أزمات متعددة تنهال على حكومة باكستان وتثير الشكوك حول المستقبل

حزب نواز شريف يعد لمظاهرات كبيرة على غرار مسيرات القادري.. والأنظار على الجيش

طلاب ينعون رجل دين قتل رفقة تسعة آخرين في هجوم يحمل الطابع الطائفي في كراتشي أمس (أ.ب)
TT

في وقت تتوالى فيه الأزمة تلو الأخرى على الحكومة الباكستانية، بقيادة «حزب الشعب»، بات السياسيون والمواطنون يعيشون في دوامة من الشك والقلق بشأن المستقبل، مما أثر سلبا على الاقتصاد الهش أصلا للبلاد. وتدخل حكومة حزب الشعب اليوم الشهر الأخير من فترتها المقررة بخمس سنوات والتي يفترض أن تنتهي في مارس (آذار) المقبل، ويتوقع أن يتم الإعلان بعدها عن الانتخابات البرلمانية القادمة. بيد أن التكهنات لا تزال تتردد بقوة في العاصمة إسلام آباد حول إمكانية الإطاحة بالحكومة بطرق غير دستورية.

ونتيجة لهذه الأجواء من الشكوك، عانى الاقتصاد الباكستاني حالة من التدهور، ففي منتصف الشهر الماضي انهارت بورصة كراتشي للأوراق المالية، أضخم بورصة في البلاد، بعد إصدار المحكمة العليا أمرا بالقبض على راجا برويز أشرف، على خلفية اتهامه بالتورط في فضيحة فساد مالي. ويقول عضو البرلمان، رضا رباني، أبرز أعضاء حزب الشعب الحاكم «أرى مؤامرة لإسقاط النظام السياسي. يجب على القوى السياسية التوقف عن الأعمال التي يمكن أن تزعزع استقرار النظام».

وكانت المحكمة العليا قد أصدرت أمر اعتقال لأشرف في الأسبوع الثاني من يناير (كانون الثاني)، في الوقت الذي كان فيه آلاف المتظاهرين يواصلون اعتصامهم أمام مقر البرلمان للاحتجاج ضد الفساد المالي المستشري في صفوف الحكومة. وفي أعقاب القرار (أمر المحكمة بالقبض على أشرف) انهارت سوق كراتشي للأوراق المالية بفقد البورصة أكثر من 500 نقطة. وحتى بعض المحللين السياسيين الجادين بدأوا يجادلون بأن الحكومة الحالية قد يطاح بها قبل أن تكمل سنواتها الخمس، وأن الجيش سيشكل حكومة تصريف أعمال لفترة طويلة لأن عقد الانتخابات البرلمانية سيكون مستحيلا في مثل هذا الوقت.

ووسط هذا المناخ، تتجه الأنظار كلها إلى الجيش، إلا أن المؤسسة العسكرية أوضحت موقفها عبر التقارير الإعلامية، وأكدت أنها لا تعتزم التدخل في السياسات الداخلية. إلا أن الشائعات أبت ألا تموت وسط استمرار الموقف المتأزم في إسلام آباد. فقد شهدت البلاد الشهر الماضي حشد أحد أقطاب المعارضة، الشيخ طاهر القادري، الآلاف من أنصاره في شوارع إسلام آباد، كما أعلن حزب الرابطة الإسلامية (جناح نواز شريف) عن خططه للخروج في مظاهرات كبيرة أمام البرلمان خلال الأسبوع الحالي. وتركز كل من المسيرتين التظاهريتين على مطالب إجراء انتخابات حرة ونزيهة في البلاد. ولا تبدو هناك نهاية وشيكة لهذه المسيرات التظاهرية على الرغم من دأب الحكومة على الإعلان أن الانتخابات ستجرى في موعدها وأنها ستكون حرة ونزيهة.

