخادم، وخصومه في «حركة تقويم وتأصيل جبهة التحرير»، حول طريقة خلافته. فبينما أصر أنصاره على انتخاب أمين عام جديد في نفس اليوم، طلب المناوئون له انتظار فترة أسبوعين على الأقل للتشاور فيما بينهم، لاختيار مرشح يمثلهم.

وقال عبد الكريم عبادة، منسق «التقويمية» لـ«الشرق الأوسط» مباشرة بعد الإعلان عن النتائج: «بلخادم انتهى ولا يمكنه أن يملي علينا طريقة انتخاب خليفته. سوف نأخذ الوقت الكافي لإيجاد أمين عام جديد، لأن الأعصاب متوترة حاليا وقد يحدث صدام بيننا لو تسرعنا. ثم إنه من غير المعقول أن نختار قائد أكبر وأهم حزب في البلاد في ظرف ساعات قليلة».

من جهته، قال عبد الحميد سي عفيف، عضو المكتب السياسي للجبهة، وأحد أنصار بلخادم: «لن نترك لهم المجال ليعبثوا بالحزب. سوف نختار أمينا عاما جديدا بسرعة». وأضاف: «إنهم يريدون أن يجعلوا شيخا طاعنا في السن قائدا علينا. يريدون إدخال جبهة التحرير إلى المتحف، لن نتركهم يفعلون ذلك».

ويقصد سي عفيف بـ«الشيخ»، عبد الرزاق بوحارة، القيادي في الجبهة منذ عقد الخمسينات من القرن الماضي، البالغ من العمر 83 سنة، والذي طرح اسمه بقوة في كواليس الاجتماع أمس.

وبدوره، قال محمد الصغير قارة، الناطق الرسمي للحركة التقويمية لحزب جبهة التحرير الوطني، وزير السياحة الأسبق لـ«الشرق الأوسط»، إن المشاورات الآن جارية بين قيادات الحزب بشأن طريقة انتخاب الأمين العام، مشيرا إلى أن «العملية ستكون إما بالتوافق أو بالتصويت». وزاد قائلا: «إذا كان هناك إجماع وتوافق على اختيار شخصية من الحزب لتولي هذا المنصب سيكون ذلك، وإذا لم يكن هناك توافق فكما تم سحب الثقة من بلخادم عن طريق التصويت، سيتم منح الثقة للأمين العام الجديد عن طريق التصويت أيضا»».

وبشأن الأسماء المرشحة لتولي منصب الأمين العام الجديد، قال قارة إن «هناك أسماء كثيرة مرشحة لتولي هذه المسؤولية»، بيد أنه رفض ذكرها، مشيرا إلى أن المشاورات لم تنته بعد بشأن ذلك، ولا يمكن ذكر أي اسم حتى لا يؤثر ذلك على عملية اختيار الأمين العام الجديد.

وعلمت «الشرق الأوسط» أن من بين الأسماء المرشحة لخلافة بلخادم هناك وزير العمل، الطيب لوح، ووزير النقل، عمار تو، ووزير الصحة، عبد العزيز زياري. لكن لوح قال للصحافة قبل بداية الاجتماع إن مهامه الحكومية تمنعه من تولي قيادة «الجبهة». ولا يستبعد المراقبون أن يغير لوح رأيه في حال ألح عليه رفاقه خوض معركة الأمانة العامة. ويبرز من الأسماء أيضا عبد القادر حجار، سفير الجزائر في تونس، ومهندس ما يعرف بـ«المؤامرة العلمية»، التي أطاحت بالأمين العام الأسبق، عبد الحميد مهري عام 1996 (توفي العام الماضي)، كما كان حجار قائد الحملة التي هدفت إلى الإطاحة بالأمين العام السابق علي بن فليس عام 2004. لكن حجار يعاني من المرض، ومتقدم في السن. وتجدر الإشارة إلى أن أيا من الأسماء المذكورة لا يحظى بالإجماع حتى داخل الكتلة المعارضة لبلخادم.

وبدا من خلال مواقف أعضاء «اللجنة المركزية»، قبيل بدء الاجتماع، أن عدد المؤيدين والمعارضين متساو، فيما كان موقف رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، الذي يرأس شرفيا الحزب، هو الحلقة الغائبة في الاجتماع. وأشيع في الأيام الأخيرة أنه يؤيد بلخادم. أما خصوم هذا الأخير فقالوا: إن «بلخادم يوهم الرأي العام بأنه مدعوم من الرئيس».

وضربت أجهزة الأمن حصارا مشددا على المنتجع السياحي «سيدي فرج» (30 كلم غرب العاصمة)، حيث جرت أطوار اجتماع اللجنة المركزية المتكونة من 351 عضوا.

واشتدت المعارضة ضد بلخادم داخل الحزب بشكل لافت بعد تراجع نتائج الجبهة في الانتخابات البلدية، التي جرت نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. بعدها انضم وزراء الحزب الثمانية إلى المعارضين لبلخادم، ودعوه إلى التنحي في رسالتين شهيرتين بداية الشهر الماضي. والتقى الوزراء أمس في قاعة صغيرة بالفندق، الذي احتضن الاجتماع، لضبط خطة الإطاحة ببلخادم، وذلك تحت إشراف الوزير لوح، ولكن ظل الوزير عمار تو أكثرهم نفوذا وقدرة على المناورة ضد بلخادم.

واللافت أن كل هؤلاء كانوا حتى وقت قريب حلفاء لبلخادم وشركاء له في كل القرارات التي اتخذها خلال ثماني سنوات من قيادة الحزب.