وتتزامن المظاهرات السياسية مع ارتفاع مد العنف الطائفي، ويشير محللون سياسيون إلى أن ارتفاع مد هذا النوع من العنف في المراكز الحضرية للبلاد قد يتسبب في أزمة سياسية أكبر خلال الشهور القادمة. ويقول رسول بخش، أستاذ العلوم السياسية في جامعة العلوم الإدارية في لاهور «موجة القتل العرقي التي لا تنتهي في أضخم المدن الباكستانية، كراتشي، يمكن أن تهز استقرار باكستان بأسرها». وأدى هذا العنف إلى خروج مئات الشيعة في مدينة كويتا (جنوب) في الأسبوع الأول من يناير. وحينها قطع المتظاهرون الشيعة كل الطرق الرئيسية في جنوب المدينة وانتشرت المظاهرات إلى بقية البلاد.

وكان على رئيس الوزراء راجا برويز أشرف أن يذهب بنفسه إلى كويتا لتهدئة المتظاهرين الشيعة. والتقى بقادة الطائفة الشيعية الذين وافقوا على إجراء مفاوضات مع رئيس الوزراء والوفد المرافق له، لكنهم استغرقوا بعض الوقت لإنهاء طريقة الاحتجاج المؤلمة عندما اعتصموا في وسط المدينة وإلى جوارهم ثلاثة وثمانين قتيلا رفضوا دفنهم قبل القبض على المتورطين في الهجوم. ومنذ اليوم الأول لمظاهرتهم طلبت الطائفة الهازارية ضرورة تسليم كويتا إلى الجيش والحكومة المحلية وحل المجالس التشريعية.

وسعيا وراء تهدئة المتظاهرين، اضطر رئيس الوزراء إلى إصدار أمر بحل الحكومة المحلية، التابعة لحزب الشعب الباكستاني الحاكم على المستوى الفيدرالي. ويقول فصيح الرحمن، المعلق السياسي ورئيس تحرير صحيفة «ذا نيشن» اليومية في إسلام آباد «تسبب هذا في مزيد من الشكوك. أعني أن إقالة حكومة منتخبة أثارت التكهنات بأن أيام الحكومة (الفيدرالية) باتت معدودة». ويشير المحللون السياسيون إلى أن المشهد السياسي الباكستاني يشهد تقلبات كبيرة هذه الأيام مع اقتراب البلاد من الانتخابات المفترض إجراؤها في الأسبوع الأول من مايو (أيار) المقبل. ومع استعداد القوى السياسية التقليدية للانتخابات، تبرز تهديدات للنظام السياسي ككل. فعلى سبيل المثال يهدد العنف المتصاعد والجماعات غير التقليدية مثل طالبان بزيادة الهجمات العنيفة لتعطيل الانتخابات. وتلقي الجماعات السياسية الأخرى بظلال من الشك بشأن عملية الانتخابات بشكل خاص، والنظام السياسي بشكل عام.

ويأتي على رأس هذا المشهد الفضائح الكثيرة التي هزت الحكومة وأثرت على مصداقيتها، وآخرها لغز وفاة محقق مكتب المحاسبة الوطنية (إحدى أذرع التحقيق الحكومية التي تحقق في جرائم المسؤولين الكبار) كارمان فيصل، الذي كان يشارك بشكل مباشر في تحقيقات المزاعم بالفساد ضد رئيس الوزراء. ومن جانبها تحاول الحكومة والشرطة وصف الحادثة بالانتحار، بيد أن الإعلام الباكستاني يغص بالقصص التي تؤكد أن المحقق الحكومي قد قتل، وهو ما دفع المحكمة العليا إلى بدء تحقيق في مقتله. ويرى متابعون للشأن السياسي في البلاد أن التحقيق في قضية وفاة المحقق الحكومي ربما يكون التحدي الأكبر لمصداقية الحكومية، وإجمالا كان ذلك سببا للشكوك في الدولة. ونتيجة لذلك، يتبادل الجميع الاتهامات بالمسؤولية عن عدم الاستقرار وانتشار المخاوف من المستقبل.

وتبدو باكستان ككل وكأنها تتحرك في دائرة مفرغة لتنتهي من حيث بدأت بعد الانتخابات البرلمانية لعام 2008، إثر تسع سنوات من الحكم العسكري.